عمرو خالد

العبادة والعمل.. من هنا نبدأ!

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نرتكب خطأ فادحًا عندما نفصل بين العبادة والحياة، ولا نفعّل العبادة فى حياتنا، ونقصرها على الجانب الروحى، ونحصرها داخل زاويا المسجد، نتيجة لقصور فى الفهم، وقلة فى الوعى بالمفهوم الحقيقى لمعنى العبادة، وهو ما ساهم فيه بعض المتدينين، الذين يرفضون فصل الدين عن الحياة، بينما هم أول من يفعلون ذلك، حين يجردون العبادة من التحفيز على العمل والإنتاج إلى أن تكون سببًا للكسل والتقاعس عن الهدف الإنسانى الأعظم : إعمار الأرض .

وساهم فى ذلك ، أننا لم نرَ يومًا مؤسسة دينية فى العالم الإسلامى تُكرِّم المخترعين والناجحين فى عملهم ، كأنها بذلك تؤكد المفهوم المغلوط لدى البعض ممن يضعون الاختراعات العلمية فى خانة العمل ويضعونها فى جانب البدع.. فزاد الفصل، مع غياب الممارسات العملية التى ترسخ حقيقة أن العبادة دافع للنجاح، وساعد الفهم المحدود لآية : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" على ذلك .

فلابد من أفكار جديدة تنتشـر بين الشباب تجعل العبادة مفتاحًا للعمل والنجاح.. وسأعرض فى هذا الإطار أربع أفكار، اعتبرها نواة يمكن أن نؤسس عليها أفكارًا أخرى.
الأولى : أقم الصلاة ، وأقم معها الحياة !
لم يقل لنا الله صلوا أبدًا، لكن قال لنا: "أقيموا الصلاة"، وكلمة الصلاة لا تأتى وحدها إلا ومعها كلمه أخرى هى الإقامة ، ولا صلاة بلا إقامة ، فالعلاقة متلاحمة بين الاثنين !، لكن العجيب أن كلمة إقامة الصلاة لم تأتِ فى القرآن إلا بعدها إقامة الحياة ..
هدف إقامة الصلاة أن تقيم الحياة .. أقم الصلاة وأقم معها مدرسة .. أقم الصلاة وأقم مستشفى.. أقم الصلاة وأقم مصنعًا يفيد الناس ، أقيموا الصلاة وأقيموا بلدكم.. هذا هو مفهوم القرآن عن الصلاة .
أعرف قصة لشريكين اختلفا خلال اجتماع فى العمل على مال حرام، فقام أحدهما وسط الاجتماع وقال لشريكه : أنا أصلى لإقامة هذه الشـركة للخير وللناس.. أصلى وأنا أنوى إقامة الخير من خلال هذه الشـركة.. لا تفسد على صلاتى... هذا هو معنى: "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر".
عمر كان يقول: "إنى أجهز جيوش المسلمين وأنا أصلى"، ليس سهوًا فى الصلاة، لكنه يقصد أنه ينوى نوايا كبيرة لله وهو يصلى.
الفكرة الثانية: أن نوسع مفهومنا لقوله تعالى "وعملوا الصالحات"، على أنه يشمل العمل والإنتاج، وكلمة "آمنوا" عندما ترد فى القرآن فأنها لاتأتى بمفردها أبدًا، دائما ما يتبعها فعل.. آمنوا وهاجروا.. آمنوا واتقوا.. آمنوا وأنفقوا، وقد وردت "آمنوا وعملوا الصالحات" كثيرة جدًا فى القرآن، وما ذلك إلا تأكيد على مفهوم ارتباط العبادة بالعمل.

الفكرة الثالثة: العبادة لا تعطل العمل.. عن جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنه ـ أن معاذ بن جبل ـ رضى الله عنه ـ كان يصلى مع النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم يأتى قومه فيصلى بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، وكان يصلى خلفه رجل هو عبد الله بن حِرام فتجوّز عبد الله بن حرام فى صلاته (أى لم يكمل الصلاة مع معاذ وإنما خرج منها وأكمل الصلاة وحده)، فصلى صلاة خفيفة فبلغ ذلك معاذًا فقال : إنه منافق ، فبلغ ذلك الرجل فأتى النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله، إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقى بنواضحنا، وإن معاذًا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوّزت فزعم أنى منافق، فقال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أفتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ ؟، قالها ثلاثًا ، اقرأ : "والشمس وضحاها"، و"سبّح اسم ربك الأعلى"، ونحوها» متفق عليه .
الفكرة الرابعة : إعادة فهم آية "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، والفهم الصحيح كما أراه: العبادة مشروع للحياة .. لماذا؟.. هذه الآية رقم ستة وخمسين من سورة الذاريات ؟! أى إنها فى ختام السورة تقريبًا ، ولا يمكن أن نفهم الآية بمعزلٍ عن السياق الكلى للسورة ، التى نجد أنها من بدايتها لنهايتها تتحدث عن العمل والتفاعل مع الكون من أجل الرزق الواسع.

إنها ليست سورة الروحانيات ولا الشعائر التعبدية فقط كما نظن، ولكنها سورة تدعو للعمل والحركة فى الكون ، ومع ذلك ختمت أيضًا بذكر العبادة ليستقر فى ذهن المسلم أن كلمة العبادة لا يقصد بها الشعائر التعبدية وحدها ، بل العمل عبادة، والإنتاج عبادة، وتعمير والسير فى الأرض عبادة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة