سعد الدين الهلالى

الطلاق الشفوى «13»

الإثنين، 23 مارس 2015 12:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الطلاق عقد كسائر العقود لا يصح إلا إذا تحققت أصوله الثلاثة، وهى تواجد أسبابه وتحقق شروطه وانتفاء موانعه، وقد ترتب على مراعاة تلك الأصول اختلاف فقهى قديم فى حكم وقوعه فى مسائل عديدة اخترنا منها إحدى عشرة مسألة تفتح على الفقهاء المعاصرين باب التخريج عليها فى الحكم بعدم احتساب الطلاق الشفوى للمتزوجين بوثيقة رسمية، وقد تكلمنا عن ثمان مسائل منها وهى وقوع الطلاق بغير صيغة التنجيز، والطلاق بغير نيته، والطلاق بالتوكيل أو بالتفويض، وطلاق الفضولى، والطلاق بغير إشهاد، وطلاق الغضبان، وطلاق المكره، وطلاق السكران. وبدأنا الحديث عن المسألة التاسعة وهى الطلاق بلفظ الثلاث، وقلنا إن الفقهاء اختلفوا فى حكمه على خمسة مذاهب.

المذهب الأول: يرى أن الطلاق بلفظ الاثنين أو بلفظ الثلاث بدعة محرمة، وإذا حدث كان لغوًا هو والعدم سواء. وهو قول طائفة من أهل العلم كما حكاه ابن حزم، ونسبه ابن تيمية لبعض المعتزلة والشيعة. وسبق تفصيل أدلة هذا المذهب فى المقال السابق. المذهب الثانى: يرى أن الطلاق بلفظ الاثنين أو بلفظ الثلاث مشروع بوصف السنة أى الطريقة المستقيمة التى بينها الرسول صلى الله عليه وسلم فى حياته وعرفها الناس، فإذا اختار الزوج طلاق زوجته بلفظ الثلاث فإنه يكون قد استعمل حقه الشرعى وطلقت زوجته بوصف الطلاق الثلاث البات أو البائن بينونة كبرى سواء أكان هذا الطلاق قبل الدخول أم بعده. وهو قول الشافعى وأبو ثور، ورواية عن الإمام أحمد اختارها الخرقى، وهو مذهب الظاهرية وانتصر له ابن حزم الظاهرى ونسب القول به إلى أبى ذر، ورواه عن عمر وعثمان وعلى وابن عباس وابن مسعود وابن سيرين وغيرهم. وحجتهم ما يلى:

«1» أن الله تعالى جعل للزوج طلقتين رجعيتين وثالثة بائنة، ولم يقيده بوصف الإفراد، فدل على جواز إيقاع الطلاق الثلاث مجموعة بلفظ واحد. قال تعالى: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» إلى أن قال تعالى: «فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره» «البقرة:229-230» . قال ابن حزم فى «المحلى»: فهذا يقع على الثلاث مجموعة ومفرقة، ولا يجوز أن يخص بهذه الآية بعض ذلك دون بعض بغير نص. وكذلك قوله تعالى: «إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها» «الأحزاب:49» . قال ابن حزم: هذا عموم لإباحة الثلاث والاثنين والواحدة، وقوله تعالى: «وللمطلقات متاع بالمعروف» «البقرة:241» فلم يخص الله تعالى مطلقة واحدة من مطلقة اثنين ومن مطلقة ثلاثًا. «2» أن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينكر على من طلق فى عهده ثلاثًا، كما ورد فى الروايات التى تحكى قصة فاطمة بنت قيس التى طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة ثلاثًا، وفى قصة امرأة رفاعة القرظى التى طلقها ثلاثًا، وفى قصة الملاعن الذى طلق امرأته ثلاثًا. ونحكى ذلك تباعًا فيما يلى:

«أ» أما قصة فاطمة بنت قيس فقد أخرجها مسلم عن أبى سلمة بن عبدالرحمن بن عوف أن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس قالت: إن أبا حفص ابن المغيرة المخزومى طلقها ثلاثًا ثم انطلق إلى اليمين، فقال لها: ليس لك علينا نفقة. فانطلق خالد بن الوليد فى نفر فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت ميمونة فقالوا: إن أبا حفص طلق امرأته ثلاثًا فهل لها من نفقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس لها نفقة وعليها العدة»، وفى رواية أخرى لمسلم عن فاطمة بنت قيس قالت: أرسل إلى زوجى أبو عمرو ابن حفص بن المغيرة عياش بن أبى ربيعة بطلاقى وأرسل معه بخمسة آصع تمر وخمسة آصع شعير، فقلت: أما لى نفقة إلا هذا، ولا أعتد فى منزلكم؟ قال: لا. قالت: فشددت على ثيابى وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كم طلقك»؟ قلت: ثلاثًا. قال: «صدق ليس لك نفقة اعتدى فى بيت ابن عمك ابن أم مكتوم فإنه ضرير البصر تلقى ثوبك عنده، فإذا انقضت عدتك فآذنينى». قالت: فخطبنى خطاب منهم معاوية وأبو الجهم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن معاوية ترب خفيف الحال، وأبو الجهم منه شدة على النساء، أو يضرب النساء، أو نحو هذا، ولكن عليك بأسامة بن زيد». كما أخرج مسلم عن فاطمة بنت قيس قالت: يا رسول الله زوجى طلقنى ثلاثًا، وأخاف أن يقتحم على. قال: فأمرها فتحولت. قال ابن حزم فى «المحلى»: «فهذا نقل تواتر عن فاطمة بنت قيس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرها هى ونفر سواها بأن زوجها طلقها ثلاثًا، وبأنه صلى الله عليه وسلم حكم فى المطلقة ثلاثًا ولم ينكر النبى صلى الله عليه وسلم ذلك، ولا أخبر بأنه ليس بسنة، وفى هذا كفاية لمن نصح نفسه».

وقد عورض هذا الدليل بما ذكره ابن حزم وأجاب عنه فقال: «وأما رواية مسلم عن أبى سلمة أن فاطمة بنت قيس أخبرته أنها كانت تحت أبى عمرو بن حفص بن المغيرة فطلقها آخر ثلاث تطليقات، وذكرت باقى الخبر. قلنا: نعم إلا أن هذا الخبر ليس فيه أن أحدًا أخبر الرسول بأنها آخر ثلاث تطليقات، وإنما المسند الصحيح الذى فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم سأل عن كمية طلاقها وأنها أخبرته بأن زوجها طلقها ثلاثًا، وعلى هذا الإجمال جاء حكم النبى صلى الله عليه وسلم». قلت: ويؤيد هذا رواية الإمام أحمد للحديث فى «مسنده»، وفيها: «أن فاطمة خاصمت أخا زوجها إلى النبى صلى الله عليه وسلم لما أخرجها من الدار ومنعها النفقة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «ما لك ولابنة قيس»؟ قال: يارسول الله إن أخى طلقها ثلاثًا جميعًا». وذكر الحديث. وأخرج مسلم عن الشعبى أنه سأل فاطمة بنت قيس عن المطلقة ثلاثًا أين تعتد؟ فقالت: طلقنى بعلى ثلاثًا فأذن لى النبى صلى الله عليه وسلم أن أعتد فى أهلى. ويلاحظ أن روايات مسلم اختلفت فى ذكر اسم زوج فاطمة بنت قيس، فوقع فى بعضها أنه «أبوحفص بن المغيرة» ووقع فى بعضها أنه «أبو عمرو بن حفص»؟ ويجيب عن ذلك ابن عبدالبر «ت463» فى «التمهيد لما فى الموطأ من المعانى والأسانيد» بأن اسم أبا حفص بن المغيرة خطأ، والصواب ما قاله مالك أن اسمه أبو عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم قيل اسمه عبدالحميد.

«ب» وأما قصة امرأة رفاعة القرظى فقد أخرجها الشيخان، وهى عند مسلم عن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلقنى فبت طلاقى، فتزوجت عبدالرحمن بن الزبير، وأن ما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتريدين أن ترجعى إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك». وفى رواية للبخارى ومسلم عن عائشة قالت: طلق رجل امرأته ثلاثًا فتزوجها رجل آخر ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فأراد زوجها الأول أن يتزوجها فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: «لا حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول». قال ابن حزم: «فلم ينكر النبى صلى الله عليه وسلم هذا السؤال الذى فيه أن رجلًا طلق امرأته ثلاثًا فتزوجت بآخر ثم طلقها قبل الدخول فأراد زوجها الأول أن يتزوجها؟ فلو كان الطلاق ثلاثًا لا يجوز لأخبر النبى صلى الله عليه وسلم بذلك». واعترض على هذا الدليل بمثل ما عورض به الاستدلال من حديث فاطمة بنت قيس، وهو أنه ورد فى الصحيحين رواية أخرى عن عائشة أن رفاعة القرظى طلق امرأته فتزوجها عبدالرحمن بن الزبير، فقالت: يارسول الله إن رفاعة طلقها آخر ثلاث تطليقات. وذكرت باقى الخبر. وأجاب عن ذلك ابن حزم بأنه ليس فى شىء من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على أن هذه الطلقة آخر ثلاث تطليقات أى متفرقات، وإنما الثابت هو ذكر الطلاق الثلاث بالإجمال.

للحديث بقية








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة