آخر إبداعات إبراهيم أصلان.. "صديق قديم جدا" يرثى نفسه و"إمبابة"

السبت، 07 فبراير 2015 02:17 م
آخر إبداعات إبراهيم أصلان.. "صديق قديم جدا" يرثى نفسه و"إمبابة" غلاف الرواية
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أن تقرأ رواية وأنت تعرف أنها آخر ما يربطك من إبداع جديد بصاحبها، لأنه رحل، وأن الكتاب صدر بعد رحيله، يكون لها وقع مختلف على نفسك وروحك، ستدخلك القراءة فى جو مشحون بالتوتر ، كما أنك ستقرأ وأنت تبحث عن كلمة الختام التى ألقاها الأديب قبل الرحيل، ستختار أكثر الأماكن المتاحة هدوءا لتكمل القراءة، ستشعر بروحه قريبة منك وربما تجلس فى مواجهتك تماما، هكذا كان حالى وأنا أقرأ رواية "صديق قديم جدا" للكاتب الكبير إبراهيم أصلان، والرواية صادرة عن "هيئة الكتاب" بعد عام من رحيل "أصلان".

منذ أن تبدأ فى قراءة الرواية يصاحبك سؤالان، الأول من هو الصديق القديم جدا الذى تقصده الرواية، وتجعل التفكير فيه والبحث فى حياته عنوانها؟، الصديق القديم فى رواية إبراهيم أصلان لن يمنحك نفسه بهدوء ولا يكشف عن ذاته ببطء، بل يأخذك فى رحلة يتركك فى نهايتها غير متأكد تماما، ففكرة "الصديق القديم جدا" تتطور معك على طول مفهوم الرواية، يبدأ من "توفيق" ويظل خياله يطاردك فى أنه المقصود، خاصة أن الرواية وصفته تقريبا بهذه الصفة أكثر من مرة، لكن بعد وقت آخر من القراءة ستظهر شخصيات أخرى هى أيضا "أصدقاء قدامى جدا" فشخصية "جونيور" لا تقل أثرا ووجودا عن "توفيق" كما أن "سليمان الشاعر" بكل الذى كان يمثله للراوى وللتغير الشديد الذى أصابه يستحق أن يكون المقصود بهذه الصفة، كل هذا وجهة نظر، لكن الصديق القديم جدا هو "الراوى/عبد الله" نفسه، الذى منحته فرصة موت صديق قديم، أن يبحث داخل ذاته عن نفسه وعن قناعاته السابقة واختياراته، ويقارنها بحاله الآن ليجد أنه أصبح مختلفا لا علاقة تقريبا بين "العجوز" الذى هو عليه والشاب الذى كانه يوما، حينها يتأكد أنه كان لنفسه صديقا قديما جدا.

السؤال الثانى، وهو سؤال دائم كان يطارد "إبراهيم أصلان"، هل يكتب أصلان ما يعرفه، وما مر به فى حياته ثم يضعه فى بوتقة من الخيال؟، يظل الأدب العظيم هو ما يُدخلك فى هذه الربكة الفنية الجميلة، وذلك بأن يضعك فى موضع الصدق عندما يريد ثم يأخذك إلى طاقات الخيال وقتما يحب، هناك مؤشرات قوية على حقيقة الحكاية فـ"البريد" بكل ما فيه يعرفه إبراهيم أصلان عن ظهر قلب، وإمبابة بكل روحها تحفظ إبراهيم أصلان ويحفظها، كما أنه لم يضع خوارق فى الحكايات، حتى أن الكلام عن علاقاته بالنساء كانت متحفظة كما هو متوقع من كاتب يصيغ سيرته الذاتية ويخشى أن يقرأها أحد، فهى حكاية ممتلئة بالتأمل والحياة وليست بالبهرجة، لكن هذا لا يعنى أنها سيرة ذاتية لإبراهيم أصلان، فقد اختلط لديه الحقيقى بالخيالى، وخرجت رواية تحكى عن زمن جميل وأماكن أجمل، فقط لأنه رآها كذلك.
إذن فقد شغل إبراهيم أصلان نفسه بالبحث عن الجمالى، فى كتابة هذه الرواية، وأرقه أن ننقطع عن ماضينا تماما حتى فى الشكل الخارجى لنا، ورفض أن تتحول وسامتنا إلى قبح بين وتجاعيد وانحناء ظهر، وأن تنطفئ أرواحنا فجأة، وأن نموت ونحن سائرون فى الطريق، وأن نفزع ونفقد أرواحنا وعقولنا لأننا رأينا ذئبا يقف لنا بالمرصاد، وأن نرى بنتا بعينين جريئتين ولا نحبها، وأن نسمح لحياة رديئة بأن تأكل منا أصدقائنا وتدخلنا فى متاهات تكون العودة منها مستحيلة، ستدفعك هذه الرواية لأن تلم شتات نفسك وتبحث عن أصدقائك القدامى، وقبلهم عنك أنت وتتأمل التغيرات التى حدثت مثل شروخ فى روحك ربما تحاول أن ترمم تصدعاتها.

الرواية بحث عن الذات، عن زمن جميل وعمر ضاع فجأة وأماكن شاخت وعلاقات تفسخت تماما، إنها استحضار لكل جميل حتى إن كان فى وقته غير ذلك .








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة