علا الشافعى تكتب فى ذكرى ميلاد شادى عبد السلام.. "المومياء"عبودية المخرج الكبير فى محراب الفن..سينماه قطع من الفسيفساء ينحتها بروح العابد..وتتساءل:كيف نحت أجمل قطع المتحف السينمائى المصرى بـ«المومياء»

الأحد، 15 مارس 2015 07:57 م
علا الشافعى تكتب فى ذكرى ميلاد شادى عبد السلام.. "المومياء"عبودية المخرج الكبير فى محراب الفن..سينماه قطع من الفسيفساء ينحتها بروح العابد..وتتساءل:كيف نحت أجمل قطع المتحف السينمائى المصرى بـ«المومياء» علا الشافعى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الفيلم المصرى الرائع "المومياء"


إنها القطعة الأجمل فى متحف السينما المصرية.. ليس ذلك فقط بل إنها تعتبر من أعظم 100 فيلم فى تاريخ العالم.. نتحدث هنا عن الفيلم المصرى الرائع «المومياء» للمخرج السكندرى المُبدع شادى عبد السلام الذى نحتفل اليوم الأحد بالذكرى الـ85 لميلاده، وهو صاحب العديد من الأفلام التسجيلية الهامة ومنها "شكاوى الفلاح الفصيح"، كما أنه عمل على فيلم "إخناتون" وللأسف لم يخرج للنور.

لا نستطيع القول بأن شادى هو مجرد مخرج مر من هنا، ولا أن فيلمه "المومياء" وغيره من الإبداعات مجرد عمل عابر، ذلك لأن تجربة فيلم «المومياء يوم أن تحصى السنون» هى بحق تجربة فريدة فى السينما المصرية والعربية والعالمية.

شادى عبد السلام ابن الإسكندرية


شادى ابن «كوزمو بوليتان» الإسكندرية، تلك المدينة المتعددة الثقافات، وصاحب الأصول الصعيدية، والمتخرج فى مدرسة «فيكتوريا كوليدج»، ورفيق المخرج الكبير يوسف شاهين، وقع فى غرام الفن منذ أن عمل مع المخرج الكبير صلاح أبو سيف فى فيلم «الفتوة»، عشق هندسة الديكور، ودرس العمارة، وقام بتصميم الأزياء وأبدع فى هذا المجال بعد تجربته فى فيلم للمخرج حلمى حليم، وصار واحدًا من أهم رموزها، بل أيضًا كان من المتفردين فيها.. كل أشكال الفنون انصهرت فى بوتقة شادى الوجدانية والإبداعية وشكلت بوضوح تجربته الفريدة فى «المومياء».

فالفيلم الذى استغرق فى الإعداد له والعمل عليه فترة طويلة من التحضيرات، كان يقوم برسم الإسكتشات الخاصة بالفيلم لقطة لقطة، بل أيضًا كان مسئولًا عن الأزياء والديكورات.. شادى الذى كان يثير مقارنات كثيرة مع زميل مشواره شاهين، الذى كان أكثر إنتاجًا، أدرك أن منحوتة واحدة فى عالم الإبداع الإنسانى تكفيه، وأن البحث فى الجذور والتأمل هو جزء أصيل من رسالة الفن، ولذلك قدم «المومياء» بمنطق العابد والناسك فى محراب الفن، وتجلى هذا المنطق فى الجملة الأثيرة التى شكلت إلهامًا له فى فيلم المومياء حيث قالت «اعطنى اسمى فى البيت الكبير وأعد إلى الذاكرة اسمى يوم أن تحصى السنين»، وبالفعل حصل شادى على اسم فى البيت الكبير، بيت الإبداع الإنسانى.

الدكتور مجدى عبد الرحمن، أحد أعضاء فريق العمل، والذى أفرد العديد من الدراسات والأبحاث حول الفيلم، وكان يلقى محاضرات كاملة عنه لطلاب المعهد العالى للسينما فى أكاديمية الفنون بالقاهرة، تحدث عن دقة شادى فى إنجاز منحوتته، وكيف أن كل شىء كان يتم حسابه، بدءًا من حركة الشمس، ومدى سطوعها، وأيضًا حركة الرياح وتأثيرها على تشكيل الكثبان الرملية فى الفيلم.

سيناريو الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية حدثت فى آواخر القرن الثامن عشر (1871) حول قبيلة تسمى «الحربات» فى صعيد مصر تعيش على سرقة وبيع الآثار الفرعونية، السيناريو يروى أنه عند موت شيخ القبيلة يرفض أولاده أمر سرقة الآثار فيقتل الأول على يد عمه بينما ينجح الثانى فى إبلاغ بعثة الآثار عن مكان المقبرة التى تبيع قبيلته محتوياتها، أما القصة الأصلية فأبطالها أفراد من عائلة عبد الرسول ينجحون فى اكتشاف ما بات يعرف بخبيئة مومياوات الدير البحرى والتى ضمت مومياوات أعظم فراعنة مصر من مثل أحمس الأول وسيتى الأول ورمسيس الثانى.

الفيلم الذى يعد من درر الإنتاج العالمى، أنتجته المؤسسة العامة للسينما المصرية فى عام 1974 وصدر فى 27 يناير 1975، نال الكثير من الجوائز الدولية واحتفلت به مهرجانات عالمية، قام المخرج العالمى مارتن سكورسيزى بعمل ترميم للفيلم ضمن مشروع عالمى لترميم الأفلام تقوم به منظمة السينما التى يرأسها.

كما وقع اختيار الناقدة الإنجليزية المخضرمة «ديليز باول» على الفيلم لتضمه إلى قائمة الأفلام الإثنى عشر التى اعتبرتها أحسن أفلام عام 1972. وبذلك وقف مخرج مصرى لأول مرة اسمه شادى عبد السلام، جنبا إلى جنب مع عمالقة الفن السابع ممن وقع اختيار الناقدة على أفلامهم أمثال جوزيف لوزى «اغتيال تروتسكى»، وستانلى كوبريك «البرتقالة الآلية»، وجون هوستون «المدينة البدينة»، وكلود شابرول «فيلم الجزار»، وقد كتب عنه الناقد الفرنسى كلود ميشيل كلونى فى دوسيه السينما: كان من الممكن وإلى حد بعيد اعتبار المومياء فيلمًا غير مصرى لولا أن مصر تقيم بين حناياه بماضيها، بديكورها، بواقعها، بتمزقها، وتعبر داخل الفيلم عن تفردها.

شادى يسافر بنا فى فيلمه إلى ماضى يعبر آلاف السنين (العصر الفرعونى)، ويوجه بصرنا إلى تلك الهوة السحيقة بين مصر المدينة ومصر القرية.. وينتقل بنا عبر زمن يبدو ساكنًا لا يتحرك، زمن يجرفنا بشاعريته.. يسحرنا ليشهدنا على مولد عصر جديد، فإخراج فيلم المومياء يختلف عن أسلوب الإخراج السائد فى السينما العربية، فقد ارتقى شادى بفيلمه إلى مستوى يقرب من العبادة، فالمومياء بجمال تشكيله وعطر شعره فيلم له مقام خاص سواء فى السينما العربية أو بين المدارس الغربية، أنه يعبر دون شك عن الروح المصرية ودخائلها بأسلوب يتسم بالابتكار الذى يأخذ العين والعقل معا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة