سعد الدين الهلالى

الطلاق الشفوى «9»

الثلاثاء، 10 فبراير 2015 12:03 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يجب أن يتحقق فى الطلاق- كسائر التصرفات- الأصول الثلاثة، وهى وجود أسبابه، وتحقق شروطه، وانتفاء موانعه.. وقد نتج عن مراعاة هذه الأصول اختلاف فقهى قديم فى حكم وقوع الطلاق فى مسائل عديدة اخترنا منها إحدى عشرة مسألة تفتح على الفقهاء المعاصرين باب التخريج عليها فى الحكم بعدم احتساب الطلاق الشفوى للمتزوجين بوثيقة رسمية، وقد تكلمنا عن خمس مسائل منها وهى وقوع الطلاق بغير صيغة التنجيز، والطلاق بغير نيته، والطلاق بالتوكيل أو بالتفويض، وطلاق الفضولى، والطلاق بغير إشهاد، ونتابع فيما يلى ما تيسر من تلك المسائل.

المسألة السادسة: طلاق الغضبان

الغضب فى اللغة نقيض الرضا، ويطلق فى العرف على الانفعال. يقول الجرجانى فى «التعريفات»: الغضب تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفى للصدر، وجاء فى الموسوعة الفقهية الكويتية: الغضب حالة من الاضطراب العصبى وعدم التوازن الفكرى تكون غالبًا بسبب الاستثارة بعدو الكلام أو التهييج بعدو الفعل. ويقول ابن القيم «ت 751هـ» فى «زاد المعاد»: الغضب على ثلاثة أقسام: أحدها: الغضب الذى يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال. وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.

الثانى: الغضب الذى يكون فى مبادئه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده، فهذا يقع طلاقه بلا نزاع.

الثالث: الغضب الذى يستحكم بصاحبه ويشتد به، فلا يزيل عقله بالكلية، ولكن يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال، فهذا محل نظر.

ويرجع سبب اختلاف الفقهاء فى حكم وقوع طلاق الغضبان إلى أمرين:
الأمر الأول: تعارض مبدأ «استقرار العقود والمعاملات» الذى يستوجب إنفاذ ألفاظها أو لزوم صيغها بدون عذر الغضب، مع مبدأ «الرضائية فى العقود والمعاملات» الذى يستوجب إهدار اللفظ أو إبطال الصيغة التى لا تحقق تمام الرضا فى إبرام العقود.

الأمر الثانى: الاختلاف فى صحة وفى تفسير حديث: «لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق»، فقد أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطنى والحاكم وصححه عن عائشة، وضعفه الذهبى. وقال الألبانى «ت1999م-1421هـ» هو حسن. وقال ابن حجر العسقلانى «ت852» فى «التلخيص الحبير» فى إسناده محمد بن عبد بن wأبى صالح، وقد ضعفه أبو حاتم الرازى، وفى تفسير الإغلاق خمسة أقوال كما يلى:

«1» أنه الغضب، ومنه قولهم: إياك والمغلق، أى الضجر، وهو قول الإمام أحمد وأبو داود، وأهل العراق.

«2» أنه الإكراه، كأنه يغلق عليه الباب ويحبسه حتى يطلق. وهو قول ابن الأثير وأبو حاتم الرازى وابن قتيبة والخطابى وأهل الحجاز.

«3» أنه الجنون، كأن عقله انغلق كالمجنون. وهو ما حكاه المطرزى عن بعضهم واستبعده.
«4» أنه التضييق بجمع الطلاق الثلاث فى لفظة واحدة، فهو من التغليق كأن المطلق غلق الطلاق حتى لا يبقى منه شىء كما يغلق المدين ما عليه. وهو قول أبى عبيد وطائفة من العلماء.

«5» أنه يعم الإكراه والغضب والجنون، وكل أمر انغلق على صاحبه علمه وقصده، وهو ما حكاه الزيلعى «ت762هـ» عن شيخه.

ويمكن إجمال أقوال الفقهاء فى حكم طلاق الغضبان فى المذاهب الثلاثة الآتية:

المذهب الأول: يرى أن طلاق الغضبان لا يقع فهو والعدم سواء. وهو قول ابن تيمية «ت728هـ» وابن القيم «ت 751هـ»، كما أنه مذهب المتأخرين من الحنفية الذى نص عليه ابن عابدين فى «حاشيته» إلا أنه اشترط فى الغضب أن يغلب على صاحبه الهذيان والخلل فى أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته وإن كان يعلمها ويريدها، وحجتهم: «1» أن الرضا أساس صحة العقود، لعموم قوله تعالى: «لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم» «النساء: 29»، وعموم ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذى وصححه الحاكم عن عائشة، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق». والحد الأدنى فى الغاضب أن يكون ناقص الرضا ومعيب الإرادة، فلم يصح طلاقه وسائر عقوده كما لا تعتبر عقود الصبى العاقل. «2»عموم ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه عن عائشة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق»، وهو حديث صححه الحاكم وحسنه الألبانى. كما أن المقصود بالإغلاق هو الغضب كما فسره الإمام أحمد والإمام أبو داود وغيرهما. «3» أن الله تعالى رفع حكم يمين اللغو فى قوله تعالى: «لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور رحيم» «البقرة: 225». وقد أخرج ابن جرير الطبرى فى «تفسيره» والبيهقى فى «سننه الكبرى» عن ابن عباس قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان، ويؤكد عدم اعتبار يمين الغاضب أو تصرفه ما أخرجه أحمد والنسائى بسند ضعيف عن عمران بن حصين، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا نذر فى غضب وكفارته كفارة يمين»، وما أخرجه البخارى عن أبى بكرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان»، وأخرجه أحمد عنه بلفظ: «لا يقضى القاضى بين اثنين وهو غضبان».

المذهب الثانى: يرى أن طلاق الغضبان يختلف بحسب استحضار نية الطلاق وإرادة حكمه فيقع، أو بعدم استحضار نية الطلاق وعدم إرادة حكمه فلا يقع ويكون لغوًا، وهو مذهب الظاهرية والإمامية، لأنهم يشترطون لصحة العقود استحضار النية، ولا يغنى عنها صراحة الصيغة، لعموم ما أخرجه الشيخان عن عمر بن الخطاب أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «إنما الأعمال بالنيات».

المذهب الثالث: يرى أن طلاق الغضبان صحيح ونافذ فى ذاته إلا فى غياب العقل بالكلية، فلا أثر للغضب الذى لا يخرج صاحبه عن أدنى الوعى على صيغته، وهو مذهب الجمهور قال به المالكية والشافعية والحنابلة. وحجتهم: «1»أن استقرار العقود والمعاملات من المقاصد الشرعية، حتى لا تضطرب مصالح الناس، وهذا يستوجب الحكم بلزوم العقود التى تترتب عليها حقوق للآخرين دون اعتبار لعذر الغضب، لأن كل أحد يستطيع أن يدعى الغضب لإبطال تصرفه مما يهز أصول المعاملات. «2»أن حديث «لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق» الذى صححه الحاكم قد تعقبه الذهبى وقال هو ضعيف الإسناد، كما ضعفه ابن حجر العسقلانى فلا حجة فيه. وعلى التسليم بصحته فإن المقصود بالإغلاق الإكراه كما ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم. «3»أن النبى صلى الله عليه وسلم أنفذ ظهار أوس بن الصامت فى حال غضبه، فيقاس عليه الطلاق فى حال الغضب، فقد أخرج ابن حبان بسند صحيح عن خويلة بنت ثعلبة قالت: فى والله وفى أوس بن الصامت أنزل الله جل وعلا صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه وضجر، قالت: فدخل على يومًا فراجعته فى شىء فغضب، وقال: أنت على كظهر أمى، ثم خرج فجلس فى نادى قومه ساعة ثم دخل على فإذا هو يريدنى على نفسى، قالت: قلت: كلا، والذى نفس خويلة بيده لا تخلص إلى وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، ثم خرجت حتى جئت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ما لقيت منه، فجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، فجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقى الله فيه». قالت: فوالله ما برحت حتى نزل القرآن بأوائل سورة المجادلة وفيها كفارة الظهار.

المسألة السابعة: طلاق المكره. وللحديث بقية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

د.أحمد مصطفى

الأزهر: «الهلالي» صاحب «فكر منحرف» و«آراء شاذة»

الأزهر: «الهلالي» صاحب «فكر منحرف» و«آراء شاذة»

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة