وائل السمرى

منظومة الصيانة

السبت، 16 يناير 2016 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«كل شى غلط» هكذا صرخ صديقى اللبنانى حينما كنا نسير فى شوارع القاهرة، قائلا: لا أعرف كيف تعيشون فى وسط كل هذه الفوضى؟ وهذا فى حد ذاته عبقرية نادرة.

ربما كان صديقى يريد أن يخفف من حدة انتقاده للأوضاع المصرية بذكر كلمة «عبقرية» فى وصف لقدرة المصريين على التعايش، لكن ما لم يخف علىّ هو أنه فعلا «كل شى غلط» أخلاق الناس «غلط» تخطيط الشوارع «غلط» تصميم البيوت والعمارات «غلط» سير السيارات «غلط»، تعامل الناس مع إشارات المرور «غلط» انتشار القمامة فى الشوارع والميادين «غلط»، إنشاء البنية التحتية «غلط»، أوضاع التعليم «غلط»، أوضاع المستشفيات «غلط»، التعامل مع العملاء فى الشركات «غلط»، تربية الأبناء «غلط» النظر إلى المستقبل «غلط» ولا يعرف الواحد كيف يعيش الوطن صحيحا معافى وسط كل هذا الـ«غلط».

فى مصر ننفق مليارات الجنيهات على المشاريع الكبرى والصغرى، ننفق المليارات على الوزارات الخدمية، ننفق المليارات على البناء والتشييد، لكننا لم ندرك- حتى الآن- السر وراء كل هذا الـ«غلط» لدينا أجهزة تعمل، وأجهزة تراقب الأجهزة التى تعمل، وأجهزة تراقب الأجهزة التى تراقب، لكننا مع كل هذا غارقون فى الـ«غلط» حتى صار الـ«غلط» هو القاعدة والصحة استثناء.

من وجهة نظرى فإن سبب كل هذه الفوضى هو إهمال منظومة الصيانة فى مصر، تؤكد نظريات العمل الناحجة أنه لكى يستمر مشروع ما بنفس الكفاءة فإنه من الواجب أن يخضع للصيانة الدورية، يقول الرجل العامى فى حديثه «أهم من الشغل ظبط الشغل» ويقول أيضا «زوق البوصة تبقى عروسة» لكننا مع الأسف لا نعترف بنظريات الإدارة ولا نصدق ما نكرره يوميا من مقولات عامية، ونغرق فى الـ«غلط».

يقف المسؤول الكبير مفتتحا أحد المشاريع، مؤكدا أن هذا المشروع تم تصميمه اعتمادا على أحدث الطرز العالمية، وللأسف يقول هذا المسؤول كلماته وهو صادق تماما، يدخل المفتتحون إلى المشروع الجديد فينبهرون، يكتب الصحفيون عن إنجاز المسؤول الكبير، ويسهب المحللون فى شرح أهميته وعظمته، وهم جميعا صادقون، لكن لأننا لا نؤمن بأهمية الصيانة يتحول هذا المشروع فى غضون سنوات وربما أشهر من مفخرة عالمية إلى سبة فى جبين الوطن، فتتكسر الأبواب وتتعطل المصاعد وتشوه الحوائط، وفجأة يجد المواطن نفسه فى مكان لا يحترمه فيبادل عدم الاحترام بالانتقام.

يمتد فساد منظومة الصيانة فى مصر إلى كل شىء، بداية من صيانة «الإنسان» فى المستشفيات، حتى صيانة المستشفيات نفسها، وقس على هذا كل المشاريع الأخرى، وللأسف فإن هذا الفساد قد طال كل شىء، حتى توكيلات الماركات العالمية فى مصر هى الأخرى أصبحت فاسدة، فلا توكيلات السيارات تصلح السيارات ولا توكيلات الأجهزة الإلكترونية تحترم عملاءها، فتشعر وكأن القائمين على هذه التوكيلات يقولون لك: «اشمعنا إحنا اللى هنشتغل صح؟» وللأسف فإن كل هذا الإهدار لا يكلف المواطن فوق طاقته فحسب، بل يمتد أثر هذا الإهدار الهدام إلى التأثير على الاقتصاد القومى بشكل كبير، ولا أبالغ إذا قلت إن فاتورة فساد منظومة الصيانة فى مصر تكاد تأكل مخصصات بناء مصر كلها، ولا سبيل أمامنا إلا إدخال «الصيانة» إلى عقيدة الدولة ومحاربة مهمليها «بالحديد والنار» لعلنا نظفر ببعض «الصح» وسط كل هذا «الغلط».








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة