د. محمد على يوسف

أى خبز.. وأى حياة..

الجمعة، 07 مارس 2014 07:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى شوارع باريس وطرقاتها الغاضبة تعالت الصيحات والهتافات الساخطة. لقد بلغ السيل الزبى ووصل الأمر إلى منتهاه.. النصر يقترب ويلوح فى الأفق، لقد سقط سجن الباستيل رمز الطغيان الفرنسى وعنوان قهر البلاط للرعية. لم يعد بين الجماهير الغاضبة وبين قصر فرساى الشهير خارج باريس إلا أمتار معدودات، لكن ماذا يريدون؟! هكذا تساءلت "مارى" ببراءة ساذجة.
-أوحقا لا تعرفين؟!
إنهم يريدون الخبز
-كل هذه الضجة لأن الخبز غير متوفر؟! ولماذا الإصرار على الخبز إذا فليأكلوا كعكا أو بسكويتا أو حتى جاتوه.. هؤلاء الرعاع لديهم حقا تعنتات عجيبة!!

قصة شهيرة من قصص عديدة نسجت حول مارى أنطوانيت آخر ملكات فرنسا قيل أنها تحمل رمزية وخيالا تطوعت بصياغته قريحة "جان جاك روسو" الذى تنسب إليه الرواية لبيان مدى انفصال البلاط الفرنسى عن فهم هموم الشعب الفقير.

قصة تلخص ما لا يدركه المنعزلون عن هموم الناس ومشاعرهم ومن يظنون أن المشكلة فى تنحصر فى خبز وجاتوه.. الخبز مهم بلا شك تلك حقيقة واقعة لا ينكرها عاقل وهل يحيا أحد بدون الخبز؟! طبعا الخبز هنا كناية عن الحد الأدنى من الطعام الذى يقيم أود الإنسان وإلا فلا شك أن الإنسان قد يستعيض عن الخبز بما هو أشهى وألذ، لكن يظل الخبز هو العلامة والمثال.. لقمة العيش.. كسرة من رغيف محترق الأطراف تقى الفقير وطأة الجوع بغموس أو من غير غموس لن يموت من الجوع من يجد تلك الكسرة وبحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. نعم.. بها لن يموت لكن هل بها فقط يحيا؟! هذا هو السؤال.. الحقيقة أنه سيحيا، لكن أى حياة؟! تلك هى المعضلة.

ربما يحيا الآن سان بتلك اللقيمات، وربما يتنازل عن كرامته وحريته وحقوقه وربما مبادئه لأجل أن يوفرها لنفسه أو لأبنائه، وغالبا سينجح فى هذا على الأقل فى بلادنا التى لم تصل بفضل الله إلى حد المجاعة.. سينجح بإذن الله فى توفير كسرات الخبز ولقيمات العيش فما فوقها وسيمر اليوم وتمضى الليلة ولن يموت من الجوع، لكن هل هو حى فعلا؟!

لم يكن شعار ثورتنا منذ أعوام ثلاثة هو الخبز فقط، ولم تصدع حناجرنا بالهتاف ضد الظالم لأجل لقمة عيش وحسب. لقد هتفنا وصدعنا: عيش.. حرية... عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية.. تلك كانت عبقرية الثورة. لم تكن كالثورة الفرنسية تطلب الخبز بشكل مصمت كما أشار هـ.ج، ويلز لذلك فى كتابه "معالم تاريخ الإنسانية" ولم تكن قضيتنا هى بطوننا وحسب، بل كانت قيما متكاملة أقرها الوحى المنزل قبل مئات الأعوام: "فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" ليس الطعام فقط هو المنة بل فى الحياة أشياء أخرى.

فى الحياة أشياء بخلاف الطعام والشراب والمادة، البعض اليوم يصر على الانغماس فى المادية المفرطة والإغراق فى لفت أنظار الناس إليها وإشغالهم بها حتى يصير مثلهم فى النهاية كمثل أقوام "لتجدنهم أحرص الناس على حياة "أى حياة.. أى خبز به يحيا الإنسان وبمثله من العلف يحيا الحيوان، لكن هل يسألون أنفسهم ما صفة تلك الحياة وخصائصها؟ وبما يغمسون ذلك الخبز؟ ليس مهما، المهم أن يكون خبزا وتكون حياة والسلام.. أى خبز وأى حياة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة