سعد الدين الهلالى

«فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن» (1)

الإثنين، 11 أغسطس 2014 11:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحيض فى اللغة يطلق على السيلان والخروج. وهو فى اصطلاح الفقهاء يطلق على الدم الذى ينفضه رحم المرأة السليمة من الداء ومن صغر السن. وحيض المرأة من أصل فطرة خلقتها فلا سبب له إلا الطبيعة المخلوقة، ولذلك ورد فى حديث عائشة المتفق عليه أنها خرجت مع الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى حجة الوداع، فلما كانت بسرف نزل عليها الحيض، ودخل عليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوجدها تبكى فقال: «مالك. أنفست؟» قالت: نعم، فقال: «إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضى ما يقتضى الحاج غير أن لا تطوفى بالبيت».
ودم الحيض إذا نزل فى ابتداء عمر الفتاة فإنه يكون علامة لبلوغها سن التكليف للأحكام الدينية؛ لأنها صارت صالحة للحمل والأمومة، ويكون ذلك فى سن التاسعة غالباً وقد يزيد على ذلك بقليل. ويستمر نزول دم الحيض شهرياً طالما لم تكن المرأة حاملاً غالبًا وكانت صحيحة البدن، حتى ينقطع نهائيا فى منتصف عمر المرأة الذى يطلق عليه سن اليأس، وهى السن التى لم تعد المرأة فيها صالحة للإنجاب. وتختلف المدة الشهرية لنزول دم الحيض باختلاف البنية الأساسية للمرأة من حيث سلامة أجهزتها الداخلية وحالتها البدنية وغالباً ما تتراوح تلك المدة ما بين ثلاثة أيام إلى سبعة أيام فى الجملة. وعادة المرأة تكون ثابتة غالبا فالتى تحيض ثلاثة أيام فى الشهر تستمر هكذا إلى سن اليأس إلى أن يحدث لها تغيير مؤثر كولادة أو كوضع لولب أو تعاطى هرمونات فتتغير عادتها إلى أربعة أيام أو خمسة أيام أو أكثر.
واختلف الفقهاء فى أقل مدة الحيض وأكثره تبعاً لاختلافهم فى رصد الطبيعة عند النساء مع الأخذ ببعض الأحاديث ضعيفة السند فى ذلك. وفائدة هذا التحديد أن الدم لو نزل فى غير مدته المقررة حكماً لا يسمى حيضاً وإنما يسمى نزيفاً أو استحاضة، وهى حالة مرضية تستحق العلاج ولا يترتب عليها أحكام الحيض الشرعية.
أما أقل مدة تحيض فيها المرأة ففيه ثلاثة أقوال فقهية:
القول الأول: أن أقل مدة الحيض دفعة واحدة، وهو مذهب المالكية والظاهرية. وحجتهم: أن الشارع لم يقدره، فرجع فيه إلى عادات الناس. وقد علم ذلك من العادة وقال المالكية: هذا التقدير فى حكم العبادة أما فى حكم العدة والاستبراء فأقله يوم أو بعض يوم.
القول الثانى: أن أقل مدة الحيض يوم بليلة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة. وحجتهم: أنه روى عن على بن أبى طالب، وهو لا يقوله إلا عن توقيف لحسن الظن به. ولأن ذلك علم من العادة، وهو الذى يتفق مع أحكام الصيام الذى يعد بالأيام.
القول الثالث: أن أقل مدة الحيض ثلاثة أيام بلياليهن، وهو مذهب الحنفية وسفيان الثورى. وحجتهم: ما رواه الدارقطنى بسند فيه مجهول وضعيف عن واثلة بن الأسقع أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام».
وأما أكثر مدة الحيض ففيه ثلاثة أقوال فقهية أيضاً:
القول الأول: أن أكثر مدة الحيض عشرة أيام بلياليهن، وهو مذهب الحنفية. وحجتهم: ما أخرجه الدارقطنى وضعفه عن واثلة بن الأسقع أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام».
القول الثانى: أن أكثر مدة الحيض خمسة عشر يوماً، وهو مذهب الجمهور قال به المالكية والشافعية والحنابلة. وحجتهم: أن الشهر للمرأة لا يخلو من طهر وحيض، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً لأنه نصف الشهر فكذلك الحيض؛ لحديث أبى سعيد الخدرى فى الصحيحين أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال عن المرأة: «أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم، فذلك من نقصان دينها». والنقص لا يبلغ النصف فوجب أن تكون طاهراً نصف الشهر أو يزيد.
القول الثالث: يرى أنه لا حد لأكثر الحيض، فربما يكون الطهر ساعة وتحيض باقى الشهر، وهو قول ابن حزم الظاهرى، ووافقه الإمام مالك فى المرأة الحامل ترى الدم إذا كانت فى الشهر السادس من الحمل حتى الولادة. وحجتهم: مراعاة المشاهدة فى واقع النساء.
ويتعلق بالمرأة فى أيام حيضها كثير من الأحكام الشرعية بعضها محل اتفاق وهى الامتناع عن الصلاة والصيام وتحريم طلاقها ومجامعة الزوج لها، ووجوب قضاء صيام اليوم المفروض الذى وافق أيام حيضها بعد انقطاعه، ووجوب الاغتسال بعد انقطاع الحيض لأداء ما تستقبل من صلاة. واختلف الفقهاء فى أحكام أخرى للمرأة الحائض من أشهرها الطواف، والمكث فى المسجد، وقراءة القرآن الكريم، ومس المصحف، واستمتاع الزوج فيما بين السرة والركبة دون الجماع حتى تطهر بانقطاع الدم وتغتسل.
وسوف نستعرض مذاهب الفقهاء فى مسألتين من أخطر الأحكام الشرعية المتعلقة بحياة الزوجين الخاصة، وهما: الاستمتاع بغير جماع فى أيام حيض الزوجة، والجماع بين الزوجين بعد انقطاع دم الحيض وقبل الاغتسال. وسنرى بإذن الله تعالى من خلال استقرائنا لواقع الناس وحياتهم أنهم اختاروا مذهب بعض الفقهاء الذى يستند على دليل شرعى ويتفق مع مقاصد الشرع من اليسر ورفع الحرج، وترك المصريون فى هاتين المسألتين مذهب الجمهور دون أن يخيفهم كثرة القائلين به؛ لقناعتهم أنه ليس بالضرورة أن يكون الحق مع الكثرة، وإنما الحق بما أراه الله للإنسان فاقتنع به وغلب على ظنه أنه الصواب دون سيطرة فكر على فكر. قال تعالى: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله» (النساء: 105). كما يؤمن المصريون بأن جميع الأقوال الفقهية إنما هى رؤى بشرية غير معصومة ولا يملك أصحابها مهما كثر عددهم أنهم بلغوا الحق المطلق؛ لما أخرجه مسلم من حديث بريدة، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، كان يقول لأمير الجيش: «وإذا أتيت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك أنت فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا». وللحديث بقية بإذن الله».








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة