د. محمود كيشانه يكتب: الحقيقة المطلقة

الخميس، 21 أغسطس 2014 08:17 م
د. محمود كيشانه يكتب: الحقيقة المطلقة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الدوجما أو الدوجماطيقية هى الاعتقاد المطلق بأن الأنا - سواء أكان معتقدًا دينيًا أو مذهبيًا أو فكريًا أو أيديولوجيًا– يحمل الحقيقة المطلقة التى لا تقبل القدح، كما أن الأدلة التى يسوقها لا تقبل النقاش، وفى كثير من الأحيان يربط بعض المفكرين بين الدوجماطيقية والأصولية أيًا كان نوعها يهودية أو مسيحية أو إسلامية، مع أن واقع الأمر يقود إلى أن الدوجما لا ملة لها سواء أكانت عقدية أو مذهبية أو فكرية.

وإذا كان مصطلح الدوجما يرتبط بالأديان والمعتقدات الدينية؛ لأن جوهر الدوجما مستمد من الإيمان بالحقائق المطلقة التى يؤمن بها كل دين، فإن الدوجما لا تقتصر على دين بعينه أو على الأديان كلها، ولكنها تمتد إلى بعض الأيديولوجيات الفكرية، إن لم تكن كلها، فالرأسمالية تؤمن بأنها أفضل الأيديولوجيات التى تحقق ما يتمناه الفرد والمجتمع من مستقبل أفضل يقود إلى التقدمية والتنوير، وبذلك تؤمن الاشتراكية أيضًا، وكذلك ترى العلمانية أنها أفضل الاتجاهات الفكرية التى تأخذ بيد العالم إلى التحرر العلمى والفلسفى والمادى، وهنا يتحول النسبى إلى مطلق، ويصير ذلك عقيدة لها، ولقد أصبحت المجتمعات فى أيامنا تعج بمختلف الأيديولوجيات التى ترى فى تطبيق توجهاتها عقيدة تربط فيها الحقيقة النسبية بالحقيقة المطلقة، حتى صار هناك ما يمكن تسميته دوجما الأصوليين ودوجما العلمانية ودوجما الاشتراكية ودوجما الرأسمالية إلخ .

انظر مثلًا إلى ما تبثه وسائل الإعلام عما تفعله بعض التيارات المتشددة التى تنتسب إلى الإسلام من تهجير للآخر؛ لأنه مختلف معها عقديًا، وفرض الإسلام عليه قهرًا، مع أن الإسلام كتب لنا آية تكتب بماء الذهب، وتظل خالدة على مر العصور كمنهج تعامل المسلم مع غيره المختلف عقديًا؛ حيث قال تعالى: "لكم دينكم ولى دين" أليس التعامل مع الناس بما يخالف مضمون هذه الآية يمثل صورة من صور الدوجما؟!.

وانظر إلى ما تبثه وسائل الإعلام أيضًا عما تفعله بعض التيارات المتشددة التى تنتسب للمسيحية من أعمال قتل وتهجير وإحراق فى مناطق كبورما وإفريقيا الوسطى؛ لا لشىء إلا الاختلاف العقدى، مع أن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام كانت دعوته قائمة بالأساس على المحبة والتواصل مع الآخر ونبذ العنف بكل أشكاله ، أليس التعامل بما يخالف مبادئ المسيح يعد صورة من صور الدوجما ؟!
وكذلك لا تخلو العلمانية من صور الدوجما خاصة فى تبنيها لبعض الآراء، إلا أنها عند التطبيق تفصل بين النظرية والتطبيق، والمثال هنا يتضح فى تعامل الغرب العلمانى مع القضايا العالمية والشرق أوسطية، وكيف يكون تعاملهم معها بالكيل بمكيالين، وفرض الرأى على العالم من حوله، وهذه صورة من صور الدوجما. ومن ثم فقد تعددت الدوجما بتعدد الأيديولوجيات فى عالمنا، حتى صار الكل يعتقد فى نفسه أنه يمثل الحقيقة المطلقة، ولا يرتضى أن يكون جزءًا منها، باعتباره يطبق الدوجما بنظرته للمعتقد على أنه الحقيقة الوحيدة التى تقوم على الإيمان المطلق بالمبادئ الأيديولوجية التى يدين بها .








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة