سعد الدين الهلالى

الطلاق الشفوى «6»

الإثنين، 19 يناير 2015 11:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قلنا إن الطلاق مثل سائر العقود والتصرفات لا يحتسب إلا إذا وقع بأصوله الثلاثة المعتبرة، وهى تواجد أسبابه وتحقق شروطه وانتفاء موانعه التى تعرف فى علم «أصول الفقه» بالحكم الوضعى أو الجعلى الذى هو «خطاب الله تعالى المتعلق بجعل الشىء سببًا فى شىء آخر، أو شرطًا له، أو مانعًا منه». وقد ترتب على ذلك اختلاف فقهى قديم فى حكم وقوع الطلاق من عدمه فى مسائل عديدة اخترنا منها إحدى عشرة مسألة تفتح على الفقهاء المعاصرين باب التخريج عليها للحكم على الطلاق الشفوى فى ظل توثيق عقد الزواج الذى يمنع المتزوجة رسميًا من الزواج بآخر إذا وقع طلاقها شفويًا قبل الدخول، كما يمنعها من البدء فى احتساب العدة إذا وقع هذا الطلاق الشفوى بعد الدخول إلا أن يتم توثيق الطلاق فتبدأ العدة من تاريخ التوثيق وليس من تاريخ اللفظ الشفوى. ونبدأ الحديث عن تلك المسائل تباعًا بإذن الله تعالى.
المسألة الأولى: الطلاق بغير صيغة التنجيز «المضاف والمعلق».

صيغة الطلاق الصحيحة هى سبب الحكم بإيقاعه والنطق بحل رباط الزوجية وترتب آثار هذا الحل من العدة وغيرها. والأصل فى الطلاق إذا أراده الزوج إرادة حقيقية أن يوقعه منجزًا ؛ لأن التنجيز هو الطريق المستقيم المختصر لإبرام العقود والوصول إلى الأشياء. والطلاق المنجز هو الذى يرتب سبب الفرقة فى الحال، ويعقبه أثره بدون تراخ. وصورته أن يصدر الزوج صيغة الطلاق مستوفية شروطها ومنتفية عن موانعها مثل أن يستخرج وثيقة رسمية معتمدة من الجهات المعنية تشهد بأنه أصدر تعبيره الصريح بطلاق زوجته «فلانة» وفق الشروط المعتبرة، ومثل أن يقول الزوج المتزوج عرفيًا لزوجته العرفية «أنت طالق» مع تحقق سائر شروط وقوع الطلاق وانتفاء موانعه.

وإذا وقعت صورة الطلاق بغير صفة التنجيز فإنها إما أن تكون مضافة وإما أن تكون معلقة، وللفقهاء فيهما تفصيل نوجزه فيما يلى.

«1»الطلاق المضاف
الطلاق المضاف هو الصادر بصيغة مقرونة بوقت فى المستقبل أو فى الماضى، كأن يقيد الطلاق بأول الشهر القادم، أو بآخر الشهر الماضى. هنا اختلف الفقهاء فى حكم هذه الإضافة الزمنية هل يعتد بها، أو تلغى من الحسبان ويحكم بوقوع الطلاق، أو تكون سببًا فى بطلان صيغة الطلاق؟ ثلاثة مذاهب فى الجملة، كما يلى.

المذهب الأول: يرى الاعتداد بقيود الطلاق الزمنية المستقبلية والماضية فى الجملة. وهو مذهب الحنفية والشافعية. وحجتهم عموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقود والشروط، ومنها قوله تعالى: «أوفوا بالعقود» «المائدة: 1»، وما أخرجه البخارى عن عقبة بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج».

واستثنى الحنفية والشافعية من صورة الطلاق المضاف إلى زمن ماضى إذا كان يقصد الزوج إيقاعه فى الحال وليس الاخبار عن طلاق سابق فإنه يقع فى الحال كالمنجز.

المذهب الثانى: يرى إلغاء قيود الطلاق الزمنية المستقبلية والماضية ليحكم بتنجيزه فى الحال فى الجملة. وهو مذهب المالكية والحنابلة. وحجتهم أن استقرار المعاملات فى عقود التمليكات تقتضى إلغاء ما يضاف إليها من شروط تهز صورتها المستقيمة بالتجيز، فقد أخرج الشيخان عن عائشة فى قصة بريرة، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من اشترط شرطًا ليس فى كتاب الله فهو باطل وإن اشترط مائة شرط شرط الله أحق وأوثق»، وفى رواية: «ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست فى كتاب الله. من اشترط شرطًا ليس فى كتاب الله فليس له وإن شرط مائة مرة. شرط الله أحق وأوثق». وأخرج الدارقطنى عن عمرو بن عوف المزنى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا».
واستثنى أصحاب هذا المذهب من صورة الطلاق المضاف إلى زمن ماض إذا كان الزوج يقصد الإخبار عن حقيقة طلاقه الصحيح فى الزمن الماضى وليس مجرد إضافة لزمن فى صيغة الطلاق فإنه يحتسب من زمنه الماضى دينًا.

المذهب الثالث: يرى أن إضافة الزمن للطلاق تبطله وتجعله لغوًا، سواء أكانت الإضافة لزمن فى المستقبل أم لزمن فى الماضى إلا إذا كانت الإضافة لزمن ماض خبرًا عن طلاق وقع صحيحًا فى الزمن الماضى. وهو مذهب الظاهرية. وحجتهم أن الله تعالى علمنا كيف يكون الطلاق فى قوله سبحانه: «إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن» «الطلاق: 1»، والطلاق المضاف إلى أجل لا يجعل العدة فور الطلاق كما أمر الله، وهذا ظلم وعدوان منهى عنه كما قال سبحانه: «ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه» «الطلاق: 1». قالوا: وأيضًا فإن كل طلاق لا يقع حين إيقاعه فمن المحال أن يقع بعد ذلك أو فى زمن لم يوقعه فيه.

وقد أخذ بعض الحنفية والحنابلة بهذا القول فى صورة إضافة الطلاق لزمن فى الماضى بغير قصد الإخبار، وإنما بقصد احتسابه بأثر رجعى لإيقاعه فى الماضى.

«2»الطلاق المعلق
الطلاق المعلق هو الصادر بصيغة مرهونة بحصول شىء آخر، وقد يكون التعليق لفظيًا كقول الزوج «إن فعلت كذا فأنت طالق»، وقد يكون التعليق معنويًا كقول الزوج «على الطلاق ما أفعل كذا». وقد اختلف الفقهاء فى الحكم بإيقاع الطلاق بإحدى صيغ التعليق إذا تحقق الأمر المعلق عليه مع سائر شروط صحة الطلاق، هل يكون الطلاق صحيحًا إذا وقع الأمرالمعلق عليه، أو يأخذ الطلاق المعلق حكم اليمين بالله بلزوم الكفارة عند الحنث، أو نعد صيغة التعليق بالطلاق لغوًا؟ ثلاثة مذاهب للفقهاء، كما يلى.

المذهب الأول: يرى صحة الحكم بوقوع الطلاق بصيغة التعليق إذا تحقق الأمر المعلق عليه، ولو بطريق النسيان أو الإكراه. وهو مذهب الجمهور ذهب إليه فقهاء المذاهب الأربعة فى الجملة. وحجتهم عموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقود والشروط. وقال الشافعية فى الأظهر: إذا وقع الأمر المعلق عليه سهوًا أو إكراهًا فلا طلاق؛ لما أخرجه الحاكم وابن ماجه والطبرانى بسند فيه مقال عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». وقال بعض الشافعية: إن صيغة «على الطلاق» ليست طلاقًا وإنما هى وعد به؛ لأن لفظ «على» اسم فعل أمر بمعنى يلزمنى.

المذهب الثانى: يرى تحويل صيغة الطلاق بالتعليق إلى إحدى صيغ الحلف بالله، فتجب كفارة الحنث فى اليمين إذا وقع المعلق عليه دون الطلاق. وهو قول ابن تيمية «ت 728 هـ» فى الجملة. وحجته أن اختيار صيغة التعليق يدل على أن الزوج لا يرغب فى الأصل إنشاء طلاق، وإنما يقصد حمل نفسه أو زوجته أو غيرهما على فعل شيء أو تركه، وكان الأصل أن يأتى باسم من أسماء الله فى حلفه، إلا أنه أتى بلفظ الطلاق للتخويف به، والعبرة فى التصرفات بالمعانى لا بالمبانى، فقد أخرج الشيخان عن عمر بن الخطاب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنية».

المذهب الثالث: يرى إلغاء صيغة الطلاق بالتعليق واعتبارها كأن لم تكن. وهو مذهب الظاهرية والإمامية. وحجتهم أن الاستقامة فى صيغ الطلاق إنما تكون بصيغة التنجيز، فكان الطلاق بصيغة التعليق انحرافًا وتعديًا لا يرقى إلى مرتبة الاعتبار؛ لقوله تعالى: «ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه» «الطلاق: 1».
المسألة الثانية: الطلاق بغير نيته. وللحديث بقية








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

.

دنس

هياكل الله لا يمسها النساء

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة