د. محمد على يوسف

إشمعنى رمضان

الجمعة، 26 يونيو 2015 07:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليه كل المسلسلات دى فى رمضان؟ إيه الحكمة من وراء هذا السباق الدرامى الذى تزداد سخونته كل سنة عن السنة التى تسبقها؟ ليه رمضان؟ إشمعنى يعنى؟ لأ بجد والله.. إشمعنى؟ دعونا نتحدث بشكل هادئ ومنطقى ولنرجئ قليلا ذلك الاستنكار الذى يتكرر كل عام على ألسنة الدعاة والناصحين، ولنسأل أنفسنا فقط مبتغين معرفة المنطق والحكمة: لماذا رمضان؟! كلنا يعلم أن رمضان شهر طاعات واستزادة من العبادات، ومضاعفة للثواب والحسنات، ورفعة للدرجات، وتلاوة وتدبر للسور والآيات، إيه اللى حصل بقى عشان يتحول إلى شهر المسلسلات والاحتفالات والإعلانات والملهيات؟ كيف كانت البداية؟ وإزاى انقلبت الآية؟ وإيه أصل الحكاية والرواية؟ وليه اتغير الهدف والغاية؟

لن أستسهل وأختار اللجوء لنظرية المؤامرة الكونية التى تحركها الأصابع الخفية حتى لو كان ذلك التفسير يحمل جزءا مهما من الحقيقة ذكرها الله فى كتابه حين حدثنا عن الذين يتبعون الشهوات ويريدون للمؤمنين أن يميلوا ميلا عظيما «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا»[سورة النساء 27]، وأيضا حين حدثنا عن أولئك الذين مكروا مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، وأولئك الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، وأولئك الذين يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله بغير علم، إلى آخر تلك الآيات التى تقطع بأن هناك من يمكر ويصد ويلهى الخلق. ربما كان هذا بداية أو أصول ما انتهى إليه حال رمضان فى بلادنا، لا نستطيع أن نزعم أننا نملك معلومة جازمة عن ذلك خصوصا أنه يتعلق بنيات قوم قد ولّى زمانهم وأفضوا لما قدموا، ما نستطيع أن نجزم به أن الأمر الآن تجاوز الفكرة التآمرية الاستثنائية والتحق بقطار «البيزنس».

لقد صار الأمر يتطور بشكل تلقائى بعد أن تلبسته حمى التسليع والكسب، وصارت الأيام المعدودات التى ذكرها الله فى كتابه، مجرد موسم، والتاجر المتخصص فى سلعة لا يضيع الموسم الخاص بتلك السلعة أبدًا، طبعًا هذا التسليع لاقى رواجا وتربة خصبة فى بلادنا، نظرًا لما يتصف به أهلها من ميل للاحتفال فى كل المواسم الدينية حتى تلك التى لم يؤثر فيها احتفال أيام نزول الوحى وفى مهبط الرسالة، ومع هذا الميل الفطرى للأجواء الاحتفالية كان من الطبيعى أن يتم تلقى الاحتفالات و(التسالى) الرمضانية بالقبول، ومع ظهور التلفاز انتقلت إليه تلك الأجواء الاحتفالية واعتبر القائمون عليه أن من مهامهم المقدسة تسلية الصائمين الذين يفترض أصلا أن وقتهم مشحون بالذكر والتلاوة نهارا والقيام والاستغفار ليلا، لكن صناع الترفيه على ما يبدو كان لهم رأى آخر! فلتبدأ إذاً بعض الفوازير الخفيفة ثم ليتطور الأمر ببعض الدراما.. نعمل ألف ليلة وليلة، برضه مش كفاية.. السوق عطشان والأرض خصبة. عندنا قناتين وساعات بث محتاجين نملأها، خلاص.. مسلسل ولَّا مسلسلين كل سنة مش مشكلة والليل طويل والوقت كتير واللى عاوز يصلى هيلاقى وقت أكيد! وما المانع فى كام برنامج مسابقات على مقالب خفيفة وخلى الناس تضحك شوية وتسلى صيامها ما يجراش حاجة، هكذا كان التفكير فى البدايات.. ثم انفتح الفضاء الإعلامى على مصراعيه، عشرات القنوات العامة والمتخصصة تتضاعف كل شهر وأحيانا كل يوم، كل قناة لها ساعات بث تحتاج أن تملأ والسوق لسه متقبل والتربة مازالت خصبة فلتكن إذًا عشرات المسلسلات- وربما مئات- ولتنطلق برامج المقالب السمجة لتحقق الأرقام القياسية فى بهدلة الضيوف وليتخلل ذلك مئات الإعلانات الزاهية، ولتسود الأجواء المبهرة التى لا يشبه أغلبها واقع الناس لكنها تنجح ببراعة فى إلهائهم عن ذلك الواقع، والأهم وبغض النظر عن الأهداف، وهل هى ذات طبيعة أيديولوجية أو تآمرية أم هى تجارية ربحية بحتة، أنها نجحت فى إلهاء قطاع كبير من الناس عن طبيعة هذا الشهر وأهم ما ميزه عن غيره من الشهور كونه شهر العبادة والقرآن وليس شهر المسلسل والإعلان.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة