عزة أحمد الطهطاوى تكتب: عندما هبطت علينا خفافيش الظلام

الأحد، 01 فبراير 2015 04:06 م
عزة أحمد الطهطاوى تكتب: عندما هبطت علينا خفافيش الظلام ثورة 25 يناير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الجهل هو آفة الأمة العربية، والمقصود بالجهل هنا ليس الأمية فحسب، بل الجهل الثقافى بكافة أنواعه، الجهل بالتاريخ، الجهل بتجارب السابقين.

إذا سألت من شاركوا فى ثورة يناير عن تاريخ الثورات فى العالم، ستجد أن قلة قليلة منهم هى التى بإمكانها منحك إجابة، إجابة غير مكتملة لأنهم لم يتعمقوا فى دراسة هذه الثورات، وما الأخطاء التى جعلتها تفشل أو لا تحقق الأهداف المرجوة كما ينبغى.

أنا لا أطالب هنا الإنسان المصرى البسيط بأن يكون عالمًا فى مجال التاريخ أو السياسة، بل حديثى عن شباب المفترض أنه مثقف، وقد رفض استمرار العيش فى الضباب وابتلاع غبار الفساد حتى يتبين فى رأسه الشعر الأبيض من الأسود.

كل ثورة لابد أن يكون لها صفَ أول، هذا الصف هو المنوط به لقيادتها، وتحمُل عبء توصيل أهدافها إلى النظام المرفوض، والمشاركة فى تحقيق تلك الأهداف حتى نهاية المطاف.

على مدار التاريخ المصرى الحديث، قامت عدة ثورات بعضها باء بالفشل الذريع، مثل ثورة عرابى فى فبراير 1881 التى انتهى بها الحال إلى التشويه حد أنهم أطلقوا عليها "هوجة عرابى"، وبعضها حقق نجاحًا عظيمًا مثل ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول وعلى شعراوى وعبد العزيز فهمى ثم انضم إليهم كبار رجال السياسة فى مصر مثل مصطفى النحاس، كانوا رجالاً يتحدثون إلى العالم باللغة التى يفهمها، الحوار والحجة والدليل والأسباب، وقد حصلت على كل مطالبها فى غضون تسع سنوات، لم نرَ أحدًا ممن كانوا يحملون الثورة على أعناقهم قتلوا أحدًا أو أشعلوا النيران فى أبنية الدولة بالوكالة كما حدث فى ثورة يناير، وأقرب الثورات إلى أذهاننا هى ثورة 23 يوليو 1952، إذ كان لها صف أول أيضًا وهم الضباط الأحرار فى ذلك الوقت، قاموا برسم خطة للثورة، ومراحل تنفيذ، وتطويق وشجاعة وسرعة فى التنفيذ ضمن لهم أن يرتفعوا على قمة المشهد السياسى فى مصر.

هل تم التخطيط لثورة يناير؟ والسؤال هنا المقصود به المصريون الذى خرجوا عائلات وعائلات لتطالب بالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية، وليس هؤلاء الذين ذهبوا فى دورات تدريبية لتعلُم كيف تكون ناشطًا سياسيًا بأجرٍ كامل.

نعود للسؤال عن وجود تخطيطٍ للثورة، تخطيطٌ يضمن لها الحماية فور مولدها، يضمن لها صحة المسار، تخطيطٌ يكون هو الضوء الذى ينير لها الدرب حتى لا تتخطفها الخفافيش وتهاجمها الذئاب، للأسف لم يكن لها أى شيءٍ من هذا.

نحن –بالصلاة على النبى- جمعنا كل أخطاء الثورات، الثورة الفرنسية، والبلشفية، والجزائرية، والرومانية، وضربناها جميعها فى الخلاط، ونشربها منذ أربع سنوات على مهل وبكل تلذذ ونحن لا ندرك أى سُمٍّ نشرب.
ألف باء حرية، لا شيء يأتى بالعنف، لا شيء يأتى بالقتل والتخريب، لا بد أن يكون هناك عقلاء يتخذون سبيل الحوار المثمر، يقومون بتوصيل أوجاع هذا الشعب الذى قال له الصبر: بعنى صبرك العتيد كى أحتفظ بوقارى.

وحين أتحدث عن الصف الأول للثورة، بالتأكيد لا أعنى هنا "النخبة" ولا "جبهة الإنقاذ"، إذ كنت أتابع أحد المؤتمرات السياسية التى عقدتها النخبة بمقر حزب الوفد، وكانت تُعرض على الشاشة، كانوا مجموعة من رجال مصر الذين كنا ننظر إليهم بكل إكبار، واقفون يتلو كبيرهم بيانًا ساخنًا والبقية فى انتظار لحظة التوقيع عليه، كان المشهد فكاهيًا بالنسبة لي، إذ كانت تظهر خلفهم لوحة كبيرة جدًّا لسعد باشا زغلول، فمِلتُ على كَتفِ ابنة عمى وقُلت لها: "مفيش فايدة"، عليهم أن يوقعوا البيان بـ"مفيش فايدة" هكذا يقول الفأل خلفهم.

حقيقةً تعبير "النخبة" يذكرنى بأغنية سيد درويش "يا صهبجية، عايزين شوية" إذ ثبت فيما بعد أن النخبة لا تفعل ما تفعل من أجل إنقاذ مصر، بل من أجل "عايزين شوية"، لا مانع من "شوية" من عرش مصر فى شكل مجلس رئاسى، أو "شوية" من برلمان مصر وكذلك "شوية" من حكومة أو رئاسة حكومة إلخ.

الثورة الآن مثل "الطبخة" التى فسدت، والطهاة الذين ينادون "الثورة مستمرة" و"مكملين" لا يدركون حقيقة، ما معنى ثورة مستمرة ولا إلى أين "مكملين"، ثورة تعنى تغيير إلى الأفضل، فأى أفضل هذا الذى يبحثون عنه بالعبث بمقدرات شعب وبإحراق المنشآت وتفخيخ الأماكن الحيوية؟
العنف يُقابل بالعنف، هذه قاعدة ثابتة، ومنذ أنتهت السلمية، انتهت الثورة فى نظرى، كنا سلميين حين خرجنا ضد النظام السابق، لا نحمل غير زجاجات المياه البلاستيكية، ومعطف إضافى ليقينا من البرد والظلم والقهر، وزجاجة خل أقل مرارة من المرِّ الذى شربناه طوال عقود طويلة، زجاجة خل وعلبة بيبسى لزوم مناهضة قنابل الغاز التى كانت تُمطرنا بها بيادق الأمن المركزى.

استخدمنا سلاح السلمية بقوة حتى أجبرنا مبارك على الرحيل، وكان يمكننا أن نحقق كل أهداف الثورة بذات السلاح، لكن ما أن هبطت علينا خفافيش الظلام ونزعوا منا ذاك السلاح وأحشوه حشوًا بالنار والبارود، تراجعنا وتركنا لهم الساحة، لينجحوا هم ويعتلوا عرش مصر، ونتحول نحن إلى رعية مستأنسة لهم لبعض الوقت بينما هم منهمكون فى "التمكين والمولوتوف".!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة