رواية"طريق الغرام" لربيعة ريحان

فريد أبو سعدة يكتب:كشف العورة !!

الأربعاء، 21 مايو 2014 06:35 م
فريد أبو سعدة يكتب:كشف العورة !! فريد أبو سعدة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدأ الإيقاع السردى فى رواية ربيعة بجملة "أنا بانتظارك" التى يفتتح بها يوسف أول رسائله الالكترونية من لندن، وينتهى برد فوزية على آخر هاتف له من مراكش "أنا قريبة منك، انتظرنى فى الظل"!

بين قوس البداية وقوس الختام، يتبادلان خلال ما يقرب من العام، الرسائل، والصور، والمكالمات الهاتفية، يمضى السرد بين هذين القوسين متقلبا بين زمنين، زمن روائى يصل فى عمق الماضى لأكثر من قرن، وزمن الحكى الحاضر بضمير المتكلم، الذى يبدأ بواقعة اكتشاف فوز شذوذ ولوطية زوجها، وخسارة رهانها عليه، رغم وقوفها معه فى وجه العائلة! زمن لا يزيد عن العام، قضته قاصدة، عند الجدة، معزولة عن العالم، مجروحة ومغدورة، متشككة وخائفة، غير واثقة بنفسها وشاكة بالعالم من حولها.

"لم أخطئ فى التقدير، حين تصورت أن هذه الجدة الرائعة هى، التى ستكون إلى جنبى، من غير إدانات ولا تجريح، ولا ترديد لذلك العتاب المر، الذى سيأتى إلى من الإخوة والعمات والخالات، متباهين، بأنهم استعرضوا توقعاتهم المسبقة، وأنا صممت عليه وتشبت به".

زمان، يتوازيان ويتقاطعان فى إيقاع يتميز بالحيوية والسرعة، فصول معنونة يناور السرد من خلالها، ناثرا هنا وهناك أرواح حية، من فضاء العائلة، فى ما يشبه قطع البازل، ما إن ترتبها المخيلة حتى تشكل عالما ساحرا رغم كابوسيته، عالم الأنوثة المقموعة، حيث تقاوم النساء قامعيها بالسحر والشعوذة والأحجبة والأعمال، آملين، أو قل معتقدين، فى إمكان قلب السحر على الساحر!

"فتحت عينى على عالم من الأوامر والنواهى فى بيت أهلى، من رجال عابسين دوما هم أبى وجدى وإخوتى، كانت جدتى، لا تستطيع أن ترد على التلفون، إلا بعد أن تهرع مفزوعة لتضع الخمار على رأسها، خصوصا مع الهاتفين من الرجال!!"!

مجتمع عتيق، سيجته ثقافة ذكورية قاسية لا تمنح النساء من أمارات الوجود سوى هامش ضيق مشروط برضاء الرجل إذ يبقين "مسكونات بهاجس الخوف من ضياع الأزواج . لاشىء يجعلهن يهدأن، إلا بتزكية رسمية من السحرة والشوافات!!".

جحيم إذا تأخرت المرأة فى الزواج، وجحيم إذا تزوجت، وجحيم إذا طلقت "كأن قطار الزواج الذى فاتها، قد حول حياتها إلى جحيم، وجعلها تنطق بالكلام الهائم الملغز وهى نائمة".

فى مراجعة شائكة ومؤلمة وطويلة تحاول فوز فى عزلتها ببيت الجدة تأمل الأوضاع والقيود الاجتماعية التى شكلت حياتها على هذا النحو.

قريبتنا كانت تدرس فى الجامعة، وكان والدها مستنيرا على طريقته، و"أعرف أن الكثير من زميلاتى يعشن علاقات حرة مع زملاء من الفصل، أو من خارج الفصل، ويدخن ويسكرن، ويستطعن تلبية رغباتهن الجنسية دون خوف ولا تردد"، ولكنها تعرف أيضا كيف غرر أحدهم بصديقتها رشيدة، فأضاع بكارتها، وتخلى عنها مدعيا أنه يحب غيرها !

تبدأ فوز فى تلمس ما يخرج بها من قبو العزلة هذا، تعاملت من الإنترنت، ولكن ما كتبته من قصص مبشرة فى الماضى، وإن أهملت الاستمرار فيها بعد الزواج، تلوح لها كنقطة الضوء فى آخر النفق المظلم، ولعل حدسها كان صحيحا، فقد قادتها الكتابة بالفعل إلى يوسف، "وضعت قصة على موقع من المواقع، وتصادف أن لفتت نظر الشاعر، وعلق عليها"!

من هنا تبدأ العلاقة الافتراضية بين شاعر عراقى معارض، هارب من جحيم سياسى يرشحه للقتل، وقاصة مغربية من "أسفى" هاربة من جحيم مجتمع ذكورى، وزوج شاذ جنسيا، يقهرها فى البيت، مخفورا بأقانيم هذا المجتمع، رغم المفارقة فى كونه ليس رجلا!

تتأمل الساردة فى هذه الفصول وضعها الكابوسى بين صورتين للرجل، صورة المأفون الذى دمرها، وصورة الشاعر العاشق المحب المتفهم الراغب فيها، كابوس تعيد تأمله مرة بعد مرة مع تزايد رسائل الشاعر، وارتفاع نبرة الأيروتيكا فيها، هذه الفصول تعطى معادلا بنيويا عن الحيرة والتردد وإعادة تقليب الأمور، كأننا أمام مونودراما لامرأة تقاوم رغبتها الحارقة فى الحب، وتقاوم رغبتها فى تصديق من تحب!! واعزها فى هذا وذاك الخوف من كسر التابوهات التى أبّدها الذكور من جهة، والخوف من رهان خاسر جديد.

حدثان مهمان ساهما فى تطور هذا العلاقة، بالقدر الذى غيرا من وعى الكاتبة بها، واكتشاف أهمية وجود يوسف فى حياتها، بل وإدراك أنها، هى أيضا، قد وقعت فى الغرام، حادث تفجيرات لندن، وحادث إبداء يوسف رغبته فى زيارة المغرب واللقاء بها، "مجنونة أنا . اقتلعت نفسى من بين نغمات هذه التفاصيل المبهجة، ودخلت جحر الضبع برضاى ورغبتى. حتى الحلقات الصاخبة بالموسيقى والاستعراض العجيب فى جامع الفنا، والمشاكسات مع الشوافات المقرفصات تحت المظلات الشمسية المهترئة. كن ينادين، ويلوحن لنا بأوراق الحظ، حين نعبر قريبا منهن فى النهارات القائظة.

ـ آجى يا الزين لأقرأ لك حظك مع الرجال..
وحين تكون معى صديقتى رشيدة كانت تجيبها حاسمة:
هذه المتعوسة تزوجت وانتهى أمرها
تنتهز الشوافة فرصة هذا الحوار العفوى، لتحاول فرض سيطرتها على رشيدة:
عندك سحر أيتها الغزال إسألينى أنا، تعالى لكى أبطله لك..
"ألم يكن من الأفضل، لو أننى كنت صاحبة تجربة غنية فى الحياة، لأدركت أن سمير، منذ زمن العشق العارم الذى كنا فيه، لم يسبق له أن لمس عنوة تلك المناطق الأكثر اشتهاء فى جسدى، وكم تمنيت مرات فى أيام الوجد والغرام، لو يأخذنى إليه ليفركنى ثم يفعل بى ما يشاء، لكنه كان يوهمنى وهو يتلمسنى بيديه الباردتين المرتبكتين، أنه يرجئ لحظات المتعة، إلى ذلك اليوم الموعود، احتراما لى ولأهلى.


أذكر أننى حين تعافيت قليلا وبدأت أجتاز أزمتى، صارت صديقتى رشيدة تهاتفنى أحيانا كنت أعرف أنها مثلى تماما، لا علاقة لها بذلك العالم الغامض المريب، عالم السحر والشعوذة . كنا ندرك نحن الاثنتين أن شرائح كثيرة من النساء والرجال أيضا، من مختلف المشارب والاتجاهات، ومن مستويات ثقافية واجتماعية متنوعة، يؤمنون بفعل السحر، حتى الطالبات فى الجامعة كن يقعن صريعات هذا الاعتقاد، ويؤمن إيمانا أعمى بالممارسات الغيبية.

كان سمير أول رجل فى حياتى . أول قصة حب كبير أعيشها، وأنا ما زلت مراهقة، تحيا فى حضن مدينة محافظة، وبين إخوة متشددين.

"أنا أصلا خوافة وخجولة، لذلك كنت أقول لنفسى كل يوم وأنا أفتح الحاسوب: حذار يا فوزية.. إنه لوقت مبكر على المجازفة والدخول فى علاقة عاصفة، ربما أجهزت على ما تبقى لك من عقل، كان حوارا عنيدا يزخر بالتأملات والتبرير.

أتكون الكتابة التى انبثقت فى ذهنى فجأة، فى لحظة تأمل قصوى وجاءت كيد رحيمة لتمتد نحوى، هى التى انتشلتنى مما أنا فيه؟؟.. وجعلتنى أتجاوز درجة ما تحت الصفر التى قادنى إليها انهيارى وعزلتى، فنجحت بذلك فى أن أكسر حاجز الخوف من الحياة كلها، ومن الناس والمستقبل، عائدة يوما بعد آخر من تلك الأصقاع القصية لروحى المرهقة؟؟

وجدت أن هذه الكتابات التى كانت مخبأة بين كتبى القديمة والمخطوطة فى أوراق بالية، تفاصيل قديمة لفتاة مفرطة فى الحساسية والرقة، لكنها كانت تتصرف بعناد خصوصا فى المراهقة، ربما لتثبت لنفسها وللعالم أنها صلبة وقوية.

من هذه الكتابات طلعت الكثير من نصوصى القصصية، ومن وحيها اشتغلت بشكل كثيف ومتواتر . كانت بالفعل شديدة القرب منى، وأننى كلما عثرت على المزيد منها كنت أثمل من الفرح والحماس"
"أنا بانتظارك .. "
موحية وجذابة هذه الكلمة لامرأة رومانسية مثلى.
وكم شعرت أن حياتى سوف تستعيد نمطها السابق، وسوف أجدنى من جديد وأجد ذاكرتى، وكل ما فى يعيد لى اتساقى وشهيتى للحياة والناس.
: من سنين لم أزر بلدا عربيا..
أسمع عن فاس ومراكش وطنجة ووارزازات..
هذه مدن مدوية.
سآتى لو أحببت.
هل يمكن أن نلتقى؟؟
ها ناقوس الخطر قد بدأ يدق إذا
وفكرت لو أنه فعلها وجاء قادما إلى من هناك، فإن ارتباكا كبيرا سيحصل لى، فهو لا يدرى أنه من المحال أن ألتقيه لوحدى
كل الأماكن المفتوحة أو المغلقة غير صالحة لأى لقاء بالنسبة لى، كلها فضاءات محظورة ومسيجة بالأفكار المهجنة . كم هو ضيق عالم هذه المدينة العتيقة
فليكن .. لن أقبر هذه الرغبة الجامحة والتجربة الجديدة، التى لونها النت بهذا التواصل المميز والرائق مع يوسف.
رأسى طاحونة ثرثرة قبيحة للغاية وثملة من التردد والرفض
أغرقتنى رشيدة فى الأسئلة غير منتبهة لترددى ولا لجدية
إنه يفكر فى المجىء إلىّ.
فتحت رشيدة عينيها مذهولة:
يأتى إلى أسفى؟؟!
يقول إنه يريد إن يأتـى إلى المغرب.


أدركت رشيدة من خبرتها ألا مجال للمجازفة هنا بأسفى، فيستحيل طبعا على واحدة مثلى أو مثلها من بنات العائلات المحافظة استقبال ضيف غريب، والسير معه فى الشوارع أو الجلوس فى مقهى.
طيب ما رأيك لو تقابليه فى مراكش مثلا؟
مراكش ؟؟..
غريبة الأطوار أنا!!
أريد ولا أريد
أقف فى ذلك الصباح الباكر المربك، وسط ضباب الفجر أمام مبنى محكمة الاستئناف، يحرسنى بواب العمارة بعينيه من بعيد كما طلبت منه، بانتظار أن تأتى الساتيام التى ستقلنى إلى مراكش.
يوسف الذى صالحته وكتبت له منذ أيام "أنا بانتظارك"، ستحط طائرته بمطار مراكش بعد ساعات.
رن جرس المحمول فجأة فى حقيبتى . صرت أبحث عنه وأنا أهدئ من روعى. إنه رقم يوسف.
ـ ألووو ..
ـ هلا عمرى ..
ـ على السلامة يوسف وصلت؟؟..
ـ أنا فى المكان الذى وصفته لى من قبل .
ـ أنا قريبة منك . انتظرنى فى الظل .
اكتملت الدورة.
قلت لسائق الطاكسى أن يسرع قليلا
كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد الظهر تقريبا، لحظة الذروة والنشاط المحموم!ِ
هكذا يبدأ انتقام الأنوثة!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة