سعد الدين الهلالى

الحساب الفلكى لتحديد الأهلة

الإثنين، 23 يونيو 2014 10:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحديد الأهلة عمل إنسانى وعمل دينى، أما الوجه الإنسانى فيه، فيرجع إلى تقدير الشهور والسنين فى حياة الناس، وأما الوجه الدينى فيه فيرجع إلى تقدير الواجبات الشرعية مثل الصيام فى رمضان، والحج فى عرفة، وحساب العدة لبعض المطلقات.
وقد علق التكليف الدينى وجوب الصوم ونحوه على رؤية الهلال دون تحديد صفة تلك الرؤية بالعين أو بالعلم، وإن كان المتبادر إلى الذهن هو رؤية العين المجردة، لكن لم يمنع ذلك الاستعانة بما تم اكتشافه بعد من العدسات والتلسكوبات التى كانت بداية حقيقية لتطور دراسة علم الفلك أو علم الهيئة.
وعلم الفلك من أقدم العلوم الإنسانية، فقد استطاع الصينيون القدماء فى أوائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد رسم خرائط للنجوم، وسجلوا كسوف الشمس وخسوف القمر، وتمكن البابليون سنة سبعمائة قبل الميلاد من استنباط أوقات تكون فيها الكواكب أقل اقتراباً وأقصى ابتعاداً عن الشمس، وحدد قدماء المصريين بداية الربيع بملاحظة موقع الشّعرى اليمانية، ألمع نجوم السماء، كما استخدموا معلوماتهم الفلكية فى بناء معابد ذات حوائط متجهة إلى أجرام سماوية بعينها.
ولم يعرف العرب قبل العصر العباسى الكثير عن علم الفلك، وأول من عنى به هو أبوجعفر المنصور (95 : 137هـ) بعد أن أمر بترجمة كتاب «السند هند الكبير» الذى اختصره الخوارزمى، وانطلق العرب بعد ذلك فى تطوير هذا العلم وأدواته، حتى إن معظم أسماء النجوم المعروفة حالياً هى من وضع العرب وما زالت تستعمل بلفظها العربى فى اللغات الأخرى.
وبدأت الثورة فى علم الفلك بنظرية مركزية الشمس للكواكب حولها، والتى قدمها البولندى كوبرنيكوس فى منتصف القرن السادس عشر الميلادى، وانتهت نظرية بطليموس القائمة على مركزية الأرض، وفى أوائل القرن العشرين قدم آينشتاين نظرية الجاذبية أو النسبية العامة، ثم انطلق علم الفلك بدون حد بعد إطلاق الأقمار الصناعية بدءاً من النصف الثانى من القرن العشرين، واختراع التلسكوبات البصرية العملاقة. وكان الفقهاء قد اختلفوا قديماً فى حكم اعتماد الحساب الفلكى لتحديد ميلاد الأهلة، وذلك على مذهبين فى الجملة.
المذهب الأول: يرى عدم مشروعية اتخاذ الحساب الفلكى طريقاً لتحديد الأهلة، وهو قول أكثر الفقهاء قديما حتى شنع الإمام مالك على أصحابها فقال: «إن الإمام الذى يعتمد على الحساب لا يقتدى به ولا يتبع». وممن قال بهذا المذهب الحنفية فى المعتمد، وهو المشهور عند المالكية وأكثر الشافعية، وهو مذهب الحنابلة والظاهرية وأكثر أهل الشيعة، وانتصر له الصنعانى، وحجتهم: (1) أن النصوص الشرعية اعتمدت الرؤية البصرية للهلال، وألزمتنا فى حال عدم تلك الرؤية أن نعتمد الحساب العددى بإكمال شعبان ثلاثين يوماً، فلم يكن لنا بد من ذلك، قال تعالى: «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» (البقرة: 185)، وأخرج الشيخان عن أبى هريرة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين». وأخرج مسلم عن ابن عمر أن النبى - صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فضرب بيديه فقال: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا، ثم عقد إبهامه فى الثالثة، فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن أغمى عليكم فاقدروا له ثلاثين». قال المازرى عن جمهور الفقهاء: «المراد إكمال العدة ثلاثين، ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين، لأنه لا يعرفه إلا القليل، والشرع إنما يعرف بما يعرفه الجماهير». وقال الصنعانى: «فى هذا الحديث دفع لمراعاة المنجمين، وإنما المعول عليه رؤية الأهلة، وقد نهينا عن التكلف». (2) أن علم الفلك قائم على التنجيم والظن، وقد قال ابن بزيزة: «قد نهت الشريعة عن الخوض فى علم النجوم، لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع». وقد أخرج أحمد وأبو داود، وصححه الألبانى عن أبى هريرة أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أتى كاهنا أو عرافا فصدقة بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد». (3) أن النبى - صلى الله عليه وسلم - نفى العمل بعلم الفلك فيما أخرجه الشيخان عن ابن عمر، قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب أشهر هكذا وهكذا»، يعنى مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين.
المذهب الثانى: يرى جواز اتخاذ الحساب الفلكى لتحديد الأهلة، وهو قول بعض أهل العلم حكاه ابن رشد عن بعض السلف، وهو مذهب مطرف بن الشخير من كبار التابعين، وحكاه ابن عابدين فى رسائله عن بعض الحنفية، وذكره القرافى المالكى قولاً فى المذهب، وبه قال ابن سريج والقاضى أبوالطيب من الشافعية، وحكاه الماوردى عن بعض الشيعة، واختاره ابن قتيبة من أهل الحديث، وحجتهم: (1) أن الأمر بالصوم جاء معلقاً على شهود الشهر أو رؤية الهلال، ولم تبين النصوص طريق الشهادة أو الرؤية، فصح بكل طريق. (2) أن الرؤية العلمية أقوى من الرؤية البصرية؛ لقيام العلم على قواعد وأسس ثابتة بخلاف الرؤية البصرية التى ترجع إلى الذمة، وهى غير منضبطة، ووصف الأمة بالأمية لا يعنى بقاءها كذلك، فإن علمت وجب عليها العمل به. (3) أن بعض روايات الحديث جاءت بالإشارة إلى الرؤية العلمية مثل ما أخرجه الشيخان عن ابن عمر، أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن أغمى عليكم فاقدروا له». ولم يقل ثلاثين، فدل على علم الحساب والفلك. (4) أن علم الفلك قد تطور وصار أماً لعلوم أخرى مبنية على الحس والتجربة وليس على التخمين كما يظن البعض، والعمل بالعلم واجب، كما قال تعالى: «قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون» (الزمر 9).
وقد اختار المصريون العمل بالحساب الفلكى لتحديد الأهلة بعد تطور هذا العلم وانتشاره، وذلك عن طريق رضاهم بإعلان دار إفتائهم عن الأهلة اعتماداً على الحساب العلمى، وعملاً بقول بعض أهل العلم بحجيته ومنهم مطرف بن الشخير من كبار التابعين، ومنهم بعض الحنفية والمالكية والشافعية، ومنهم بعض أهل الحديث كابن قتيبة، وذلك استناداً إلى وجوب العمل بالعلم وتقديمه على الظن، ولم يكن اختيار المصريين للرؤية العلمية وتقديمها على الرؤية البصرية قديماً، وإنما وقع ذلك مؤخراً بعد تطور علم الفلك والاقتناع برسوخه، وعندما ترك المصريون مذهب الجمهور الذى يرى عدم مشروعية العمل بالرؤية العلمية أو الفلكية فى الأهلة لم يكن ذلك تجرؤاً، وإنما كان لتعقل الفتوى، فالجمهور كان يرى علم الفلك تنجيما وتخميناً، فكان معذوراً فيما انتهى إليه، أما وقد صار علم الفلك حقيقة رياضية حسية لا مراء فيها، فالعقل يوجب العمل بمقتضاه. ومع ذلك فإن المصريين لا يعيبون على من يتمسك بالرؤية البصرية ويترك الرؤية العلمية فى الأهلية لاستنادهم إلى رأى فقهى معتبر، وحسب الجميع البحث عن الحق من وجهة نظره، والعمل بما يطمئن إليه القلب.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

سحر

كيف نختلف وبيننا رسولين من رسل الله ؟

عدد الردود 0

بواسطة:

ايمن

ازى صحة حضرتك؟ ان شاء الله تكون بخير و بتاكل كويس

كيف تتجراء و تبدى رأيك فى وجود الرسل؟؟؟!!!

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة