فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: الخطاب الدينى.. دروس وعبر من ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم "2".. سيرة الحبيب العطرة تحوى الكثير من العبر.. المسلمون اليوم متعطشون للقيم النبيلة

السبت، 03 يناير 2015 08:18 ص
فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: الخطاب الدينى.. دروس وعبر من ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم "2".. سيرة الحبيب العطرة تحوى الكثير من العبر.. المسلمون اليوم متعطشون للقيم النبيلة فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام
نقلاً عن العدد اليومى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما زلنا فى حضرة النبى صلى الله عليه وسلم فى ذكرى ميلاده، ففى هذه الأيام التى نتنسم عطرها الذى يضفى على النفس راحة وسكينة وأمنًا وسلامًا، بميلاد رحمة الله للعالمين، ينبغى أن نترجم احتفالنا بها بالتأسى بأخلاق النبى صلى الله عليه وسلم وأفعاله، فقد كان صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشى على الأرض، وكان أحسن الناس خلقًا، فحياته صلى الله عليه وسلم كانت منهجًا وأسوة لكل المسلمين من لدنه صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

والخطاب الدينى لا يزال يقرأ ويستنطق النصوص والمواقف من سيرته - فى هذه الذكرى العطرة - ويستخلص الدروس والعبر التى تروى ظمأ المسلمين وتعطشهم إلى القيم النبيلة والأخلاق الحسنة التى كان يتصف بها النبى صلى الله عليه وسلم، والتى ما إن تمثلوها وطبقوها فى حياتهم ومعاشهم وتعاملاتهم لاستقامت لهم الدنيا وانصلح حالهم وتقدمت بهم أوطانهم.

ومن بين تلك الصفات التى اتصف بها خير البرية صلى الله عليه وسلم الصدق والأمانة، وهاتان صفتان عظيمتان تفتقد الأمة إليهما اليوم فى محنتها، خاصة مع كثرة الخبث، وانتشار اللغو والكذب والشائعات، والتضليل وفساد الذمم، لذلك لن يكون المخرج لهذه الأمة إلا إذا اتصفت بما اتصف به نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ولقد شهد الله تعالى لنبيه بالصدق فقال تعالى: {وَالَّذِى جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}، فالذى جاء بالصدق هو محمد صلى الله عليه وسلم والذى شهد له بالصدق الله تعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم حث عليه فقال: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»، فإذا ما كان الصدق منهجًا لقوم هُدوا إلى البر، والبر كلمة جامعة لكل وجوه الخير، ومختلف الأعمال الصالحة، وهذا البر يقودهم إلى الجنة فى الآخرة كما أنه يهديهم إلى جنة الدنيا، بالاستقرار والنعيم والأمن والأمان.
أما الأمانة فقد كانت صفة للنبى صلى الله عليه وسلم قبل بعثته فكان قومه يلقبونه بـ«الأمين»، كما أنها كانت صفة للأنبياء من قبله، فقد وصف بها الأنبياء نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام فى خمسة مواضع فى كتاب الله تعالى: {إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}، فبقدر رسوخ معناها فى النفس تكون قيمتها ومنزلة صاحبها عند الناس، وهذا يبين أن الأمانة شقان، شق متعلق بالله تعالى، أو بالأحرى بحقوقه تعالى على العباد والمتمثل فى أمانة العبد فى العبادات، وأمانته فيما افترضه الله عليه، والشق الثانى متعلق بالأمانة فى حقوق البشر، والمتمثل فى أمانة الكلمة وعفة اللسان، والأمانة على الأرواح والأموال والأعراض وغيرها، فما ينبغى أن يكون المسلم سببًا فى أذى أخيه المسلم بأن يناله باللسان كالقذف والغيبة والنميمة، أو أن يكون سببًا فى سفك دمه، أو جرحه أو ضره أو أى أذى يلحق به، أو أن يشهد عليه بالزور، أو أى أمر نهى الإسلام عنه، فإذا ما توافرت الأمانة فى أمة نهضت وتقدمت وأصبح أهلها فى أمن الذى هو مشتق من الأمانة.

والصدق هو قول الحق الذى يوافق فيه اللسان القلب، فهو ضرورى فى المجتمعات، وهو فضيلة من فضائل السلوك البشرى، ولما كان الكذب آفة عظيمة تهدم المجتمعات والأمم، وشدد الإسلام على التخلى عنه وعدم الوقوع فى براثنه، حتى سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن كاذبًا؟ قال: لا. ولابد أن يكون الصدق سلوكًا بشريًّا ومنهجًا إسلاميًّا، يشمل الصدق مع الله بإخلاص العبادة له سبحانه وتعالى، ومع النّفس بإقامتها على شرع الله، ومع النّاس فى الكلام والوعود والمعاملات من البيع والشراء والنكاح، فلا تدليس ولا غش ولا تزوير ولا إخفاء للمعلومات التى تضر بالناس فى بيوعهم، وهكذا، حتى يكون ظاهر الإنسان كباطنه وسره كعلانيته، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}؛ أى اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجًا من أموركم ومخرجًا.
ولقد شهد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقه وأمانته، حتى إن أبا جهل قال عنه: والله إنى لأعلم أنه لصادق! ولم يختلف أحد على أمانته فقد أجَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم علىَّ بن أبى طالب رضى الله عنه فى ليلة الهجرة ثَلاثَة أَيَّامٍ لِيُؤدِّىَ الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِها ففَعَلَ ثُمَّ لَحِقَ بِالنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، هكذا كانت حياته حياة يملؤها الصدق فى كل شيء، وهذا ما دعا أحد المستشرقين إلى أن يقول: «هل رأيتم قط أن رجلاً كاذبًا يستطيع أن يوجد دِينًا عجبًا؟ إنه لا يقدر أن يبنى بيتًا من الطوب ! فهو إذًا لم يكن عليمًا بخصائص الجير والجصِّ والتراب وما شاكل ذلك، فما ذلك الذى يبنيه ببيت ؛ وإنما هو تلٌّ من الأنقاض وكثيب من أخلاط الموادِّ، وليس جديرًا أن يبقى على دعائمه اثنى عشر قرنًا يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم يكن، وإنى لأعلم أن على المرء أن يسير فى جميع أموره طبق قوانين الطبيعة وإلا أبت أن تجيب طلبته. كذبٌ ما يذيعه أولئك الكفار، وإن زخرفوه حتى تخيَّلُوه حقًّا... ومحنةٌ أن ينخدع الناسُ شعوبًا وأممًا بهذه الأضاليل...».

هكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم وهكذا كانت شهادة غيرنا عليه، وهكذا كان خلقه الذى يجمع بين الصدق والأمانة، وحرى بنا أن نتأسى بهذه الأخلاق، فمجتمع يقوم على الصدق والأمانة مجتمع قويةٌ دعائمه راسخة أركانه لا تلعب به رياح الأعداء أو عبث المتشددين.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة