براء الخطيب

نزلة كاركاس.. راحوا فين حبايب الدار.. يا دار قوليلى يا دار

السبت، 22 فبراير 2014 06:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اليوم يعود الولد المشاكس وحده، بعد 32 سنة بالتمام والكمال، يعود إلى بيت كان قد تربى فيه مع شقيقتيه، لكنهم كانوا قد خرجوا منه نهائيا مع والديهم، فقد كان الأب «معين بسيسو» يرحل بأسرته نهائيا من بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلى للبنان عام 82، حيث فرض العالم المتحضر كله على منظمة التحرير الفلسطينية الخروج النهائى من لبنان، يومها رحل «معين» بأسرته إلى تونس، لكن «صهبا البربرى» زوجته رفضت الرحيل دون أن تأخذ معها كل شىء فى هذا البيت الذى ربت فيه أبناءها، فكيف ترحل دون أن تأخذ فراش أبنائها؟ دون أن تأخذ معها ذلك المقعد أو تلك الأريكة التى كان يجلس عليها «معين» يملى عليها قصائده و«دفاتر فلسطينية»؟ دون أن تأخذ معها صورة حبيب القلب التى كانت تعلقها على الجدار فى مدخل البيت؟ أو حتى كوبا أو طبقا كان أولادها يشربون أو يأكلون فيه؟
وبالنسبة لى لم يمض يوم واحد فى أثناء سنوات الحرب الأهلية فى بيروت لم أدخل هذا البيت الذى كان «معين بسيسو» يعيش فيه مع «صهبا» و«توفيق» و«مليكة» و«داليا»، كانت الشقة فى الطابق الرابع من عمارة «الريشانى» فى نزلة «كراكاس» مدخل رأس بيروت القريبة من شاطئ البحر، فى هذه العمارة كان يسكن بعض أبناء العائلات اللبنانية العريقة «عيتانى، اللبان، النفرى، حويلة» وكان جار «معين» فى نفس الطابق هو المارونى الطيب لطيف المعشر «رشيد حويلة»، أما الذى كان يسكن فى العمارة المواجهة لعمارة «معين» فهو الأستاذ «أنطوان قربانى» المتزوج من سيدة إيطالية، وعلى ما أذكر كنا فى سنة 80 عندما جاء الأستاذ «قربانى» إلى «معين» هلعا وباكيا ومستنجدا بأن يجد له حلا فى تلك المصيبة التى حلّت عليه، فقد هجم «زعران» حى «الزيتونة» بالقرب من خطوط التماس «الهولداى إن وفينيسيا» على مستودعات ومخازن شركة «فيات» للسيارات واستولوا على أكثر من 100 سيارة، ولما كان الأستاذ «أنطوان قربانى» هو وكيل شركة «فيات» فإن سرقة أكثر من 100 سيارة سوف يقضى على مستقبله هذا إذا لم يقض على حياته نفسها، ذهب «معين» إلى «ياسر عرفات» ومعه «قربانى» فكلف «عرفات» القائد «أبوإياد» ببحث الأمر، ولم يكن هناك طبعا من يمكن أن يلجأ إليه فى مثل هذه المهام إلا «كاتم الصوت» رجل «أيلول الأسود» القوى «عاطف بسيسو» الذى استطاع فى أقل من شهر استعادة جميع السيارات التى سرقها الزعران.
كان «توفيق» يومها لا يزيد عمره على 12 سنة وهاهو يعود اليوم إلى بيروت بعد 32 سنة، ليبدأ فى التجهيز مع دار نشر «الفارابى» فى نشر الأعمال الكاملة لأبيه الراحل شاعر فلسطين «معين بسيسو»، ويمر على البيت الذى تربى فيه، اليوم يعود «الولد المشاكس»، لم يكن معه غير ريح يبكى الليالى الماضية، غلبه الشوق واستبد به الحنين إلى رائحة مدخل الشقة، ونجح فى استئجارها من السمسار المكلف من أصحاب العمارة بتأجيرها، وكان لابد له أن يجتمع بأسرته فى بيتهم القديم، فكيف يكون له ذلك وقد توفى الأب واستقرت الأم فى «غزة» و«داليا ومليكة» فى الخليج؟، فليرسل لشقيقتيه ليحضرا من «الإمارات» لقضاء ليلة واحدة أو حتى ليلتقوا على العشاء كما كانوا يفعلون دائما: «يا دار قوليلى يا دار/ راحوا فين حبايب الدار/ فين فين قولى يا دار/ لياليك كانت نور/ يسبح فى ضيه بحور/ صرخة صدى مهجور/ مرسوم فى كل جدار» وبالفعل تحضر شقيقتاه من الخليج بعد أسبوع ليجتمع «توفيق» و«مليكة» و«داليا» على العشاء بدون الأب الذى مات أو الأم التى تعيش على تراب الوطن فى غزة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة