سعد الدين الهلالى

ضمان الطبيب لأضرار أخطائه

الإثنين، 03 مارس 2014 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الضمان هو الالتزام أو الكفالة، أو هو شغل الذمة بحق للآخر. والطبيب فى أصل اللغة هو الحاذق للأمور العارف بها، وبه سمى المعالج للمرضى حتى لا يتصدى للتداوى سوى الحذاق. تقول: طبب فلانا، أى داواه. وتقول: جاء يستطب لوجعه، أى جاء يطلب وصف الدواء الذى يصلح لدائه.
والمقصود بضمان الطبيب هو أن يتحمل تعويض ما وقع من تلف أو ضرر على بدن المريض أو نفسه بسبب خطأ المداواة، أو سوء تقديرها.
والأصل فى عمل الطبيب الأمانة، وأنه لا يضمن تعويض المريض عن المفاسد التى تلحقه بالمداواة لسببين:
(1) أن المريض قام بتسليم بدنه للطبيب، أو أذن له فى حق نفسه أن يداويها، فانتفى بذلك العدوان، ولم يعد وجه للتضمين من تلك الجهة؛ لأن العدوان هو الذى يوجب الضمان فى عموم قوله تعالى: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» «البقرة: 194»، وقوله تعالى: «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به» «النحل: 126»، وقوله تعالى: «وجزاء سيئة سيئة مثلها» (الشورى: 40). أما إذا انتفى العدوان فلا وجه للتضمين؛ عملا بأصل الأمانة كما قال تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها» «النساء: 58»، وما أخرجه ابن ماجة بسند ضعيف عن عبدالله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من أودع وديعة فلا ضمان عليه»، وهذا يشمل كل عقود الأمانات.
(2) أن الطبيب بحكم كونه حاذقا فى مهنته مجازا من نقابته، فكان صاحب فضل بعلمه وخبرته. وصاحب الفضل لا يضمن وإنما الجاهل الخائن هو الذى يضمن؛ لما أخرجه الدار قطنى وصححه الحاكم وحسنه الألبانى من حديث النسائى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من تطبب ولم يكن فى الطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن».
ومع هذا الأصل التشريعى الذى اعتمده الفقهاء فى عدم تضمين الطبيب المأذون له والحاذق فى مهنته إلا أنهم اجتهدوا فى حماية المريض وتحصينه من خطأ الطبيب المعتاد، كما لو اجتهد فى وصف دواء أو فى إجراء جراحة ولم تكن موفقة بما يلحق الضرر بالمريض، فهل يضمن تعويضه؟ مذهبان للفقهاء فى الجملة.
المذهب الأول: يرى تحريم تضمين الطبيب الحاذق والمأذون له، وأنه لا يجوز إلزامه بتعويض المريض عن الأضرار التى أصابته بسبب مداواته باجتهاد طبى صحيح. وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية، بل نص الحنفية على أن الطبيب لو شرط على نفسه الضمان كان شرطا باطلا لمخالفته الأصل، وهو عدم تضمين الأمين. أو لأن هذا الشرط غير مقدور عليه. وحجتهم: (1) أن الطبيب فى حكم المستودع فلا يضمن إلا بالتعدى. وقد أخرج الدار قطنى بسند فيه ضعيفان عن عبدالله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على المستعير غير المغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان». (2) أن اجتهاد الطبيب الحاذق اجتهاد مسوغ فيؤجر عليه ولا يؤاخذ عن نتائجه، فقد أخرج الشيخان عن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد».
المذهب الثانى: يرى جواز تضمين الطبيب الحاذق الماهر فى صنعته والمأذون له إذا أخطأ فى اجتهاده فى وصف الدواء. وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد. والرواية الثانية ترى أن الضمان يكون فى بيت المال وليس فى مال الطبيب. وقد حكى هاتين الروايتين ابن القيم. وحجتهم: (1) أن اجتهاد الحاذق ينبغى أن يكون صحيحا، فإذا تبين غير ذلك كان متهما بالإهمال، والإهمال نوع اعتداء يوجب الضمان. (2) أن التطبيب يتعلق بالنفس ومنافعها، فإذا لم يضمن الطبيب نتيجة اجتهاده فستضيع حقوق الناس ودماؤهم، وقد أخرج الشيخان من حديث أبى بكرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام».
وقد اختار المصريون إحدى الروايتين عن الإمام أحمد التى ترى تضمين الطبيب وإلزامه بتعويض المريض عن الأضرار التى أصابته بسبب سوء تقدير العلاج، فالشعب المصرى لا يرى غضاضة فى ملاحقة الأطباء إداريا فى النقابات والإدارات، وقضائيا فى المحاكم والنيابات عندما يلحق بمريضهم الأذى بسبب خطأ المداواة أو سوء تقديرها؛ إيمانا بصحة العمل بهذا الوجه الفقهى الصادر من أهله.
وترك المصريون مذهب الجمهور الذى يرى عدم ملاحقة الطبيب إذا أخطأ فى اجتهاده العلاجى طالما كان حاذقا ومأذونا له فى التطبيب؛ باعتباره أمينا، ولا ضمان على مؤتمن.
ولم يكن ترك المصريين لمذهب الجمهور فى هذه المسألة تعسفا أو تمردا، وإنما هو اتباع لسماحة شريعتهم التى تتسع لصحة العمل بتلك الأوجه الفقهية الصادرة عن أهلها، وجعلت حق الاختيار لعموم الناس بحسب ما يرونه أكثر انضباطا لمصالحهم. فإذا كان اجتهاد الخواص من الفقهاء ينطلق من النص الشرعى بدلالاته المتعددة؛ مراعيا المقاصد الفنية. فإن اجتهاد العوام من المسلمين ينطلق من الاختيار من فتاوى الفقهاء المتخصصين بأوجهها المتعددة؛ مراعيا المصالح العقلية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

وفاء عطوة

ضمان الطبيب

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة