سعيد زكى

عفوا عادل السنهورى.. البتر ليس كل الحل

السبت، 04 أبريل 2015 10:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحت عنوان "داعش فى كتاب الدين المدرسى!"، طالعنا الكاتب الصحفى عادل السنهورى، منذ أيام، بمقاله القصير فى "اليوم السابع"، تطرق من خلاله إلى مشكلة المناهج التعليمية مناشدا شيخ الأزهر ووزير التعليم ووزير الأوقاف بحذف ما اعتبره يحض على العنف من المناهج الدراسية، وقبل أن يسارع أحد ويلصق بى تهمة "الدعدشة" أؤكد أننا نلتقى فى الهدف ونختلف فى الوسيلة.

- ومما جاء فى المقال:


لأول مرة أطالع كتاب الدين الإسلامى لابنى الطالب بالصف الثانى الثانوى الذى كان يشاهد منذ شهور قليلة مذبحة داعش للمصريين فى ليبيا ويومها سألنى فى حيرة: "هل هؤلاء مسلمون وهل هذا هو الإسلام؟"، أجبته يومها الإجابة التقليدية لإقناعه بأن الإسلام دين تسامح وعفو وأنه انتشر فى العالم بقيمه الوسطية ومبادئه السامية، منذ يومين جاء لى بكتاب الدين وبالحديث الذى يستخدمه تنظيم داعش الإرهابى ويردده أعداء الإسلام، والذى أورده البخارى عن ابن عمر، رضى الله تعالى عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة.." إلى آخر الحديث المعروف والمتكرر فى عدة مصادر وبصور أخرى.. وكان سؤال الابن: هل نقاتل الناس لنشر الإسلام؟
أنا هنا أتساءل عن الأيدى الخفية، التى تعبث بعقول أبنائنا وتدس مثل هذه الأحاديث الضعيفة، والتى تتناقض مع آيات كثيرة فى القرآن، فى كتب الدين الرسمية، التى تسعى إلى تخريج دواعش جدد فى مدارسنا، الكتاب متاح لمن يريد أن يعرف من أين تأتى داعش.
انتهى بعض ما جاء فى مقال السنهورى.

أولا: فى سؤال ابنك الأول هل هؤلاء مسلمون، وهل هذا هو الإسلام؟ فقطعا نقول، إن هؤلاء دخلاء على إسلامنا الحنيف، وكنا نتمنى- وأنت من أنت- ألا تكون إجابتك تقليدية، لذا كان من الأجدر بك أن تغوص به فيما يؤكد قولك من أدلة على سماحة الإسلام وعفوه، وأنه انتشر فى العالم بقيمه الوسطية ومبادئه السامية، بما يدفع عنه اللبس تجاه جرائم الدواعش وأشباههم.

ما يهمنا أكثر هو الجزء الخاص بالحديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا.. إلخ"، وسؤال الابن: هل نقاتل الناس لنشر الإسلام؟ وأقول: بالطبع “لا إكراه فى الدين” ولن أتحدث عن مدى صحة الحديث أو ضعفه رغم أنه موجود فى البخارى، لكنى أسأل السنهورى: وهل بما تطرحه تحل المشكلة أو ينتهى الأمر؟ هل تكون عمدت إلى حل جذرى للمشكلة، من خلال حذف الحديث وما على شاكلته ظنا منك أنك بذلك منعته عن ابنك وأقرانه؟ أحسب أنك عمدت إلى نصف حل أو قد لا يرتقى.

هب أن الحديث حُذف فهل بذلك تيقنت أن فلذة كبدك لن يصادف أو يطالع الحديث مرة أخرى، خاصة أننا فى عصر الإنترنت؟ فهل أمِنت ألا يقرأه على أحد المواقع، خاصة مواقع التواصل الاجتماعى مثل تويتر أو فيس بوك.. وغيرهما؟ وهل أمِنت ألا يراه على إحدى الفضائيات الخاصة، التى يطوع فيها كل مُطلّ منها الحديث حسب هواه؟ ولا تقل لى نغلق القنوات فهو أمر محال، وهل أمنت عليه من صدفة قد تجعله يخالل أحد من يحملون فكرة أن الإسلام نشر بالسيف لا بالسلم والموعظة الحسنة وقد يوقعه فى شَرك أفكاره نتيجة فهم مغلوط، هذا إذا لم يبحث عن شروح الحديث بنفسه وربما اهتدى إلى المتطرف منها.

نعم المشكلة ليست فى الأحاديث، وإنما فى استخدام الأحاديث وتوظيفها - كما تذكر فى مقدمة مقالتك - لذا قبل المطالبة بالحذف، كان أحرى بك أن تهبه بعضا من وقتك الثمين وتبحث معه عن مقصود الحديث وتفاسيره المختلفة ومقصوده وتوظيفه فى موطنه الصحيح، حتى إذا ما صادفه بأى من الوسائل، التى سبق أن ذكرناه فى المقال السابق كان أكثر فهما وقدرة على المحاججة ولا يقع فى الفهم الخاطئ للحديث تحت تأثير العاطفة أو الغرائز، وهذا عين ما يجب أن نطالب به الأزهر أو وزير التعليم وغيرهما من المسئولين.

ثم إن هناك أحاديث مرتبطة بالرقائق قيلت فى مواضع الغزو والفتح ولا يمكن أن تذكر بدون المناسبة، التى قيلت فيها أو الواقعة المتعلقة بها، فهل نحذفها هى الأخرى؟ ولو افترضنا أن كل الحل هو حذف هذا الحديث أو غيره من الأحاديث على شاكلته، بل هب أننا حذفنا كل السنة النبوية وأصبحنا كـ"القرآنيين" أليس فى القرآن آيات خاصة بالجهاد والقتال فهل نحذفها أيضا أم نتبرأ منها، أم أمنت على ابنك منها وضمنت ألا يسمع بعضا منها فى بعض صلواته خلف إمام المسجد مثلا؟

جل ما أود قوله هو أن البتر أو المنع تلقاء هذه الأحاديث هو ليس بالأمر الشافى إنما يكمن الحل فى الإفهام وحسن الاستخدام وإماطة الإبهام، خاصة أن مثل هذه الأمور ليست وليدة اليوم، فكم من سابقينا خاصة من الأمويين والعباسيين فسر كتاب الله وسنته وأوّلهما حسب هواه وغرضه فأعمل السيف فى رعاياه! وكم منهم من أحسن فهمهما فأعمل الرفق واللين وما يوافق الله وسنة رسوله! ولو كان الحذف فقط هو الحل لما وصل إلينا مثل هذه الأفكار الشوهاء اليوم.

المقام يستدعى من مخزون الذاكرة ما أحاول أن أدعم به رأيى: كنت فى السنة الأولى من الجامعة أواظب على الصلاة فى المسجد الكائن فى نفس عمارة سكنى، وذات مرة بعد صلاة العشاء ألقى فينا أحد الأئمة- أذكر أن اسمه هشام- درسا كان حول "الموبايل" واستخداماته، خرجنا على أثره من المسجد وكلنا مقتنعون أن الموبايل حرام، وحمدت الله أننى لا أحمل موبايل، وقنع من يحمله بأنه سيبيعه، كل هذا بفضل قدرة هذا الإمام سيئ الفهم على الإقناع أو قل - وهو الأقرب للصواب - انسياق العواطف وتحرك الغريزة تجاه كل ما فيه قال الله وقال رسوله دون فحص أو تمحيص منا.

فى صلاة العشاء من اليوم الثانى كان هناك خطيب إمام "الشيخ مصطفى" جاء خصيصا رغم أنه طريح الفراش لكسر قدمه، بعد أن تنامى إلى سمعه ما قال الأول بالأمس، فجاء ليفنده ويوضح سوء فهمه وتأويله، وكان مما ذكر أن العيب ليس فى الموبايل، وإنما فى حامله فهو من يجعل منه بضاعة ثمينة عندما يستخدمه فيما يرضى الله من صلة الرحم مثلا ومعايدة مريض تبعد الشقة بينهما من خلاله، وبإمكان حامله أيضا أن يجعل منه بضاعة سيئة من خلال تصوير الفتيات فى الشارع دون علمهن أو ما شابه ذلك، مطعما رأيه بأمثلة أخرى كثيرة ومن كتاب الله وسنة نبيه أيضا وربما استدل بنفس الأحاديث، التى استد ل بها الأول، لكن شتان بين فهم كل منهما لها.. خرجنا من المسجد وكلنا مقتنع تماما بأن من أفتى بحرمانية الموبايل جاهل لا يفقه من الدين إلا ما أملى عليه جهله.. منهج الأخير هو المنهج الذى نريده فى مواجهة مثل هذه الأفكار فى كل وقت وآن، وهو ما يجب أن نستحث المسؤولين على تفعيله لا استخدام البتر وحسب، وهو حل سهل، لكن أحسبه عديم الفائدة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة