مارينا فارس يكتب : جيران شجرة التوت

الأحد، 03 مايو 2015 10:06 م
مارينا فارس يكتب : جيران شجرة التوت جمال الطبيعة فى فصل الربيع

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ممر طويل، فى بدايته تقبع شجرة السرو العالية دائمة الخضرة والشموخ. تصنع مثلثا أنيقا بأوراقها الدقيقة. وأنا أدور تحتها أشعر بأن أطرافها تداعب الغيوم وتصافح زرقة السماء، وحين أقارن قامتها بقامتى أشعر أننى نملة. أصعد للطابق الثالث كى أواجه غصونها العالية التى تنعم بحرية اللهو مع النسائم المارة. أما هى فلا تصعد الدرج ولا تعرف للملل معني. حين تداعبها النسمات تنبض بالحياة باهتزازات رشيقة، فأشعر أنى جماد وهى التى تحيا كل الحياة.

شجرة التوت تجاور شجرة السرو، يتبادلان الطيور ورسائل الشتاء. شجرة التوت ممتلئة بالأوراق مسننة الأطراف. احسد العصافير التى تتركنى فى الأسفل وتهرب إلى أغصانها. ابحث كل صباح عن قصة البلبل التى يسكبها فى مسامعي، انصت إليها وأحاول فهم ما يعنيه بتلك النغمات الناعمة. ترى هل يرفع صلاة لخالقه أم تراه يسخر من تعاسة البشر وانغماسهم فى أمورهم الصغيرة، فيلوى منقاره ويقول فى إشفاق: "هؤلاء الحمقى يتركون الحياة الرائعة ويتجاهلون احتفالات الطبيعة ويلهثون وراء أشياء بالية".

أذكر حين تسللت وراء ذلك العصفور المتمرد الذى كان يقفز على الأرض فى كبرياء منقطع النظير. ذلك العصفور يفضل الحرية على الشبع، نظر فى ازدراء إلى حبوب القمح فى كفى ثم هرب وتوارى فى أغصان شجرة التوت. الجميع يجلس فى ظلها لكن لا أحد يفكر فى السؤال عن أحوالها أو يحيى سكانها من العصافير. ترى كم ربيع أزهر وشتاء انقضى وأنتِ هنا فى نفس المكان، كم شاهدتِ من أشخاص وكم دارت حولك من قصص؟.

أما ربيع شجرة التوت فهو ربيع ملىء بالهدايا الصغيرة، ثمار التوت الغضة تتساقط فى الربيع أمطارًا خضراء. تلك الثمار لها مذاق السعادة التى اختزنتها الشجرة طوال العام. وحدها شجرة التوت تعرف التوقيت المناسب لوقوع كل ثمرة. جعلها الله تصنع تلك السعادة بالقليل من ضوء الشمس وبأمومة بالغة تمنحنا إياها.

أما شجرة البوانسيانا تلك المظلة الخضراء زاهية الألوان، تشتعل بأزهار حمراء حين يزورها الربيع، تبدو أزهارها كتاج ملكي، تترتب أوراقها الصغيرة ناعمة الملمس بطريقة منمقة فى صفوف. لكن بمجرد أن يحل الصيف تسقط أزهارها الكبيرة فتصنع سجادة حمراء مستديرة. وبمجرد أن يأتى الخريف تسقط أوراقها فتتطاير فى الهواء وتظل فروعها فارغة حتى حلول ربيع آخر، دائمًا آراها كطفل متقلب ليست فى وقار شجرة السرو ولا شجرة الكاسيا التى تبقى فى الركن الأخير فى نهاية الممر وحيدة بأزهارها الصفراء. وكأنها قد ملت من وحدتها فترسل مع الرياح أوراقها الصفراء فى كل الممر، تجدها متجمعة فى كل الأركان وتمتلئ بها الزوايا.

وهكذا يبقى الاحتفال مستمر طوال العام، لكل شجرة عيدها، لكل شجرة طريقتها فى الاحتفال.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة