سعد الدين الهلالى

الطلاق الشفوى «12»

الثلاثاء، 03 مارس 2015 01:11 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المسألة التاسعة: الطلاق بلفظ الثلاث
المقصود بالطلاق بلفظ الثلاث أن يوقعه الزوج موصوفًا بالثلاث كأن يقول لزوجته: أنت طالق ثلاثًا. وإذا ثبتت الطلقة الثالثة على الزوجة مفردة أو ضمن لفظ الثلاث عند من قال بصحة وقوعها بذلك لم يعد للزوج حق فى الرجوع إلى تلك الزوجة إلا بعد أن تتزوج برجل آخر وتبِين منه أى تنتهى رابطة الزوجية بينهما بحيث لا يكون لهذا الزوج الجديد أى ولاية على المرأة التى تصير خلية من جديد، فيصح للزوج الأول أن يتقدم إليها كسائر الخطاب، ولهذا توصف المرأة المطلقة ثلاثًا بأنها بائن بينونة كبرى، أو أن طلاقها صار باتًّا يعنى لا رجعة لها شرعًا إلى هذا المطلق إلا بعد الزواج برجل آخر وانتهاء هذا الزواج الأخير بوفاة الزوج أو طلاقه. ويدل على ذلك قوله تعالى: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» (البقرة:229). ثم قوله تعالى: «فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله» (البقرة:230).

وقد اختلف الفقهاء قديمًا فى حكم الطلاق بلفظ الثلاث، هل يأثم صاحبه أم لا يأثم؟ وإذا قلنا بأنه يأثم فهل يقع صحيحًا أو فاسدًا؟ وإذا قلنا يقع صحيحًا فهل يحتسب ثلاثًا أو يحتسب طلقةً واحدةً؟ ويرجع سبب اختلاف الفقهاء فى ذلك إلى أسباب عديدة نذكر منها ما يلى:
(1) اختلاف الفقهاء فى تفسير قوله تعالى: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» (البقرة:229). هل يراد به أن يتم الطلاق على ثلاث مرات بدون جمع هذا العدد فى كلمة واحدة أو كلمتين، أم يراد به إخبار الزوج بأن حقه على زوجته ثلاث تطليقات ويكون الحق له فى إفرادها أو فى جمعها؟ (2) اختلاف الروايات الحديثية التى يفيد بعضها احتساب الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة، وبعضها يفيد احتسابه ثلاث طلقات، كما سيأتى ذكر تلك الروايات فى تفصيل المذاهب. (3) اختلاف الفقهاء فى احتساب المعنى المستنبط من إعطاء الشرع للزوج على زوجته طلقتين رجعيتين للإرفاق به أن يكون متعجلًا. من أن يكون هذا المعنى قيدًا شرعيًا ملزمًا لا يسع الزوج خلافه، أو يكون هذا المعنى إعذارًا من الشرع غير ملزم حتى لا يلوم الزوج إلا نفسه إن اختار العجلة بإيقاع كامل حقه فى الطلاق على زوجته. (4)اختلاف الفقهاء فيما ثبت تحريمه عندهم كالطلاق بوصف البدعة والزواج بوصف الشغار والمحلل مثلًا من أن يكون صحيحًا فى ذاته مع الإثم، لكون أصله مشروعًا بدون هذا الوصف مع ما أخرجه ابن ماجة والدارقطنى والبيهقى والطبرانى بسند فيه مقال عن ابن عمر وعن عائشة، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحرم الحرام الحلال»، أو يحكم عليه بالبطلان لوقوعه على غير الوصف المشروع مع ما أخرجه الشيخان عن عائشة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفى رواية لمسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد». (5) ما ذكره ابن رشد فى «بداية المجتهد» من اختلاف الفقهاء فى الحكم الذى جعله الشرع من البينونة للطلقة الثالثة هل يقع بإلزام المكلف نفسه فى طلقة واحدة أم ليس يقع ولا يلزم من ذلك إلا ما ألزم الشرع؟ فمن شبه الطلاق بالأفعال التى يشترط فى صحة وقوعها كون الشروط الشرعية فيها كالنكاح والبيوع قال لا يلزم، ومن شبهه بالنذور والأيمان التى ما التزم العبد منها لزمه على أى صفة كان ألزم الطلاق كيفما ألزمه المطلق نفسه. (6) ما ذكره ابن رشد أيضًا من تعارض العمل بسد الذريعة الذى يقتضى حكم التغليظ فى إيقاع الطلاق بلفظ الثلاث، مع العمل بالرخص الشرعية والرفق المقصود فى إفراد الطلاق المشار إليه فى قوله تعالى: «لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا»، بعد قوله تعالى: «إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن» (الطلاق:1). ويمكن إجمال أقوال الفقهاء فى حكم الطلاق بلفظ الثلاث فى خمسة مذاهب نذكرها تباعًا فيما يلى:

المذهب الأول: يرى أن الطلاق بلفظ الاثنين أو بلفظ الثلاث بدعة محرمة وغير مشروع، وإذا حدث كان لغوًا ولا يقع به طلاق أبدًا. وهو قول حكاه ابن حزم فى «المحلى» عن طائفة من أهل العلم، وهو أحد القولين عند الإمامية حكاه ابن أبى زكريا الهذلى (ت676هـ) فى «شرائع الإسلام فى الفقه الجعفرى»، وحكاه ابن تيمية (ت728هـ) فى «الفتاوى الكبرى» عن بعض المعتزلة والشيعة، كما حكاه ابن القيم (ت751هـ) فى «زاد المعاد» وقال: «هذا قول حكاه أبو محمد بن حزم، وحكى للإمام أحمد فأنكره، وقال هو قول الرافضة». واستدل أصحاب هذا القول بالآتى: (1)أن الله تعالى قد نص على أن يكون الطلاق مرة بعد مرة، فإذا لم يقع على الوجه المأذون به شرعًا كان لغوًا. يدل لذلك قوله تعالى: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» (البقرة:229). قالوا: وهذا معناه أن يتم الطلاق الرجعى على دفعتين مرة بعد مرة؛ لأن العرب لا تعقل فى لغتها وقوع المرتين إلا متعاقبتين، كما تقول: سير به مرحلتان، أى مرحلة بعد مرحلة. ألا ترى أن من أعطى درهمين لم يجز أن يقول أعطاه مرتين حتى يعطيه دفعتين. ثم قال تعالى بعد أن أخبرنا أن الطلاق مرتان: «فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره» (البقرة:230)، فهذه الطلقة الثالثة لم يشرعها الله تعالى إلا بعد الطلاق الرجعى مرتين، فعلم أن جمع الثلاث بلفظ واحد غير مشروع. (2) أن الله تعالى بين وجه الطلاق الذى لا يصح إلا به وهو أن يقع لمرة واحدة تتحرر له عدة، ويملك الزوج الرجعة على زوجته فى الأوليين، فلا يكون طلاقًا إلا ما كان بهذه الصفة بحيث يترتب على كل طلقة عدة مستقلة لا تتداخل فى عدة طلقة أخرى. ويدل لذلك آيات كثيرة منها قوله تعالى: « يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة» إلى أن قال سبحانه: «فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف» (الطلاق:1-2)، وقوله تعالى: «والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله فى أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن فى ذلك إن أرادوا إصلاحًا» (البقرة:228)، وقوله تعالى: «وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوًا» (البقرة:231). فكل هذه الآيات تدل على أن لكل طلقة عدة مستقلة، ولها مقصود شرعى فى تمكين الزوج من مراجعة زوجته فى العدة، فلا يجوز إيقاع الطلاق بلفظ الاثنين أو الثلاث لعدم تحرير العدة فى كل طلقة، فكان رهن صحة الطلاق برهن تحرير العدة له، ولهذا أمر النبى صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يمسك زوجته التى طلقها فى الحيض، وأذن له أن يطلق فى الطهر قبل المساس، وعلل ذلك بتحرير العدة، فقد أخرج مسلم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهى حائض تطليقة واحدة فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التى أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء». (3) أن النبى، صلى الله عليه وسلم، أنكر الطلاق بلفظ الثلاث ولم يعده طلاقًا فلا يجوز اعتباره، ويدل على ذلك ما أخرجه النسائى برجال ثقات كما يقول ابن حجر، عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غضبان ثم قال: «أيلعب بكتاب الله تعالى وأنا بين أظهركم»؟ حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟. وأخرج أبو داود بسند ضعيف عن ابن عباس قال: طلق أبو ركانة أم ركانة، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «راجع امرأتك»، فقال: إنى طلقتها ثلاثًا. فقال صلى الله عليه وسلم: «قد علمت راجعها». إلا أن هذا الحديث معارض بأكثر رواياته التى تنص على أن ركانة كان يقصد طلقة واحدة، أو أن النبى، صلى الله عليه وسلم، عدها واحدة فقال: «إنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت»، كما رواه أحمد فى «مسنده». (4) إذا ثبت أن الطلاق بلفظ الثلاث يخالف ظاهر القرآن والسنة ويفوت على الزوج مصلحة معتبرة فى إمكان صلحه مع مطلقته فإن الواجب إبطاله، لما أخرجه الشيخان عن عائشة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفى رواية لمسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد».

واعتُرض على ذلك بما حكاه ابن رجب فى «جامع العلوم والحكم» عن الإمام أحمد أنه سئل عمن قال لا يقع الطلاق المحرم لأنه يخالف ما أمر به؟ فقال: «هذا قول سوء ردىء»، ثم ذكر قصة ابن عمر وأنه احتسب بطلاقه فى الحيض. وأجيب عن ذلك بأن ثبوت التحريم فى الطلاق يجعله والعدم سواء، لما أخرجه ابن ماجة والدارقطنى والبيهقى والطبرانى بسند فيه مقال عن ابن عمر وعن عائشة، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يحرم الحرام الحلال»، يعنى إذا ثبت تحريم الشىء كالطلاق المحرم فإنه لا يرتب تحريم الزوجة الحلال. وإذا ثبت أن الطلاق بلفظ الثلاث محرم فإنه لا يرتب أثرًا فى تحريم الزوجة، فيكون لغوًا.

المذهب الثانى: عكس المذهب الأول. وللحديث بقية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة