د. شوقى عبدالكريم علام يكتب: تراثنا الإسلامى فى خطابنا الدينى..إذا أردنا أن يكون لتراثنا دور فاعل فى الحياة ويمثل طاقة إبداعية فعلينا أن نعى القيمة الحقيقية له أولاً

السبت، 23 أغسطس 2014 08:21 ص
د. شوقى عبدالكريم علام يكتب: تراثنا الإسلامى فى خطابنا الدينى..إذا أردنا أن يكون لتراثنا دور فاعل فى الحياة ويمثل طاقة إبداعية فعلينا أن نعى القيمة الحقيقية له أولاً د.شوقى عبدالكريم علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فقدان الفهم الصحيح للنصوص التراثية ونصوص الشرع وكتب التراث الإسلامى، بالإضافة إلى الجمود فى الخطاب الدعوى عند البعض من الدعاة، ودخول الدعاة المغرضين وأصحاب الأهواء فى مجال الخطاب الدينى، كل هذا يؤدى لاختلاط الفكر بين أبناء الأمة، وانفكاك الدعاة عن مشكلات المجتمع، وظهور ما يسمى بالتيارات المتشددة وأصحاب الأهواء الذين ينتقدون الثوابت الدينية ويطعنون فيها وفى رموزها.

لذا فنحن إذا أردنا للتراث أن يكون له دور فاعل فى الحياة، ويمثل بدوره طاقة إبداعية خلاقة فى حاضرنا وفى غدنا؛ فلا بد أن نعى القيمة الحقيقية لهذا التراث أولاً، ثم الوقوف على التوصيف الدقيق للتيارات الفكرية والمذاهب والفرق والفلسفات التى يكون مجموعها صفحات من هذا التراث، وأن نعى علاقة كل ذلك بالأهداف التى نرجوها ونسعى لتحقيقها لأمتنا، كل هذا يبلور فى مجموعة من الأهداف والآليات يلتزم بها المتصدرون للخطاب الدينى حتى لا تعج الساحة بقليلى البضاعة من المعرفة أصحاب الأفق الضيق وشحيحى العلم النافع، للخروج بالأمة من دائرة الخلافات.

البعض ذهب فهمه للتراث إلى قضايا شائكة خرج منها بأفكار مشوشة ومهلهلة، قادته إلى التطرف والتشدد والغلو، وهذا الغلو بدوره يؤدى إلى الفهم الخاطئ الذى يكون من آثاره ما يشوش على الأمة فكرها المستقر الواعى الرشيد فى فهم الدين وربطه بالحياة، فالغلو الذى نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هو ذلك الغلو فى الدين، واليسر الذى حبذه الإسلام ودعا إليه هو ذلك اليسر فى الدين، لكن هذا لا يعنى أن هذا اللين يجعلنا نتهاون فى ثوابت الدين، وما تلقته الأمة بالقبول كابرا عن كابر.

ومن ثم فعلى الخطاب الدينى أن يوضح للناس مفهوم التراث، الذى لا يخرج عما ورثه خلف هذه الأمة عن سلفها، متمثلاً فى النتاج العلمى، أو الأمور التى تتعلق بالعلوم والثقافة والفكر والحضارة، ما يعنى أنه نتاج إنسانى خالص، كما أن عليه أيضًا توضيح الحد الفاصل بين التراث الإسلامى والإسلام كدين؛ لأن الخلط بين المصطلحين يؤدى بنا إلى إحداث عدة إشكالات، منها  التهوين من شأن ما هو فى محل النص والقطع، مما يجوز الخلاف حوله، وفى المقابل تعظيم الفهم البشرى المظنون، وتقديس الرأى الإنسانى غير المعصوم، مع العلم بأن نقد التراث والفكر الإسلامى واجب، ولكن على المتخصصين والعلماء الذين يعرفون كنهه ومكانته.

كما عليه أن يبين أن التراث الإسلامى تتنازعه طوائف مختلفة، منهم الفقهاء ومنهم المحدثون، ومنهم المتكلمون وأصحاب المذهب الصوفى السنى والفلسفى، وأن الميزان الذى نزن به التراث قوامه الكتاب والسنة النبوية المطهرة، وعليه، فلا بد من الانتباه إلى مجموعة من المبادئ يجب الالتزام بها عند نقد التراث الإسلامى وهى: التثبت من صحة السند، والاقتناع بأحقية نقده، ووجوب العدل والإنصاف فى النقد والتقويم والرد حول مسائل الاختلاف، وعدم الانتقال من النقد إلى الطعن والتجريح.

والخطاب الدينى لا بد له أن يقف بحزم أمام كل الدعوات التى تريد أن تنال من تراثنا الإسلامى برمته، سواء بالتشكيك أو الطعن فيه أو اتهامه بالضعف وعدم مواكبته للعصر، لأن الذين يُنادون اليوم بِرَفض تراثنا بأسانيده ومفاهيمه ويطعنون فيه، هم أنفسهم الذين يهللون ويكبرون ويحتفون بتراث الغرب الفكرى والفلسفى، وهذا دليلٌ على اختلال الموازين، واضطراب معاييرهم، وتزَلزُل القِيَم؛ فليست القضيَّة إذًا أنَّ التراث غيرُ صالح لمواكبة التقدُّم والحضارة، ولكن الهدف الأساسى هو إماتة البعث الدِّينى؛ فقضيَّة التُّراث ترتَبِط ارتباطًا عضويا بحركة الإحياء الدينى واليقظة الإسلامية التى تتعارض وأيديولوجيتهم التى يدينون لها.

كما أن عليه أيضًا بيان المواقف المتعددة تجاه التراث وكيفية الرد عليها، فهناك اتجاه يرفض التراث رفضا تاما، ويطالب باستبعاده وإقصائه بدعوى أنه مرحلة تاريخية مرت وانتهت، وأدت دورها فى وقتها، ولم تعد لنا به حاجة فى عصرنا وليس له قيمة الآن، وهذا الاتجاه يمتاز بالسطحية، وقد ثبت فشله بعد تجريبه من قبل أصحابه؛ فكل الأمم تحترم تراثها وتحتضنه وتبنى عليه وتنطلق منه لبناء حاضرها ومستقبلها.

وهناك اتجاه ثانٍ معاكس تمامًا للاتجاه السابق؛ ويعتبر رد فعل له، وهو الاتجاه التقديسى للتراث، حيث يدعو أصحاب هذا الاتجاه إلى قبول كل ما فى التراث وتطبيقه كما هو بمسائله وجزئياته على واقعنا المعاصر بما فيه من اختلافات كبيرة وبعيدة عن كثير مما فى تراثنا، بمعنى انتقاء أحد مصادر التراث الفقهى، الذى هو جهد بشرى، وجعله المصدر التشريعى للأمة فى وقتنا الحاضر بحاله وكماله دون التفات إلى ما أحدثه اختلاف الزمان والمكان عما ورد بكثير من مصادر التراث، لكن هذا الاتجاه لا يجوز لأنه يقوم بشكل كبير على الجانب العاطفى لا الموضوعى فى النظر إلى التراث، وهذا لا يتوافق مع العصر.

وأخيراً هناك اتجاه ثالث، وهو الاتجاه التحليلى والنقدى للتراث، وأصحابه لا يتوقفون طول الوقت أمام التراث فى المحال التى تتغير بتغير الجهات الأربع، وفى الوقت نفسه لا يهملونه أو يتجاوزونه دون دراسة ونظر وتمحيص وتحليل؛ فالفقه الإسلامى لابد أن يعبر عن بيئته ومجتمعه؛ لأن الفقه خادم للمجتمع من خلال الفهم الصحيح للنص الشرعى، وهذا الاتجاه هو الاتجاه الأمثل فى النظر إلى التراث أيا كان مجاله فقهيا أو فلسفيا أو أدبيا أو لغويا أو تاريخيا إلى غير ذلك من مجالات وفنون.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة