محمد فودة

محمد فودة يكتب.. «تضييق الخناق» على عشاق الشو الإعلامى فى انتخابات البرلمان

السبت، 31 يناير 2015 07:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى جميع الانتخابات السابقة سواء كانت انتخابات برلمانية أو رئاسية كنا نرى العجب العجاب بمجرد الإعلان عن موعد فتح باب الترشح.. فقد كنا نرى أشخاصا مغمورين يناطحون الكبار ويضعون أسماءهم جبنا إلى جنب مع رموز العمل السياسى ويحاولون تقليد أصحاب القامات العالية فى العمل البرلمانى لا لشىء إلا من أجل كسب المزيد من الشهرة وتحقيق «شو إعلامى»، وهى فى حقيقة الأمر «شهرة زائفة» سرعان ما تزول بمجرد انتهاء العملية الانتخابية لأن تلك النوعية من عشاق الشهرة لا يكون لهم أى وجود حقيقى فى الشارع، بل بعضهم فى كثير من الأحيان لا يحصل على أصوات أسرته.
وفى تقديرى فإن هذه الظاهرة لم تأت من فراغ، وإنما كانت ترجع إلى سبب مهم جدا، وهو أنه لم تكن هناك ضوابط صارمة تحكم عملية التقدم لسحب استمارة الترشح، فضلا عن ذلك فإن ضعف قيمة الرسوم التى كانت مقررة، والتى لا تزيد عن ألف جنيه، وهو مبلغ ضئيل جدا، وفى إمكان أى شخص سداده ليأخذ فى مقابله كما هائلا من الشهرة والظهور فى وسائل الإعلام بشكل مكثف يفوق بكثير هذا المبلغ الزهيد.
لذا فقد أحسنت اللجنة العليا للانتخابات صنعا حينما رفعت قيمة رسوم الترشح لتضع حدا لهذه المهزلة، وإن كنت أرى أنه يجب أيضا مضاعفة هذه الرسوم مرة أخرى لأن ذلك سيكون وسيلة فعالة لغربلة الوضع، والتخلص من الشخصيات «الوهمية» التى تتباهى بخوض الانتخابات على الرغم من أنهم يعلمون جيدا أن أبناء الدائرة ربما لا يعرفونهم، ولا يكون لديهم أية معرفة أو دراية بما يعانى منه أهل الدائرة من مشكلات فى شتى المجالات.. بل إن بعض هؤلاء الذين يتخذون من استمارة الترشح للانتخابات وسيلة لكسب امتيازات شخصية من خلال ظهورهم داخل دائرة الضوء بأشكال مستفزة، وتصيب الناس فى كثير من الأحيان بحالة من «القرف» لأن الشىء حينما يزيد عن الحد فإنه ينقلب إلى «الضد».
من أجل هذا أقول وأكرر إن اللجنة العليا للانتخابات قد أحسنت صنعا بهذا الإجراء الذى يتمثل فى رفع قيمة الرسوم المقررة لسحب استمارة الترشح، والتى أراها فى مقدمة العقوبات الرادعة لمن من لا وجود له فى الشارع، والذى يتلاعب بهذا الحق الدستورى، والذى يجعله يتقدم للترشح فى الانتخابات البرلمانية من أجل أن يحظى بهذا الشو الإعلامى أو ذاك.. وهنا أشيد أيضا بما قررته اللجنة فى مسألة إجراء الكشف الطبى على المتقدمين للترشح فقت ثبت بالدليل القاطع من قبل دخول أشخاص تحت قبة البرلمان ما كان يجب أن يدنسوا بأقدامهم هذا الصرح المقدس فالبرلمان فى أى مكان فى العالم له مكانته التى تصل إلى حد التقديس فهو بيت الشعب الذى يجب ألا يدخله إلا من كان مخلصا لهذا الشعب وأمينا على الحقوق التى يمنحها الدستور لكل مواطن.. كما أن الرسوم المقررة على الكشف الطبى، وهى مبالغ لم تكن مقررة من قبل فهى تمثل مرحلة أخرى من مراحل «غربلة» وتنقية ثوب الانتخابات الأبيض من أية بقع سوداء قد تلوثه وتصيبه بالدنس.
ويشهد الله أنه لم يكن حرصى فى يوم من الأيام على ضرورة غربلة من يتقدمون لسحب استمارة الترشح نابعا من موقف خاص أو كرها فى أشخاص بعينهم ولكننى فى هذه المسألة أحرص كل الحرص على المصلحة العليا للوطن، فكلنا نعلم أن البرلمان المقبل يأتى فى توقيت حرج وفى مرحلة فارقة فى عمر مصر تجعله، بل تؤكد أيضا وبما لا يدع مجالا للشك أنه سيكون البرلمان الأهم والأخطر فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر.
نعم البرلمان المقبل تقع على عاتقه مهام جسام تتطلبها المرحلة الحالية التى تشهد تحولا كبيرا فى شتى مجالات الحياة على أرض مصر، لذا ستختلف الدورة المقبلة من مجلس النوات عن كل الدورات السابقة كما سيختلف دور نواب البرلمان كثيرا عن ذى قبل وسيكون طبيعة عمل النائب الأساسية هى التشريع وسن القوانين ومناقشة قضايا عديدة ومتشابكة.. وهو دور يختلف تماما عن دور «نائب الخدمات» الذى كان سائدا من قبل حينما كان السواد الأعظم من الناخبين يميلون لاختيار النائب الذى يستطيع تحقيق خدماته الشخصية من طلبات للتوظيف أو الحصول على خدمة صحية «طلبات العلاج على نفقة الدولة» أو إنهاء مشاكل الحياة اليومية أو الحصول على خدمة ما يعجز الكثيرون فى الحصول عليها إلا «بواسطة» بشكل مختصر فقد كان المواطن يحرص على أن يختار «نائب الخدمات» الذى يستطيع أن يلبى له كل ما يحتاجه ويحقق له مصالحه الشخصية.. ولكن الأمر فى البرلمان المرتقب يختلف تماما، حيث سيتم التركيز على دور البرلمان التشريعى وإعطاء الفرصة كاملة لنائب الدائرة الذى سيكون بمجرد انتخابه نائبا عن الأمة بالكامل، حيث سيقوم بالتركيز على أعداد التشريعات والقوانين التى تنظم الحقوق والواجبات وتضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والحصول على كل الخدمات من تعليم ورعاية صحية ومسكن ملائم ووظيفة مناسبة، بالإضافة إلى دور النائب فى مراقبة أداء الحكومة وليس الإشادة بالوزراء، لذا فإنه من الضرورى أن يكون النائب فى الدورة المقبلة على دراية تامة باحتياجات مصر الضرورية، ومنها على سبيل المثال هذا الكم الهائل من التشريعات التى فى حاجة إلى تنقية لتتواءم مع المعطيات التى تفرضها المرحلة.. كما أن هناك كم من التشريعات تنتظر البرلمان لإقرارها بشكل نهائى يتماشى مع الدستور ومع ما تتطلبه الحياة التى تغيرت بشكل لافت للنظر فى مجالات عديدة على أرض مصر خلال السنوات الماضية.
من هذا المنطلق فإننى أناشد أصحاب الضمائر أن يحكموا ضمائرهم قبل التوجه لسحب استمارة الترشح، وأن يبتعدوا عن مصالحهم الشخصية جانبا ويضعوا مصلحة مصر فى الصدارة وقبل أى شىء آخر.. نحن فى حاجة إلى برلمانى يعرف جيدا أن دوره سيكون تكليفا من الشعب وليس تشريفا، وأنه مطلوب منه البحث والتدقيق فى الكثير من الملفات الساخنة والمفتوحة، والتى فى حاجة إلى وضع آليات محددة لها للتخلص من آفات كثيرة كانت وما تزال تهدد وتعرقل عملية البناء والتنمية منها على سبيل المثال قضايا التعليم والصحة والبنية التحتية، وكلها أشياء مترابطة ومتشابكة وتتطلب وجود أشخاص يتمتعون بقدرات فى البحث والدراسة واستشراف المستقبل ومناقشة التشريعات عن علم ودراية وليس لمجرد التصفيق والموافقة دون أن يكون لديهم أية فكرة عما يصفقون له من تشريعات قد تسهم بشكل كبير فى تغيير وجه الحياة بالكامل على أرض مصر خلال السنوات القليلة المقبلة.
وهناك مسألة مهمة أود الإشارة إليها وهى أنه وإن كنت قد قلت من قبل إن رفع قيمة الرسوم المطلوبة لسحب استمارة الترشح سيكون له دور كبير فى وقف نزيف المهاترات التى كنا نراها من قبل فى كل الانتخابات، إلا أننى ما زلت على يقين بأن هذا الأمر يتطلب إلى جانب ذلك عنصرا مهما، يتمثل فى ضرورة وجود صحوة ضمير قبل أن تكون من خلال القيام بإصدار قرارات تتعلق بتشديد العقوبات ورفع قيمة المقابل المالى، لأنه لو لم يكن هذا الأمر نابعا من القلوب ستظل مسألة التفاخر، وكسب الشهرة مطمعا لدى الكثيرين من أصحاب النفوس الضعيف، فلو لم يكن الأمر نابعا من الشخص نفسه بأن يفكر كثيرا قبل الإقدام على تجربة يعلم تماما أنه لن يفوز فيها لأنه لا وجود له بين الناس وأنه يفتقر لأبسط المعايير التى تؤهله للفوز بمقعد البرلمان، وهو حب الناس واحترامهم له ولشخصه، قبل أن يكون هذا الحب والالتفاف حوله من أجل الحصول على مكتسبات شخصية.
ويجب على كل شخص يسعى لسحب استمارة الترشح أن يضع فى ذهنه حقيقة مؤكدة، وهى أن المجلس بنوابه وجد ليتولى سن القوانين التى تحكم علاقات الأفراد بعضهم ببعض أو علاقة الأفراد بالدولة، وهذا فى حد ذاته دور خطير، فالقانون يصدر ليطبق ويؤثر فى مجرى حياة المواطن سلبيا أو إيجابيا، وفق المصلحة التى يستهدف حمايتها.. وهو ما يحدد مهمة البرلمان فى أن يقوم بمراقبة أعمال الحكومة، ويحاسبها من خلال عدة وسائل وأدوات دستورية وضعت فى يد عضو البرلمان فله أن يستجوب الحكومة ويقدم طلبات الإحاطة للوزراء والأسئلة، كما أن له أن يقدم بيانات عاجلة تتعلق بتقصير حكومى فى قطاع ما إلى حقه الأصيل فى اقتراح القوانين، والمناقشة والتصويت على القوانين المحالة من الحكومة، وتلك أهم مرحلة فى إصدار القانون.
الأمر الذى يستوجب على كل ناخب عند اختياره لممثله بالبرلمان ألا يختار ممثلا لدائرته فقط إنما عن الأمة المصرية بأكملها، حيث إن هذا النائب سيكون دوره التفرغ تماما للقيام بالمهام الثلاثة الدستورية، وهى «التشريع» و«مراقبة الحكومة» و«إقرار الموازنة العامة للدولة».








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة