محمد الدسوقى رشدى

ما بين صوتها عورة وجسدها «حتة لحمة»

الجمعة، 28 أغسطس 2015 10:02 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عزيزتى، كان الله عونًا لك فى وطن لم تبق قطعة فيه إلا وأثارت غضبك مرة بالسخرية، وأخرى بالتحرش، وثالثة بانتقاص قدرك.. مرة يفعلها رجل تغلبه شهوته، وأخرى يفعلها رجل دين يغلبه جهله، وثالثة يفعلها مسؤول دولة تهزمه عنصريته تجاه المرأة وقدرتها، لا شىء ينقص «ستات» مصر إذن.. كل الأطراف تجمعت لإرهاق حياتهن فى أرض هذا الوطن، ومع ذلك اكتشفن أن فى الجعبة المزيد من الإهانات والعنصرية وسوء تقدير لقيمة المرأة فى هذا المجتمع.

صدر عدد يوم الاثنين من جريدة الأخبار وهو يتضمن كاريكاتيرًا مهينًا للمرأة المصرية، وبعد ما كان فنانو الكاريكاتير الكبار يستخدمون ريشتهم فى السخرية من السينما والإعلانات التى تروج للمرأة كسلعة، ظهر لنا من يجعل الكاريكاتير وسيلة لإهانة المرأة المصرية والسخرية منها، فى لوحة جاهلة بقيمة نساء مصر تظهرهن فى ملامح حيوانية وهن يعرضن جسدهن على رجل يرفع شعار حملة مقاطعة اللحوم الشهيرة «بلاها لحمة».

أى قاموس هذا الذى أخبر صاحب الكاريكاتير بأن المرأة فى مصر تتساوى مع الماشية، أى وعاء ثقافى واجتماعى أخبر صاحب اللوحة بأن جسد المرأة مرادف لقطعة اللحمة المعدة فوق الأسرة لإطعام رجل جائع جنسيًا.

كاريكاتير مؤسسة الأخبار المهين لا يختلف أبدًا عن الآراء المتطرفة لشيوخ التيار السلفى التى تهاجمها جريدة الأخبار، وتتهمها بالتطرف والظلامية، فكما قال أبوإسحاق الحوينى ومن معه إن صوت المرأة عورة، قال كاريكاتير الأخبار إن جسد المرأة «حتة لحمة».. هكذا يرون المرأة الآن فى سنوات الحداثة والتقدم والتكنولوجيا، وإذا قارنت تلك الصورة بصورة المرأة فى عصور ما قبل الكهرباء، ما قبل التقدم والتطور ستكتشف أن الزمن يتقدم وعقول أهل هذه المنطقة تتراجع.. فى الماضى كانوا يرون فى المرأة عقلًا، يرونها عالمة وفقيهة، ومدرسة يفخر الرجال بأخذ العلم عنها.. السخاوى فى كتابه «الضوء اللامع» يؤكد أن كثيرًا من فقهاء عصر المماليك سمعوا من بعض السيدات الشهيرات اللائى أجزن لهم.

وتزاحم طلبة العلم على أنس بنت عبدالكريم، وضمن فى كتابه هذا جزءًا كاملًا فيه، ما يزيد على الألف ترجمة «سيرة ذاتية» لنساء عشن فى القرن التاسع الهجرى، وأخذ عنهن الفقهاء والعلماء الرجال العلم.. السخاوى نفسه أخذ العلم عن السيدة موز ابنة ست الركاب بنت محمد بن حجر العسقلانى، الذى أخذ هو العلم بدوره عن عدد آخر من النساء اشتهرن فى ذلك الوقت بالفقه والورع، وهو نفس ما تكرر مع ابن القيم الذى أخذ العلم عن كريمة عبدالوهاب القرشية، وأم عبدالكريم فاطمة سعد الأنصارى، وخديجة أحمد محمد الأصبهانى، مثلما حدث مع الشيخ الفقيه الحافظ المنذرى الذى أخذ العلم عن السيدة صفاء العيش عبدالله الأشرفية الخمرية، وأم مفتوح بنت إبراهيم الشامية المصرية. وقد تكرر ذكر العلماء الأعلام لعديد من النساء العالمات اللائى تلقوا على أيديهن، أو أنهن أجزن لهم فى علم من العلوم، فتكررت لديهم عبارات: «أخبرتنا فلانة» أو «سمعنا من فلانة» وكان من هؤلاء الخطيب البغدادى، والحافظ ابن عساكر، وابن حجر، وتقى الدين الفاسى، وغيرهم من العلماء الذين افتخروا بذلك وكرروا ذكرهن فى مسانيدهم، ويكفينا أن نشير إلى فاطمة بنت عباس شيخة رباط البغدادية، التى لقبها المؤرخ المقريزى بـ«سيدة نساء زمانها»، ذكر أنها كانت فقيهة وافرة العلم، وبعيدًا عن العلم والفقه يمكن التأكد من مكانة المرأة الحقيقية فى مصر القديمة من الوصف الذى صاغه المؤرخ محمد بن الحاج فى كتبه، حينما أشار إلى أن النساء كن صاحبات الحظ الأكبر من الفخر والثناء والتعظيم فى مصر المملوكية والأقطار الإسلامية، بدليل وجود ألقاب متعددة، مثل ست التجار، وست العلماء، ست الفقهاء، وست القضاة، وست الناس، وست الأهل، وست الملوك، وست الخطباء، وست العرب.








مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

ميدو

غياب الخطاب الدينى المتطور .

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة