سعد الدين الهلالى

الطلاق الشفوى (7)

الثلاثاء، 27 يناير 2015 11:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا طلاق بغير مراعاة لأصوله الثلاثة، وهى تواجد أسبابه، وتحقق شرائطه، وانتفاء موانعه. وهذه الأصول وإن كانت محل اتفاق فى الجملة إلا أن الفقهاء اختلفوا فى كثير من الوقائع هل تحتسب من تلك الأصول أو لا تحتسب، مما نتج عنه اختلاف فقهى قديم فى حكم وقوع الطلاق فى مسائل عديدة اخترنا منها إحدى عشرة مسألة تفتح على الفقهاء المعاصرين باب التخريج عليها فى الحكم بعدم احتساب الطلاق الشفوى للمتزوجين بوثيقة رسمية.. وقد تكلمنا عن المسألة الأولى وهى وقوع الطلاق بغير صيغة التنجيز، ونتابع فيما يلى ما تيسر من تلك المسائل.
المسألة الثانية: الطلاق بغير نيته
(1)إذا وقع الطلاق باللفظ الصريح الذى يستعمل فى إيقاعه غالبًا، كقول الزوج لزوجته "أنت طالق" فقد ذهب جمهور الفقهاء فى المذاهب الأربعة المشهورة إلى القول بالحكم بوقوع الطلاق بهذا اللفظ الصريح دون حاجة إلى استحضار الزوج لنية الطلاق إذا تحققت سائر شروط صحة الطلاق، لأن صراحة اللفظ فى الطلاق تقوم مقام النية عندهم.

وذهب الظاهرية والإمامية إلى القول بأن الطلاق باللفظ الصريح لا يصح إلا باستحضار نية الطلاق، ولا تعرف هذه النية إلا من قبل الزوج. والأصل هو اعتبار اللفظ الصريح فى الطلاق إلا إذا نازع الزوج ونفى إرادته له، كأن قال سبق لسانى به، أو كنت أهدد به، فإنه لا يحكم بوقوع الطلاق، لعدم تحقق النية، التى هى شرط صحة الأعمال، كما أخرج الشيخان عن عمر بن الخطاب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات". وقياسًا على الساهى والنائم والغالط، فقد أخرج ابن ماجه والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وروى ابن حزم فى "المحلى" بسنده عن خيثمة بن عبد الرحمن أن امرأة قالت لزوجها: سمنى، فسماها الظبية. قالت: ما قلت شيئًا؟ قال: فهات ما أسميك به. قالت: سمنى خلية طالق. قال: فأنت خلية طالق. فأتت عمر بن الخطاب فقالت: إن زوجى طلقنى، فجاء زوجها فقص عليه القصة، فأوجع عمر رأسها، وقال لزوجها: خذ بيدها وأوجع رأسها.
(2)أما إذا وقع الطلاق بغير ألفاظه الثلاثة الواردة فى كتاب الله وهى: "الطلاق والفراق والسراح" كأن وقع بلفظ "الحقى بأهلك" أو بلفظ "حبلك على غاربك" أو بلفظ "أنت مبرأة" فإن الظاهرية والإمامية يرونه لغوًا، حتى ولو كان ناويًا للطلاق، لأنه وقع على وجه ليس فى كتاب الله، وقد أخرج الشيخان عن عائشة فى قصة بريرة، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من شرط شرطًا ليس فى كتاب الله فهو باطل". أما جمهور الفقهاء فى المذاهب الأربعة المشهورة فيرون أن هذه الألفاظ التى لا تدل على الطلاق صراحة إن كانت لا تحتمل معنى الطلاق فى استعمال الناس فهى لغو، وإن كانت تحتمل إرادة الطلاق فإنها توصف بالطلاق الكنائى ولا يحكم بوقوع الطلاق بها إلا إذا صرح الزوج بأنه كان ينوى بها الطلاق. ثم اختلف هؤلاء الجمهور فى مدى إلحاق تلك الألفاظ الكنائية بألفاظ الطلاق الصريحة إذا كانت قرائن الحال تفيد إرادة الطلاق. وبتعبير آخر نقول إن جمهور الفقهاء قد اختلفوا فى الحكم بوقوع الطلاق بالألفاظ الكنائية دون الحاجة لسؤال الزوج عن استحضار نية الطلاق عند التلفظ بها إذا كانت قرائن الحال تدل على إرادته الطلاق، كما لو قال لزوجته فى مناسبة نقاش يحدد مصير علاقته بها "الحقى بأهلك"، فهل تغنى قرائن الحال عن النية فى ألفاظ الطلاق الكنائية؟ قولان لجمهور الفقهاء.
القول الأول: يرى أن قرائن الحال كالنية للحكم بها على وقوع الطلاق بألفاظه الكنائية.. وهو مذهب الحنفية والحنابلة فى المعتمد، لأن قرائن الحال تلحق الطلاق الكنائى بالطلاق الصريح الذى لا يحتاج إلى نية عند الجمهور.. ولأن اشتراط النية فى الطلاق الكنائى كان لغموضه، الذى لا يعرف إلا بها، فإذا دلت قرائن الحال على إرادة الطلاق لم نعد فى حاجة إلى سؤال الزوج عن نيته.
القول الثانى: يرى أن قرائن الحال لا تغنى عن نية الزوج للحكم بوقوع الطلاق إذا وقع باللفظ الكنائى.. وهو مذهب المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة، لأن اللفظ الكنائى لم يوضع للطلاق وإن كان يحتمله، ولا سبيل إلى الوصول إلى إرادة الطلاق به إلا من جهة الزوج بنيته، التى يصرح بها، فإن احتسبنا قرائن الحال كالنية فقد ألزمنا الزوج بشىء قد يكون منصرف الذهن عنه.
المسألة الثالثة: الطلاق بالتوكيل أو بالتفويض:
(1) التوكيل هو الاعتماد على الغير، ويكون بالوكالة أو بالتفويض فى الجملة. أما الوكالة فتعنى فى اللغة التفويض إلى الغير ورد الأمر إليه. أما الوكالة فى اصطلاح الفقهاء فهى كما ورد فى "التعاريف" للمناوى (ت1031هـ): "استنابة جائز التصرف مثله فيماله عليه تسلط أو ولاية ليتصرف فيه"، مثل أن يقول الرجل لآخر: "وكلتك فى طلاق زوجتى فلانة". والتفويض عند الفقهاء هو "رد الأمر إلى الغير لينظر فيه"، مثل أن يقول الزوج لآخر: "أعطيك الإذن فى طلاق زوجتى فلانة"، أو يقول لزوجته: "أفوضك فى طلاق نفسك، أو معك الإذن فى طلاق نفسك". وقد اختلف الفقهاء فى تحديد الفرق بين التوكيل وبين التفويض فى الطلاق على مذهبين. المذهب الأول: يرى أن الفرق بين التوكيل وبين التفويض فى الطلاق هو أنه يحق للموكل أن يلغى الوكالة قبل تصرف الوكيل بخلاف التفويض، لأنه كاليمين فيصير المفوض تحت سلطان الحائز على التفويض مدى حياته.
وهذا مذهب الحنفية والمالكية وبعض الشافعية وقول للإمامية.
المذهب الثانى: يرى أن الفرق بين التوكيل وبين التفويض فى الطلاق هو أن التفويض له أثر فورى فإن فات مجلس التعاقد دون أن يستعمله صاحب التفويض لم يكن له حق فى إنفاذ الطلاق بعد، وأكثر ما يكون التفويض أن يكون للزوجة. أما التوكيل بالطلاق فله أثر ممتد إلى حين إلغاء الوكالة.
وهذا مذهب الشافعية فى الجديد وإليه ذهب الحنابلة وأحد القولين للإمامية.
*واختلف الفقهاء فى طبيعة الطلاق هل هو من الحقوق العينية الذاتية التى لا تصح إلا من أصحابها كالصلاة والصيام واليمين والظهار واللعان والشهادة فى الجملة، أم أنه من العقود الموضوعية المهنية التى يجوز فيها الإنابة بالتوكيل أو بالتفويض كالبيع والإجارة ونحوهما فى الجملة؟ مذهبان للفقهاء.
المذهب الأول: يرى أن الطلاق من العقود الموضوعية، التى يجوز فيها الإنابة بالتوكيل أو بالتفويض.. وهو مذهب جمهور الفقهاء فى المذاهب الأربعة المشهورة وأحد القولين عند الإمامية، وروى عن إبراهيم النخعى والحسن البصرى، قياسًا على سائر عقود المعاملات كالبيع والإجارة لرفع الحرج عن الناس كما قال سبحانه: "وما جعل عليكم فى الدين من حرج" (الحج:78).
المذهب الثانى: يرى أن الطلاق من العقود العينية الذاتية التى لا تصح إلا من أصحابها الأصليين كالزوج المكلف أو ولى أمره إذا كان مجنونًا، فلا يصح الطلاق بالتوكيل أو بالتفويض.. وهو مذهب الظاهرية والقول الثانى عند الإمامية، لعموم قوله تعالى: "ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى" (الأنعام:164). قالوا: فلا يجوز عمل أحد عن عمل أحد آخر، ولا يجزئ كلام أحد عن كلام غيره إلا حيث أجازه القرآن أو السنة الثابتة، ولم يأت فى طلاق أحد بتوكيله إياه قرآن ولا سنة، فهو باطل. بل إن كل مكان ذكر الله تعالى فيه الطلاق فإنه خاطب به الأزواج لا غيرهم فلا يجوز أن ينوب غيرهم عنهم وإلا كان تعديًا لحدود الله.. وقياسًا على أنه لا يجوز أن يظاهر أحد عن أحد، ولا أن يلاعن أحد عن أحد، ولا أن يحلف أحد عن أحد لا بوكالة ولا بغيرها.
المسألة الرابعة: طلاق الفضولى.. وللحديث بقية.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة