سعد الدين الهلالى

الوضوء بماء الشرب ونحوه

الإثنين، 10 مارس 2014 11:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يجب أن تتحقق صفة الطهارة الشرعية فى مياه الشرب للمسلم، كما يجب عليه أن يتحقق من صفة الطهارة الشرعية فى مياه الوضوء والاغتسال من الجنابة ونحوها.

وشرط الطهارة فى مياه الشرب وفى مياه الوضوء ليس هو الشرط الوحيد فى الأمرين. فإذا تكلمنا عن المياه الصالحة للشرب اشترطنا - أيضاً- نقاءها من البكتريا الضارة والأملاح الزائدة واستحسانًا أن يضاف إليها معطرات النكهة اللذيذة وأن تكون فى درجة برودة معينة.

أما إذا تكلمنا عن المياه الصالحة لطهارة الوضوء والاغتسال فإننا نشترط- أيضاً - أن تكون من المنابع الطبيعية كماء المطر وماء النهر وماء البئر وماء العين وماء البحر، وهو ما يعرف عند الفقهاء بالماء المطلق، أى الماء الخالى عن الأوصاف إلا اسمه وهو الماء، ولا يضر الماء المطلق ما يصيبه من مخالطة الطبيعية التى يشق الاحتراز منها مثل الوحل على الشواطئ ومثل ملوحة ماء البحر ومثل العكر بغبار الجو لماء المطر؛ لعموم قوله تعالى: «وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به» «الأنفال: 11»، وأخرج الترمذى وصححه عن أبى هريرة، أن رجلاً سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأ به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو الطهور ماؤه الحل ميتة». وأخرج الترمذى وحسنه عن أبى سعيد الخدرى، أنه قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة، وهى بئر كانت السيول تجرف إليها دم الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله: «الماء طهور لا ينجسه شىء».

مما سبق يتضح أنه لا يوجد ارتباط بين ماء الشرب للآدميين وبين ماء الطهارة للوضوء والاغتسال، فقد يكون الماء صالحاً للشرب وليس صالحاً لطهارة الوضوء أو الاغتسال مثل الماء المغلى بالأعشاب كالشاى أو المطبوخ باللحم الطيب كالمرقة. وقد يكون الماء صالحاً لطهارة الوضوء والاغتسال، وليس صالحاً لشرب الآدميين مثل ماء البحر والماء المخالط للوحل على الشاطئ.

وعندما تقدمت الحضارة الإنسانية فعرفت صناعته مياه الشرب بمعالجة مياه الأنهار والآبار بالكيمياويات القاتلة للبكتريا كالكلور، وخلطها بمعطرات النكهة المنعشة كماء الورد والزعفران فى محطات تنقية وتحلية خاصة. كما تقدمت الحضارة الإنسانية فعرفت المنظفات الكيماوية كالصابون والشامبو وغيرهما مما يساعد على إزالة الدرن والوسخ عند الاغتسال. وقع خلاف فقهى كبير فى مدى صلاحية تلك المياه المعالجة لطهارة الوضوء والاغتسال خاصة مع خلطها بالمنظفات الطبيعية أو الصناعية.

ويرجع سبب الخلاف إلى أن هذا الماء المعالج بالكيماويات، وأن هذه المنظفات المضافة قد أخرجت المياه الطبيعية عن أصل خلقتها بيد بشرية عامدة. وقد اختلف الفقهاء قديما فى حكم طهارة الوضوء أو الاغتسال بالماء المطلق إذا خالطه من غير جنسه شىء طاهر كالسدر والكافور والزعفران مما يمكن التحرز منه، وذلك على مذهبين فى الجملة.

المذهب الأول: يرى أن الماء المطلق إذا خالطه طاهر يمكن الاحتراز منه كالزعفران والصابون والكلور فتغير به أحد أوصافه من اللون أو الطعم أو الرائحة فإن هذا الماء يفقد صلاحيته للتطهير، فهو وإن كان طاهراً فى نفسه إلا أنه لا يصلح لتطهير غيره وضوءا أو اغتسالاً، وعلى صاحبه أن ينتفع به فى العادات كالطبخ والشرب والنظافة بحسب العادات. وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية ورواية للحنابلة. وحجتهم: ما أخرجه ابن ماجه بسند فيه ضعيف عن أبى أمامة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الماء لا ينجسه شىء إلا ما غلب على ريحه وطعمه لونه». وأيضاً فإن هذا الماء المخالط لطاهر لم يعد مطلقاً لتغير أحد أوصافه عمداً.

المذهب الثانى: يرى أن الماء المطلق إذا خالطه شىء طاهر كالزعفران والكلور والصابون فإن هذه الخلطة لا تفقده صفة الإطلاق، ولا تحول دون صلاحيته لطهارة الوضوء والاغتسال، وإلى هذا ذهب الحنفية ورواية للحنابلة. واشترط الحنفية ألا يكون التغيير عن طبخ ؛ لأن الماء المطبوخ بشىء طاهر يخرج عن اسم الماء بالطبخ. وحجة أصحاب هذا المذهب: ما أخرجه النسائى والبيهقى بسند فيه مقال عن أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد فى قصعة فيها أثر العجين. قالوا: فلو كان الاختلاط يمنع التطهير لما اغتسل النبى صلى الله عليه وسلم بماء فيه أثر العجين، ولأن المخالط طاهر فلم يسلبه اسم الماء فأشبه بالمختلط بالطحلب والوحل على الشاطئ.

وقد اختار المصريون مذهب الحنفية ورواية للحنابلة فى هذه المسألة، وهى صلاحية الماء المطلق المخالط للطاهر من الكلور والزعفران ومنه هذا الماء الذى يصل إلى المنازل عبر مواسير تعرف بشبكة مياه الشرب، وأطلقوا على صنابير المياه اسم الحنفية تكريماً للمذهب الحنفى الذى لا يرى مانعاً شرعياً من الطهارة بهذا الماء، وصلاحيته للطهارة أيضاً إن خالطه الصابون والشامبو وغيرهما من المنظفات، وترك المصريون مذهب الجمهور الذى يرى عدم صلاحية هذا الماء لطهارة الوضوء والاغتسال؛ نظراً للحرج والمشقة التى تلاحقهم إن أخذوا بمذهب الجمهور، مع الرحمة واليسر إن أخذوا بمذهب الحنفية هنا؛ عملاً بعموم قوله تعالى: «وما جعل عليكم فى الدين من حرج» «الحج: 78»، وما أخرجه الشيخان عن عائشة قالت: ما خير النبى صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه. ولقن المصريون من يعتقد الصواب المطلق لمذهب الجمهور درسًا فى هذه المسألة وأمثالها، فالصواب ما يطمئن إليه القلب وليس ما يقوله الأكثرون بالضرورة. وإلا فعلى مقلدى مذهب الجمهور عند الوضوء أو الاغتسال من الجنابة أن يمتنعوا من استعمال مياه الشرب المعالجة، وليتحملوا نتيجة اختيارهم فى الذهاب إلى الأنهار أو البحار أو الآبار ليتوضأوا من مائها، أو عليهم أن يحملوا ماءها إلى محال وضوئهم، ولا يلومن إلا نفسه؛ لعموم قوله تعالى: «وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه» «الإسراء: 13».








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد كمال

شكرا جزيلا

جزاكم الله خيرا وشكرا جزيلا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة