حـــســــــن زايــــــد يكتب: أنا مطمئن فهل أنت مطمئن كذلك؟

الثلاثاء، 24 مارس 2015 02:06 م
حـــســــــن زايــــــد يكتب: أنا مطمئن فهل أنت مطمئن كذلك؟ وزارة الخارجية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من المهم أن يدرك المرء، أن قيادته على درجة من الوعى السياسى، يؤهلها لقيادة دفة البلاد، والخوض بها فى غمار محيط العلاقات الدولية، على نحو يعكس مدى ما تتمتع به هذه البلاد من ثقل فى موازين تلك العلاقات.

وإدراك وعى القيادة السياسية لا يتأتى من مجرد مجموعة من القرارت الارتجالية الفجائية التى لا تمثل خطاً سياسياً عاماً، ولا من مجرد سماع بعض الخطابات السياسية الحماسية ـ بمناسبة وبدون مناسبة ـ خالية من أى مضمون حقيقى يربطها على نحو أو آخر بأرض الواقع. ولا من مجرد جولات مكوكية ـ داخلية أو خارجية ـ بقصد الاستعراض التلفزيونى، أو مجرد إثبات الوجود الخالى من المعنى أو المضمون. ولا من مجرد تمتع القائد بالكاريزما الجاذبة. فإدراك وعى القيادة السياسية اليوم أصبح يحتسب بالورقة والقلم، متى تصمت هذه القيادة؟ وما دلالة هذا الصمت؟ ومتى تتكلم؟ وماذا تقول؟ وأين تقول؟ وإلى من تتوجه بهذا القول؟ وما هى ردود الأفعال على هذا الصمت، وذاك الكلام؟ ومتى يكون تصرفها فعلاً؟ ومتى يكون رد فعل ؟. ولماذا ؟.

والإجابة على كل هذه الأسئلة ـ سواء بوعى أو بغير وعى ـ تمثل الركن الركين فى خلق وبلورة إدراك المرء لمدى الوعى الذى تتمتع به قيادته السياسية، ومدى القناعة التى تتخلق بداخله بهذه القيادة. وبذا يمكن قياس درجة الرضا التى تتمتع بها القيادة السياسية فى أداءها. ولعل تجربة حكم الإخوان فى مصر هى تجربة كاشفة لذلك على نحو دقيق. فالإخوان عندما جاءوا إلى السلطة، جاءوا ـ ليس لأنهم خبراء فى العمل السياسى والإدارى، إذ أنهم لم يمارسوه واقعاً، استنكافاً أو استبعاداً ـ تعاطفاً مع مفهوم الدين، والشعب المصرى شعب متدين بطبعه، وتصور فى لحظة فارقة أن الإخوان هم دعاة الإسلام الحقيقى، من أجل ذلك جاءوا بهم. وهذا ما أشار إليه بوعى الرئيس السيسى فى حديثه مع صحيفة "وول ستريت" يوم السبت 21 مارس 2015 م. إلا أن التجربة التى مرّ بها الشعب المصرى منذ اندلاع شرارة ثورة 25 يناير 2011م، حتى ثورة 30 يونيه 2013 م كانت بمثابة الإختبار الحاسم ـ والمحك العملى ـ لمن يروجون لأنفسهم ممتطين صهوة الأفكار الدينية، وقد عاش المصريون بأنفسهم مخاض هذا الإختبار وآلامه، وقد توصلوا بأنفسهم إلى نتيجة واحدة مؤداها أن هؤلاء القوم لا يستحقون ما نالوه من تعاطف باسم الدين.

لأن المصريين لم يجدوا فيهم ديناً، ولا عندهم دنيا، وقد أوشكوا أن يضيعوا الدين، وأن يبيعوا الدنيا. وقد أشار السيسى فى حواره إلى الجريدة المذكورة إلى بُعد استراتيجى غاية فى الأهمية، وهو أن فكرة التعاطف الشعبى مع فكرة الدين فى السياسة، والتى ظلت مهيمنة لسنوات عديدة، لم يعد لها وجود، وهو ما يعد انقلاباً استراتيجياً فى منهجية تفكير الشعب المصرى فى مستقبله. ولا يعنى هذا التحول الإستراتيجى تطليق الشعب المصرى للدين الإسلامى كشرط للولوج إلى المستقبل، وإنما يعنى تصحيح مفهومه عن الدين عما حاول الإسلام السياسى فرضه على الأفهام على مدار ما يقارب القرن من الزمان.

وقد دعم هذا التغيير الإستراتيجى ما ظهر من جماعة الإخوان من أفعال وأقوال بعد 30 يونية 2013 م، فبدلاً من لعب المباراة باعتبارها لعبة سياسية حتى النهاية، طالما أن الممارسة سياسية باسم الدين، انقلب الإخوان على فكرتهم، انقلاباً دراماتيكياً، فبدلاً من الأقوال ذات الطابع السياسى، وإن تسربلت بأردية الدين، وجدناً تكفيراً وتجهيلاً، وبدلاً من الأفعال التى تمثل نوعاً من الممارسة السياسية على الأرض، وجدنا قتلاً وحرقاً وتخريباً، الأمر الذى أوجد خصومة فعلية بين فكرتهم، وبين الدين كما فهمه العامة.

ومن هنا جاءت كلمة السيسى المعبرة عن موقفهم: "يا تحكمونا، يا تقتلونا" لتلخص فجاجة الفكرة لديهم، والتى بنوا عليها اختياراتهم فى كل شيء. فالإفتراض القائم على اعتبار أن كل مسلم تقى هو بالضرورة إسلامى سياسى، هو افتراض ساذج يدل على السطحية. وقد تبدت هذه السطحية والسذاجة فى إختيارهم للسيسى وزيراً للدفاع، باعتباره ذا اتجاه محافظ، وتقى، لما يظهر على جبهته من أثر للسجود. حتى أنه أشيع وقت اختياره أنه يمثل الإتجاه الأيديولجى لجماعة الإخوان. ولعل فى ذلك ما يذكرنا بموقف تاريخى يقاس عليه ـ وهو قياس مع الفارق ـ وهو موقف فرعون فى اختيار موسى عليه السلام. فقد جاء موسى ليهدم عقيدة فرعون فى نفسه، ويكون تدمير فرعون فى اختياره. وكذا الإخوان حين اختاروا السيسى وزيراً، ليهدم عقيدتهم فى أنفسهم، ويكون تدميرهم فى اختيارهم. فالوعى الإستراتيجى للرجل من منطلق إيمانه بعقيدته، يعلم ـ كما أوردت الصحيفة ـ "أن الدين الإسلامى الحقيقى يمنح حرية لجميع الناس ليؤمنوا أو لا.

فالإسلام لم يدعو قط لقتل الآخرين الذين لم يؤمنوا به. كما لم يقل أن للمسلمين الحق فى إملاء معتقداتهم على العالم، ولم يقل أن المسلمين فقط هم من سيدخلون الجنة وسيلقى غيرهم فى الجحيم". وهو يعلن هذه الإستراتيجية إلى العالم، ويبين للجميع أن : "هناك سوء فهم وخلط حول الإسلام الحقيقى. فالدين يحميه روحه، وجوهره، وليس البشر. فالبشر يأخذون تعاليم الدين ويتجهون بها نحو اليمين أو اليسار". ويضيف : "نحن لسنا آلهة على الأرض، ليس لنا الحق فى التصرف نيابة عن الله". هكذا يعطى السيسى ـ كما أشارت الصحيفة ـ درساً للعالم عن الإختلاف بين التقوى والتطرف. وإذا بالرجل الذى ظهر كشخصية عسكرية ـ شأنه فى ذلك شأن كل الشخصيات العسكرية ـ يظهر وعياً استراتيجياً من منطلق عقدى، ويبرز كأحد أبرز المدافعين عن الإسلام المعتدل، وواحد من أبرز دعاة إصلاح الخطاب الدينى فى العصر الحديث، وداعياً إلى محاربة العنف والتطرف والإرهاب باسم الدين. وعندما تكون قيادتى على هذا القدر من الوعى الإستراتيجى، فلا شك أننى سأكون مطمئناً، فهل أنت مطمئن كذلك؟








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة