مستشار اللجنة العليا لملف النيل: اتفاقية سد النهضة تؤسس لمرحلة جديدة مع إثيوبيا والسودان.. أستاذ القانون الدولى أيمن سلامة: مبدأ «حسن النية» الوارد ببنود اتفاق الخرطوم «داعم» لمصر و«ملزم» لإثيوبيا

الجمعة، 27 مارس 2015 10:09 م
مستشار اللجنة العليا لملف النيل: اتفاقية سد النهضة تؤسس لمرحلة جديدة مع إثيوبيا والسودان.. أستاذ القانون الدولى أيمن سلامة: مبدأ «حسن النية» الوارد ببنود اتفاق الخرطوم «داعم» لمصر و«ملزم» لإثيوبيا الدكتور أيمن سلامة
كتب - أسماء نصار

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

• جميع دول حوض النيل ملتزمة باحترام الأعراف الدولية والاتفاقيات القديمة المتعلقة بنهر النيل



أكد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى العام، ومستشار اللجنة العليا لملف النيل أن تضمين مبدأ حسن النية فى اتفاقية إعلان المبادئ الخاصة بسد النهضة التى وقعها الرئيس عبدالفتاح السيسى مع نظيره السودانى عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبى «هايلا ميريام» خلال زيارة للسودان، يعد ضمانة مهمة لمصر، حيث تمثل حجة قانونية دولية داعمة لمصر وملزمة لإثيوبيا تحديدا فى انتفاعها من نهر النيل وأيضا من سد النهضة.

وأوضح خلال حواره مع «اليوم السابع» أن هذه الاتفاقية تفتح آفاقا جديدة، وتدشن لحقبة حديثة للعلاقات الثنائية بين مصر وإثيوبيا، لافتاً إلى أن روح التعاون، وحسن النية، وإقرار مبدأ المكاسب للجميع، وعدم الإضرار بالغير، مبادئ أكدتها الاتفاقية، مشيرا إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أكد فى الخرطوم وفى أديس أبابا على جميع هذه المبادئ المشار إليها.

وأضاف أن أحاديث «السيسى» بعد توقيع الاتفاقية فى الخرطوم وأمام برلمانات إثيوبيا أكدت جميعها على التاريخ المشترك ووحدة المصير والآمال والطموحات فى الازدهار والتنمية لشعوب حوض النيل الشرقى الثلاثة «مصر وإثيوبيا والسودان».. وإلى نص الحوار:

كيف ترى اتفاق الخرطوم الذى وقعه قادة دول حوض النيل الشرقى فى الخرطوم يوم 23 مارس بشأن سد النهضة الإثيوبى؟



- هذه الاتفاقية بمثابة إطار عام للتعاون بين دول حوض النيل الشرقى «مصر والسودان وإثيوبيا»، فى مجال كيفية التفاهم حول المسائل الفنية المتعلقة ببناء سد النهضة فى إثيوبيا بشكل عام، وتعنى الاتفاقيات الإطارية فى القانون الدولى أن هذا النوع من الاتفاقيات يمثل خطوة أولى بين الدول أطراف هذه الاتفاقيات من أجل إبرام اتفاقيات أو ملاحق أخرى لاحقة فى المستقبل القريب حول مسائل فنية.
وهذه المسائل الفنية لا تزال تمثل الشواغل والقلق لدى الحكومة المصرية تحديداً «دولة المصب، ومن هذه الشواغل عملية الملء الأول لخزان السد، والتخزين السنوى لمياه الفيضان، وأرى ألا تنتظر وزارة الرى الدراسات الفنية للآثار الجانبية للسد من المكتب الاستشارى الذى لم يتم الاتفاق عليه حتى هذه اللحظة بل تبادر الوزارة بتقييم «فنى» ومراجعة شاملة لكل التقارير الهندسية والفنية والهيدورليكية المقدمة من الجانب الإثيوبى خاصة المتعلقة بالآثار الجانبية لسد النهضة، ومن هذا الضرر ذى الشأن الذى يمكن أن يسببه إنشاء ذلك السد الكبير.

ماذا عن مستقبل العلاقات المصرية الإثيوبية بعد إعلان الخرطو

م؟

- هذه الاتفاقية تفتح آفاقاً جديدة وتدشن لحقبة جديدة للعلاقات الثنائية بين مصر وإثيوبيا، وإذا كانت روح التعاون وحسن النية، والمكاسب للجميع، وعدم الإضرار بالغير مبادئ أكدتها الاتفاقية تدشيناً لهذه الحقبة التاريخية المهمة لشعبى البلدين، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى أكد فى الخرطوم وفى أديس أبابا على كل هذه المبادئ المشار إليها، فضلاً عن أن أحاديث الرئيس بعد توقيع الاتفاقية فى الخرطوم وحديثه أمام برلمانات إثيوبيا أكدت جميعاً على التاريخ المشترك ووحدة المصير والآمال والطموحات فى الازدهار والتنمية لشعوب حوض النيل الشرقى الثلاثة «مصر وإثيوبيا والسودان».

ما رأيك فيما أثير من انتقاد للصياغة غير القانونية الملزمة فى بعض الفقرات والعبارات تجاه إثيوبيا تحديداً كلمة «تحترم»، والادعاء بأنه كان على المفاوض المصرى يستبدلها بكلمة «تتعهد» أو «تلتزم»؟
- العبرة ليست بالألفاظ ولكن بمقاصد الدول الأطراف للاتفاقية ونصوصها بشكل عام وذلك إعمالاً للقاعدة الفقهية «الراسخة» ليست «العبرة بالألفاظ والمبانى، ولكن العبرة بالمقاصد والمعانى».
ما مدى تجاوز الاتفاقية واختلافها مع الاتفاقيات السابقة التى وقعتها مصر والسودان عام 1959

والاتفاقيات التى وقعتها بريطانيا نيابة عن مصر 1929؟



- ما وقع فى الخرطوم 23 مارس 2015 ليست اتفاقية معنية بتوزيع الحصص المائية للدول الأطراف فى هذه الاتفاقية الإطارية، أما بالنسبة لاتفاقية الخرطوم الموقعة بين مصر والسودان عام 1959 فقد كانت لتنظيم الانتفاع المشترك بمياه نهر النيل الواصلة للدولتين من دول المنبع فى حوض النيل، مثلها مثل سائر الاتفاقيات الأخرى التى أبرمت فى الحقبة الاستعمارية من نهاية القرن التاسع عشر وأيضاً فى القرن العشرين، فقد كان أساس هذه الاتفاقيات هو العرف الدولى أى الممارسات الدولية التى درجت الدول على اتباعها، فالمعروف «عرفاً» كالمشروط «شرطاً» و«الأصل بقاء ما كان على ما كان» و«القديم يترك على قدمه» واصطحبت هذه الممارسات يقينا من هذه الدول بإلزامية هذه الممارسات، ومن ثم تكون الاتهامات الجزافية للسلطات المصرية بأنها قد تنازلت عن حصتها فى مياه نهر النيل المقدرة بـ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً ليس لها سند أو متكأ.
صحيح أن إثيوبيا ومعظم دول حوض النيل بعد استقلالها فى بداية الستينات من القرن الماضى، قد رفضت الإقرار بالاتفاقية الثنائية المصرية السودانية عام 1959 بيد أنها لم تترجم مرة واحدة هذا الرفض إلى واقع مادى ملموس.

جميع دول حوض النيل بما فيها الدول الأطراف فى اتفاقية الخرطوم 23 مارس، تظل على التزامها باحترام العرف الدولى القائم بشأن استخدام مياه الأنهار الدولية بصفة عامة والأعراف الإقليمية المتعلقة بنهر النيل بصفة خاصة، بالإضافة إلى ما هو قائم ونافذ بالفعل من اتفاقات دولية ثنائية ومتعددة الأطراف فى هذه الخصوص.
من هنا كانت عناية مصر بنص المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام المجارى الدولية فى غير أغراض الملاحة لعام 1997 والخاصة بالعلاقة بين الاتفاقية الجديدة والاتفاقيات القائمة بالصيغة التى تم إقرارها بها لا تؤثر على الاتفاقات السارية بين الدول المشاركة فى حوض نهر دولى واحد ومن بينها المتعلقة بنهر النيل.

ما معنى أن ينص المبدأ الأول فى إعلان الخرطوم أن يكون التعاون على أساس حسن النوايا ومبادى القانون الدولى

؟

- عبارة «حسن النية» ليست عبارة أخلاقية أو أدبية بل إنها ترتبط بأحد مبادئ القانون الدولى والذى يلزم الدول أعضاء منظمة الأمم المتحدة بأن تنفذ تعهداتها والتزامتها الدولية «بحسن النية» حيث تنص المادة الثانية من ميثاق منظمة الأمم المتحدة على «تعمل الهيئة وأعضاؤها فى سعيها وراء المقاصد المذكورة فى المادة الأولى وفقاً للمبادئ لكى يكفل اعضاء الهيئة لانفسهم جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون فى» حسن نية «بالالتزامات التى أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق».
فوفقاً لمبادئ القانون الدولى العام تختلف الأعراف والمبادى والقواعد الدولية فى القانون الدولى عن قواعد وأعراف المجاملات الدولية أو الأخلاق الدولية، وبتطبيق هذا المبدأ على حالة سد النهضة، فإن الالتزامات الواردة فى اتفاق الخرطوم المبرم فى 23 مارس 2015، يكون التزام إثيوبيا بتبادل المعلومات والبيانات حول السد وإنشائه وآثاره مع مصر والسودان، يكون تنفيذ هذا بمقتضى «حسن النية»، فلا يكفى تنفيذ الالتزام بل تنفيذه بحسن نية، أى بالشكل والطريقة اللتين لا تضران بالدول الأخرى الأطراف فى هذه الاتفاقية.

والفارق بين قواعد القانون الدولى وقواعد المجاملات الدولية أن الأخيرة غير ملزمة للدول. صحيح أن الدول تحبذ ممارستها ولكنها إن لم تمارسها فلا يستدعى ذلك أى مسؤولية دولية بحق هذه الدول التى امتنعت عن ممارسة قواعد المجاملات الدولية، فالدولة التى تتخلف عن تقديم واجب التعزية أو التهنئة أو التضامن الأخلاقى الإنسانى «لدول أخرى تحل بها الكوارث أو النوائب أو المصائب لا تكون هذه الدولة التى «استنكفت» عن هذه الممارسات محلاً للمسؤولية أو المسألة الدولية.

أما بالنسبة لتعاون الدول أيضاً على أساس مبادئ القانون الدولى وهى العبارة القانونية التى تضمنها المبدأ الأول فتعد أحد أهم الضمانات القانونية الدولية الحاكمة، والتى تعد حجة قانونية لمصر تجاه أى طرف فى اتفاقية الخرطوم، وهنا ليس المقصود مبادئ القانون الدولى العام بشكل عام ولكن أيضاً مبادئ القانون الدولى المتعلقة بالانتفاع بالمجارى الدولية فى غير أغراض الملاحة النهرية والتى قننتها اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام المجارى المائية فى أغراض الملاحة عام 1997.

بعض الدول فى حوض النيل ترفض الاتفاقيات الخاصة لتنظيم استغلال مياه نهر النيل التى أبرمت فى الحقبة الاستعمارية، فما هو الموقف الحالى فى هذا الشأن

؟

- هناك الكثير من الاتفاقيات التى تم توقيعها منها البرتوكول الموقع بين بريطانيا وإيطاليا 1891، والمعاهدات المعقودة بين بريطانيا وإثيوبيا وبينها وبين إيطاليا وإثيوبيا بشأن الحدود بين السودان المصرى البريطانى وإثيوبيا وإريتريا والموقعة فى أديس أبابا 15 مايو 1902، والاتفاق المبرم بين حكومة بريطانيا وحكومة الكونغو والموقع فى لندن 9 مايو 1906، والمذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا فى ديسمبر 1925 واتفاقية مياه النيل بين مصر وبريطانيا بالنيابة عن السودان وكينيا وتنجانيقا - تنزانيا وأوغندا فى عام 1929، واتفاقية لندن بين بريطانيا «نيابة عن عن تنجانيقا - تنزانيا حالياً» وبلجيكا «نيابة عن رواند وبوروندى فى 23 نوفمبر 1934 ثم المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا «نيابة عن أوغندا» فى الفترة ما بين يوليو 1952 ويناير 1953، ثم اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان، ثم الخطابات المتبادلة بين مصر واوغندا فى مايو 1991، ثم اتفاق القاهرة للتعاون بين مصر وإثيوبيا 1993.

وفيما يتعلق بالاتفاقيات المختلفة السابق الإشارة إليها والخاصة بتنظيم استغلال مياه النيل، لابد أن نعلم أن بعض هذه المعاهدات تناولت الوضع الإقليمى والجغرافى للدول المتعاقدة، أى إنها تمثل قيداً أو التزاماً على عاتق الدول وعلى إقليمها، ولا يؤدى انتقال السيادة على الإقليم من الدول الاستعمارية إلى الدول الأفريقية المستقلة «الخلف» إلى التحلل من هذه القيود والالتزامات.
هل الاتفاقيات الدولية التى تم توقيعها خلال وجود الاستعمار تظل سارية إلى وقتنا الحالى؟
- هذا ما أكدته المادتان الحادية عشرة والثانية عشرة من اتفاقية فينا بشأن التوارث الدولى فى مجال المعاهدات، أخذاً بنظرية الاتفاقات الموضوعية الممتدة، فسريان الاتفاقيات الدولية الخاصة بنهر النيل والمشار إليها سلفاً لا يتأثر بحصول دول حوض النيل على استقلالها، حيث تظل هذه الدول محملة بالالتزامات - ومتمتعة بالحقوق أيضاً - التى تضمنتها هذه الاتفاقات وفقاً لقواعد قانون التوارث الدولى التى قننتها اتفاقية فينا لعام 1978.

وهناك العديد من الاتفاقيات المشار إليها نصت على عدم قيام دول المنبع بأى إنشاءات للرى تؤثر تأثيراً محسوساً على كمية المياه المتدفقة إلى مصر دولة المصب أو تعطيل سريان هذه المياه، كما أن هناك عدداً من الاتفاقات اعترفت بالحقوق المائية التاريخية والمكتسبة لمصر والسودان فى مياه النيل الأزرق والأبيض، والتعهد بعدم تعديل كمية المياه التى تحملها إلى نهر النيل بشكل ملموس.
وهناك تحديداً اتفاقية 1929 المشار إليها سلفاً، والتى لم تجامل مصر على حساب دول حوض النيل الأخرى لكنها أقرت الأعراف أى الممارسات الدولية فى مجال الانتفاع بالأنهار الدولية.
وقد حذرت الاتفاقية من إقامة أى مشروع من أى نوع على نهر النيل أو روافده أو البحيرات التى تغذيها كلها إلا بموافقة مصر، لا سيما إذا كانت هذه المشروعات ستؤثر على كمية المياه التى تحصل عليها مصر.
وهذا الاتفاق يعد علامة بارزة فى تاريخ نهر النيل حيث أظهر اعتراف الأطراف المعنية بمبدأ الحقوق المكتسبة كما حظى فيه مبدأ التوزيع المنصف والعادل أيضاً بالاعتراف، وقد أكد هذا الاتفاق بوضوح على عدم قيام أعمال رى أو توليد طاقية هيدروكهربية على النيل أو فروعه أو على البحيرات التى ينبع منها، سواء فى السودان «المصرى البريطانى» أو فى البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية، يكون من شأنها إنقاص مقدار كمية المياه التى تصل إلى مصر أو تعديل موعد وصوله أو تخفيض منسوبه بما يؤدى إلى إلحاق ضرر بمصر، إلا بعد موافقة مسبقة منها.

كما نص أيضاً على حق مصر فى مراقبة مجرى نهر النيل من المنبع إلى المصب، وتوفير كل التسهيلات اللازمة للحكومة المصرية للقيام بدراسة ورصد الأبحاث المائية لنهر النيل فى السودان، كما ذكرت أيضاً بعض الاتفاقات بأن السماح باستغلال مياه النيل لتوليد الطاقة الكهربائية لا يجوز بحال أن يمس كمية المياه التى تتدفق من منابعه إلى المجرى الرئيسى فيه.

أما اتفاقية 1959 بين مصر والسودان والتى آثارت جدلاً كبيراً لدى العديد من دول حوض النيل فهى تعد فى الواقع مثالاً يحتذى به فى مجال التعاون بين الدول المشاركة فى الأنهار الدولية لاستغلال مياه هذه الأنهار، حيث سعت الاتفاقية لتحقيق نفع مشترك لكل من الدولتين دون إجحاف بالحقوق التاريخية لكل منهما ودون الإضرار بحقوق باقى دول الحوض.
ومن المهم الإشارة إليه أن كل دول حوض النيل عدا إثيوبيا لم تتحفظ - فى حينه - على أحكام اتفاقية 1959 هذه، وهو ما يعنى الإقرار الضمنى بجميع أحكامها.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة