أحمد بان

شروط التحول الديمقراطى فى مصر

السبت، 12 أبريل 2014 04:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بينما تفضل شعوب العالم المتقدم ممارسة الديمقراطية التى تعنى حرية التعبير والتغيير معًا، وتقدم النموذج فى إدارة جميع شؤونها، بدءًا من البيت والحى والولاية والمدرسة والجامعة، وكل المؤسسات، وتؤكد الحرص على كل ما يرتبط بالديمقراطية من توسيع مشاركة الشعب فى إدارة الشأن العام وفق قواعد راسخة، ومتعارف عليها - نفضل نحن فى مصر الحديث عن الديمقراطية كثيرًا دون أن نترجم هذا الحديث المكرور إلى سلوك يتعلم منه الشعب كيف يكون ديمقراطيًا، ومنذ رفعت ثورة يوليو شعاراتها الستة التى كان من بينها استئناف حياة ديمقراطية سليمة، جرى مداد الصحف والخطب على امتداح الديمقراطية التى من أبهى علاماتها فى مصر، إطلاق اسم الحزب الوطنى الديمقراطى على الحزب الحاكم الذى أشرف على إفساد البنيان السياسى فيها لعقود، بالشكل الذى جعل مصر بين سندان هذا الحزب ومطرقة الإخوان، دون أن تظهر بدائل أخرى لهذا المجتمع تفتح الباب لتغيير ديمقراطى حقيقى.
هل من حقنا أن نحلم بديمقراطية حقيقية فى مصر؟ نعم بالطبع! ولكن هل الديمقراطية هى مجرد صندوق انتخابى وعملية انتخابية، أم أن هناك أشياء أخرى لازمة لكى تحقق الديمقراطية ثمراتها؟
يقولون دائمًا إن الديمقراطية قسمان، فلسفة وقيم ثم آليات.. ربما نجحنا حتى الآن فى تقليد آليات الديمقراطية، لكن هل ترسخت ثقافة الديمقراطية لدينا، بما يتيح نجاح الآليات فى ترسيخ الفلسفة والقيم؟ الإجابة بالطبع لا!
إن التحول الديمقراطى المنشود فى مصر فى تقديرى مرهون بثلاثة شروط:
أولًا: أن يكون المواطن المصرى مواطنًا مدنيًا ديمقراطيًا، فى فلسفته واختياراته وطرائق عيشه، والشخص المدنى هو غير الشخص الهمجى البربرى الذى يحتكم فى حياته لقانون الغابة بفعل ما يقدر عليه دون سيف من قانون أو ضمير.. المواطن المدنى يحترم القانون حتى إن لم يرَ القائم على تنفيذه، لا يقطع إشارة المرور، لا يرمى المخلفات فى الشارع، لا يتحرش بفتاة بزعم أنها غير محتشمة، لا يتعامل مع وظيفته باعتبارها حجرة ملحقة ببيته يمارس منها سلطته، أو أمراضه النفسية وليس مهمته كموظف عام مدنى فى كل سلوكه.. لا ديمقراطية دون مدنية، لن ينجح تحول ديمقراطى فى مصر والمواطن همجى يخالف القانون بكل وسعه، ولا يحترم أى قيم أو أعراف حتى فى حال غياب القانون، أو من يشرف على تنفيذه.
ثانيًا: وجود أحزاب سياسية حقيقية قادرة على اجتذاب الناس ببرامج واضحة، وخطاب مميز، وانتشار تنظيمى واسع على امتداد القطر.. يخرج الحزب من دوائر العاصمة ومدينة الإنتاج الإعلامى إلى الكفور والنجوع والقرى والمراكز والأحياء فى طول البلاد وعرضها، لا أن يبقى الحزب شقة وصحيفة لا يقرؤها حتى الأعضاء.. لدينا فى مصر أكثر من تسعين حزبًا تتباين مرجعياتها بين قومى وإسلامى ويسارى وليبرالى، كفانا ثلاثة أحزاب لكل تيار من هؤلاء تندمج إذا وصلت إلى نضج كاف فى تجربتها، بحيث تكون لدينا 4 أحزاب أو حتى 12 حزبًا قادرة على بناء قواعد جماهيرية، وإنضاج برامج سياسية تختبر قدراتها فى المحليات وفى البرلمان، ثم فى الحكم فى الأخير، إن تطورت وطورت بنيتها وكوادرها، بحيث يجد المواطن بدائل تفتح له أبواب الأمل نحو تعددية حزبية حقيقية لن يحدث إصلاح دونها.
ثالثًا: وهو شرط حاكم لأنه أداة نجاح الشرطين السابقين، وهو شرط مرهون بالنظام الحاكم الذى ربما أدرك الآن خطر غياب البدائل فى أعقاب الثورة، بفعل التجريف الطويل الذى طال التربة المصرية، فجعلنا بين تلك الثنائية اللعينة: الوطنى والإخوان.. لابد أن يضمن النظام الحاكم بيئة تسمح بحرية الحركة للأحزاب، بفتح الأفق السياسى بشكل كامل، بالإصرار على احترام القانون والدستور، والحفاظ على الحياد فى مواجهة المواطنين، والقوى السياسية والحزبية، هذا من جانب، أما الجانب الآخر فهو أن ينهض من خلال مؤسساته المعنية بالتنشئة بدوره الوطنى من خلال التعليم والثقافة والإعلام، ببرامج تكوّن الوعى السياسى للمواطن، ليستعيد ثقته بفكرة العمل السياسى، وثقافة الاختيار الصحيح، ويدرك أن بإمكانه أن يشارك فى بناء وطنه، ولعل مفوضية الشباب كمدرسة تخرج الكادر الوطنى القادر على أن يختار الحزب الأقرب لأفكاره بعد أن يسلح بالمهارات اللازمة، إضافة إلى دور الإعلام الوطنى فى تأمين ثقافة الاختيار الصحيح، وتسليح المواطن بالحقائق والمعلومات التى تصنع وعيه، وليس تزييف وعيه بالتعبئة والتحريض على هذا الطرف أو ذلك، وفق أجندات لا تتحرى الصالح الوطنى فى الغالب
لا أتصور أننا قادرون على النهوض دون أن تكتمل أركان هذا المثلث: مواطن مدنى، وأحزاب سياسية حقيقية، وإرادة سياسية عيونها مصوبة على مستقبل هذا البلد، ونستشرف أن تصل هذه الرسالة لمن يختاره الشعب فى الاستحقاق السياسى القادم، لكى يفهمها ويفعلها دون تردد، ولا أظن أن بإمكان أى رئيس قادم أن يتجاهلها، وإلا يكون مخاطرًا بمستقبل هذا الوطن، ولا أظن أن الشعب أو التاريخ ساعتها سيرحمه.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة