ناجح إبراهيم

نظرية المؤامرة تعصف بالعقل الإسلامى المصرى

الخميس، 06 فبراير 2014 03:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعتقد أن «نظرية المؤامرة» كانت سببا رئيسيا فى تدمير العقل العربى والإسلامى فى القرن الأخير، وخاصة بعد تبنى كثير من أبناء الحركات الإسلامية لهذه النظرية وعشق البعض لها واستخدامها فى تفسير كل الأحداث التى تحدث محليا وعالميا، فالمؤامرة موجودة وخاصة فى مجالات السياسة والعلاقات الدولية.. ولكنها لا تحرك الكون ولا تصنع الأحداث ولا تأتى بالنصر لفريق ولا تصيب بالهزيمة آخر.. فمن أخذ بأسباب النصر انتصر حتى لو لم يكن مسلما.. ومن أخذ بأسباب الهزيمة انهزم حتى لو كان مؤمنا صالحا.

وكنت آمل أن يودع العقل العربى والإسلامى ومعهم شباب الحركة الإسلامية نظرية المؤامرة إلى غير رجعة.. ويعمل بدلا منها بفقه السنن الكونية.. وفقه المراجعات.. وفقه سنن النفس البشرية.. وسنن التدافع.. وفقه المصالح والمفاسد.. وفقه المآلات والنتائج.. ولكنى كنت واهما حينما تصورت أن معظم الأجيال الجديدة من الشباب المصرى والعربى وشباب الحركة الإسلامية المعاصرة سيترك هذه النظرية.

فقد ذهلت حينما وجدت الكثير ممن تناقشت معهم يعزو مذبحة جنود الأمن المركزى- التى ذبح فيها 25 جنديا من الأمن المركزى قتلوا غيلة وغدرا فى سيناء- إلى تدبير الجهات الأمنية المصرية.. وأنها فعلت ذلك لتغطى على مذبحة أبى زعبل والتى قتل فيها 36 من السجناء الإسلاميين ظلما وعدوانا فى منطقة سجون أبى زعبل.. وكأن مذبحة هؤلاء الجنود هى أول مذبحة تحدث من جماعات التكفير بسيناء.. مع أن بعضها تم فى عهد د. مرسى مثل مذبحة رفح التى قتل فيها التكفيريون 16 جنديا من الجيش المصرى وهم يفطرون فى المغرب فى شهر رمضان.. وكذلك خطفهم لـ7 جنود من الأمن المركزى كرهائن لمبادلتهم بتكفيريين محكوم عليهم فى السجون المصرية.. فضلا على أكثر من سبعين عملية قام بها التكفيريون فى سيناء منذ ثورة 25 يناير قبل وصول د. مرسى إلى سدة الحكم.. فضلا على مئات العمليات التفجيرية ونصب الكمائن وقنص الجنود واغتيال الضباط فى سيناء وغيرها بعد عزل د. مرسى.

لقد ذكرنى ذلك بالذين قالوا قديما: إن الحكومة هى التى قتلت الشيخ الذهبى لتغطى على سرقات آخرين فى وزارة الأوقاف.. أو أن مبارك هو الذى قتل المحجوب لأنه كان يعارضه.. وأن المخابرات الأمريكية هى التى قتلت السادات لأن دوره قد انتهى.. وأن الموساد هو الذى قام بأحداث 11 سبتمبر.. وأن حرب أكتوبر هى تمثيلية قام بها السادات بالاتفاق مع أمريكا وإسرائيل.. ولست الآن بصدد مناقشة كل حدث من هذه الأحداث بالتفصيل رغم أننى قابلت صناع بعض هذه الأحداث.. وحكوا لى تفاصيلها.. ولكنى سأتحدث عن بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

1 - إن الذين قتلوا الشيخ الذهبى بعد أن خطفوه وآذوه ووضعوا العصابة فوق عينيه فى مكان مهجور ثم قتلوه بالمسدس فى عينه اليسرى وهو شيخ كبير وعالم جليل من علماء الأزهر هم دعاة التكفير من أتباع شكرى مصطفى.. وهذا معروف تاريخيا ًبالتفصيل.. لقد نسى أصحاب نظرية المؤامرة أن أى رئيس جمهورية إذا أراد أن يقتل أحدا فيكفيه كوبا مسموما من العصير لأداء هذه المهمة.. ثم ما هو الخطر الذى يمثله عالم أزهرى طيب مثل د. الذهبى الذى تقاعد من الوزارة على الرئيس السادات الذى أقال أكبر ضباط الجيش دون أن تهتز له شعرة.. والذى قبض على كل معارضيه ممن أسماهم بمراكز القوى فى يوم واحد وكانوا يشغلون كل مناصب الدولة الهامة والحساسة وكان وقتها فى أضعف حالاته.

2 - قال البعض بعد ثورة 25 يناير، إن حسنى مبارك هو الذى قتل د. رفعت المحجوب..
ورغم أننى لا أحب مبارك وسجنت نصف عمرى فى عهده.. فإن «الحقيقة هى الحقيقة والتاريخ هو التاريخ.. لا يزيف إكراما للصالحين ولا قدحا فى المفسدين».

وقد تعجبت أن أولاد د. المحجوب صدقوا ذلك وزعموا أن السر فى ذلك أن د. رفعت المحجوب كان معارضا لمبارك.

والحقيقة أن بعض أبناء الجماعة الإسلامية هم الذين قاموا بذلك عن طريق الخطأ وكانوا يقصدون وقتها اللواء/ عبد الحليم موسى وزير الداخلية ثأرا لقتل الداخلية للمتحدث الرسمى باسم الجماعة د/ علاء محيى الدين دون وجه حق.. وفى قارعة الطريق فى الجيزة.. ونظرا للتشابه الكبير فى السيارات والأماكن قتل د/ المحجوب بطريق الخطأ.

وقد عجبت كيف يسير الجميع خلف نظرية المؤامرة فى هذا الأمر.. فلو كان مبارك يريد عزل المحجوب لعزله دون عناء.. وقد عزل من هو أقوى منه بكثير مثل المشير أبوغزالة دون كثير تدبير أو عناء.

ولو أراد مبارك قتل المحجوب ما قتله بهذه الطريقة المبسطة جدا بـ«الموتوسيكلات» والتى أدت إلى قتل سائقه وحارسه معه.. وكان يكفيه كوبا من العصير المسموم ليموت فى هدوء وسكينة ودون قيل أو قال.. أو تحقيقات أو نيابة.

ولكن نظرية المؤامرة التى أفسدت العقل العربى والإسلامى.. وحجبته عن رؤية الأحداث بطريقة صحيحة وتحليلها بدقة واستنباط العبر والعظات منها هى التى انحرفت بالعقل العربى والمصرى والإسلامى بعيدا عن جادة الصواب.

إنها تريح أصحابها دائما إذ إنهم لم يقعوا فى أى خطأ على الإطلاق فى الوقت الذى قام عدوهم وخصمهم بكل الأدوار.. من دور البطولة إلى دور الكومبارس.

إن هذا لا يعنى أن الحكومات فى مصر أو غيرها من دول العالم شريفة أو نظيفة أو بعيدة عن التآمر على خصومها.. ولكنه يعنى الإنصاف من نفسك ومن غيرك.. والاعتراف بخطئك إذا أخطأت.. وتحميل الآخرين مسؤولية أخطائهم أيضا.. فيكون كل واحد مسؤول عن خطئه ليبدأ فى تصويبه وتصحيحه.

إننى فى كل يوم أعيش فى دهشة حينما أجد أن نسبة كبيرة من الشباب المسلم ينتمى فكريا لنظرية المؤامرة.. فينسب كل الاغتيالات التى تحدث الآن للضباط إلى أنها من تدبير الحكومة والداخلية نفسها.. وأن التفجيرات التى تحدث فى مبانى المخابرات الحربية هى من تدبير هذه المخابرات أصلا.. وأن التفجيرات التى تحدث فى مديريات الأمن هى من تدبير الأمن نفسه.. فإذا سألت عن العلة من أن يفجروا أنفسهم بأنفسهم أو يقتلوا أنفسهم بأيديهم؟.. قالوا: لتبرير القبض على الإسلاميين ومحاكمتهم؟.. وهل الحكومات فى كل عصر تحتاج لمبررات للقبض عليهم؟

إننا نعيش اليوم حالة سيئة من الإنكار المتبادل.. فالحكومة تنفى مسؤوليتها عن مذبحتى رابعة وأبى زعبل.. والإسلاميون ينفون مسؤوليتهم عن مذابح الجنود فى سيناء وعشرات التفجيرات واغتيال الضباط وقنص الجنود فى الكمائن ومذبحة كرداسة و.. و.. وكأن العفاريت نزلت من السماء فقامت بذلك كله.

إن نظرية المؤامرة التى تنفى المسؤولية تماما عن الجميع لتضعها دوما على عاتق أجهزة المخابرات المحلية والعالمية، تريح العقل الإسلامى من عناء التفكير المنطقى فى الأمور.. وتحد من قدرته على حل المشكلات، وتحول بينه وبين التفكير المنطقى فى المشكلة والتحليل السليم لأسبابها كمقدمة للوصول إلى المخرج السليم والحل الصحيح لها.

إن المعنى الحقيقى لنظرية المؤامرة هو إلغاء إرادتنا.. بل كل الإرادات سوى إرادة أجهزة الاستخبارات المحلية والدولية.. إنها تعنى تعليق كل الأخطاء والسلبيات على شماعة المؤامرة الأمريكية الصهيونية الإمبريالية العلمانية.. وكأنه لا دور لنا فى أى شىء.. أو كأننا لم نخطئ فى شىء قط.. وكأن كل مآسينا وإخفاقاتنا ليست من صنع أيدينا.. بل من صنع خصومنا وأعدائنا.. إنها تعنى أن نتجاهل دوما أخطاءنا الاستراتيجية ونعلقها على شماعة الآخرين.
فلماذا نصحح فكر التكفير أو نرفع الغطاء الشرعى والسياسى عن تكفيرى سيناء مادامت الأجهزة الأمنية هى التى تذبح الجنود وتغتال ضباطها.. وهى التى تصطنع الأزمة تلو الأزمة والتفجير تلو التفجير؟

لقد تسللت نظرية المؤامرة من التيار اليسارى الاشتراكى إلى العقل الإسلامى الذى أعجب بها ووجد فيها طوقا للنجاة من كل خطأ يقع فيه.. أو كل أزمة تحدث له.. فالخطأ دوما عند الآخرين.

مع أن المتأمل للقرآن يجده قد ذكر سنتين للتغيير وهما:
1 - سنة التغيير السلبى: وذلك فى قوله تعالى «ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ».

2 - سنة التغيير الإيجابى: وذلك فى قوله تعالى «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»

ويؤسفنى أن أقول فى الختام: إن أول من اخترع نظرية المؤامرة هو فرعون الذى قال لسحرته حينما آمنوا بسيدنا موسى «إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِى الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ»

فأرجع إيمانهم بالآيات إلى مؤامرة صنعها نبى الله موسى معهم.. مع أن هذا مخالف للحقيقة.. لقد أراح نفسه بهذه النظرية من التفكير بجدية وصدق فى رسالة سيدنا موسى والإيمان به.

ألم أقل لكم إن نظرية المؤامرة تريح العقول مؤقتا، لنقع بعدها فى كارثة تلو الأخرى؟













مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

برنس عيسي

مقال رائع

يا لها من موعظة لو صادفت من القلوب حياة

عدد الردود 0

بواسطة:

sadx55

أبلة فاهيتا

عدد الردود 0

بواسطة:

على عليوه

ما لا يؤخذ كله لا يترك جله

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة