"شر البلية" قصة جديدة للأديب سمير المنزلاوى

السبت، 07 فبراير 2015 04:17 ص
"شر البلية" قصة جديدة للأديب سمير المنزلاوى سمير المنزلاوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تحظ شخصية فى مركزنا وتوابعه، مثلما حظى الشيخ طلبة الصفتى قارئ القرآن الكريم، من شهرة وصيت.

هو من ناحيته كان يؤمن تماما أنه يستحق هذا وزيادة: يكفى أنه الوحيد الذى يقرأ على السبعة، علاوة على كونه حجة راسخة فى الحفظ والتجويد.

لولا الحظ النحس، وانطفاء نور العينين، أيام الجدرى لكان الآن متربعا على عرش الإذاعة والتليفزيون. أوليس معظم القارئين فيهما، من تلاميذه الذين ألهب مؤخراتهم بعصاه؟ ولا تعجبه البتة طرائقهم فى الترتيل، فيغلق فى وجوههم متحسرا. هو لا يرحم من يتهاون فى الأحكام. ليس ببعيد اشتباكه مع إذاعى شهير، كان يقرأ فى مأتم العمدة. بدا ممتعضا، غير راض عن التحطيم المتواصل للقواعد، ثم اختلطت فى وجهه الألوان، وارتعش وهب متحسسا طريقه إلى المنصة فنحاه بالقوة !

العجيب أن غريمه جاء معتذرا على الملأ. وظلت الحادثة رصيدا يسحب منه، فى تلك البلدة التى لا تفرق بين العجوة والطوب الأحمر.

بقى ثابتا لا يفرط فى كرامته، رغم تغير الأحوال، وانصراف الأولاد عن الكتاب إلى المدارس. ظلت المآتم مورده الرئيسى، يحرص عليه لدرجة تسقط أخبار المرضى، وانتظار وفاتهم!.

أشاع بسيونى الحلاق أن الشيخ طلبه بعد أن حلق شعره وذقنه، قال له

- خالك أبو الفتوح فى النزع الأخير، بعد المأتم سأعطيك الحساب !

لم يلق بالا لما تناثر من أقاويل، بل سار راضيا لا يشعر بالكارثة! وقد جاءت سريعا حين قررالأهالى الغاء المآتم والاكتفاء بالعزاء على الجبانة .لا يمكن لأحد أن يحدد على وجه الدقة صاحب الاقتراح. المهم أنه لقى قبولا خرافيا. فالمآتم باتت عبئا ثقيلا، حيث على أهل الميت حشو صف طويل من الأفواه بالمال : الشيخ طلبه، صبيان الشادر، مقدمى القهوة والشاى، عامل مكبرات الصوت.


أحس بالوحدة الباردة، حلم أنه فى قارب مثقوب يبلله الماء وسط المحيط. هل هذه نهاية خادم القرآن؟

جاء اليوم الذى أخفض رأسى و أتسول !!

زوجته تحاول التهوين من الأمر :

- لا أحد يموت جوعا، كل عقدة لها حلال .

- دبرينى، فعقلى أبيض ممسوح .

- ألم يجدوا غير المآتم؟

- سأقرأ عليهم جميعا عدية يس .

خلع العمامة لتكون رأسه مكشوفة للسماء، قرأ وهو يبكى .

ثم رفع يديه تهتزان :

- يا رب احرق قلب كل من قطع رزقى.

وجمت الزوجة حين دعا ابنه، و أمره بشراء بنزين ! لم تستطع التدخل لأن وجهه امتلأ غيوما، وبدا شخصا غريبا لا تعرفه! أعطت ابنها اناء من البلاستيك، وجلست تنتظر. تطوع عقلها فورا لارباكها، أوحى لها ان زوجها سينتحر حرقا !

لم تتحمل، تغلبت على خوفها، واستعدت لأى طارئ، ثم أمسكت كتفيه تهزهما :
- هل تموت كافرا يا شيخ طلبه ؟

عيناه مفتوحتان على خواء، لايمكنها استخدامهما فى الوصول إلى أعماقه. ظلت تتكلم :

- لدينا مال نعيش منه، يمكنك ان تستثمره فى مشروع .

لم يرد، استند بيده اليمنى على الأرض وخرج إلى الصالة. بعد قليل جاء الولد. وضع الاناء بين يديه. فاحت الرائحة النفاذة وملأت خلايا أنفه. وقفت ترمقه، هب مرة ثانية، اعتمد على كتف الصبى، وأمره أن يحمل الاناء .
صرخت :
- ابنى .

- لا تفتحى فمك .

- إلى أين تأخذه ؟

- لن نذهب بعيدا، اصمتى تماما.
الليل أقبل، والأرجل خفت، وكنا فى آخر الشهر، ولا أثرللقمر. الولد يتعثر، فتضغط عليه اليد الثقيلة العصبية.

- ادخل المقابر

سارا فى مدقات نحيلة تفصل بين المقابر، وكاد يسقط أكثر من مرة، واختلطت رائحة البنزين برائحة النفايات و الأعشاب النامية .
- هل تعرف مقبرة على مرزوق الذى توفى أمس، انك تتبع الجنائز دائما .
هز الولد رأسه، انحرف عدة مرات، وهو يسيربجواره يسمع دقات قلبه،
ويحس بسياط تلسع رأسه.

- ها هى المقبرة
.
- اسكب البنزين فوقها. اسكب.
ناوله الثقاب :
- أشعل النار .

قفز من فوق الأرض على صرخة ابنه، أدرك ان البنزين أصاب ملابسه، فأمسكت به النيران!

تناول حفنة تراب وحارت يده فى الهواء، اصطدم بجدار وتهاوى، الولد يصرخ من شدة الألم، وهو لا يستطيع أن يصل اليه، زحف بعيدا عن اللفح، يصرخ بصوته الذى طالما أيقظ النائمين. تصرخ أيضا الأم الملتاعة التى لحقت بهما تستطلع .هرول الناس بالمشاعل والكلوبات، دارت معركة رهيبة مع جهنم التى احتلت المكان، سحبوا الشيخ محترق الوجه والملابس، أما الغلام فقد تفحم تماما .لم يحاول احد ان يستفسر، لأنهم صنعوا فى عقولهم افتراضا قريبا جدا مما حدث فى تلك الليلة.




"الصقور تفقد المأوى" قصة لـ"سمير المنزلاوى"













مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

فتحى نافع

آن الاوان

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة