بالصور.. صوامع غلال سيدنا يوسف تحاصرها حفر لصوص الآثار.. هنا "ميت رهينة" المعابد تحولت إلى "خرابات".. وسرقة أكثر من 5 آلاف قطعة أثرية منذ الثورة.. ومصادر: ثمن المسروقات يتخطى مليارات الجنيهات

الأربعاء، 12 فبراير 2014 01:46 ص
بالصور.. صوامع غلال سيدنا يوسف تحاصرها حفر لصوص الآثار.. هنا "ميت رهينة" المعابد تحولت إلى "خرابات".. وسرقة أكثر من 5 آلاف قطعة أثرية منذ الثورة.. ومصادر: ثمن المسروقات يتخطى مليارات الجنيهات ميت رهينة
كتب محمود عبد الراضى ورانيا فزاع

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أكوام قمامة متراكمة، وحفر منتشرة وسط تلال رملية، ومياه جوفية طافحة على السطح ومبانى مقامة وسط أماكن أثرية، وأطفال يلهون ببقايا قطع أثرية مهدمة، هذا هو المشهد الذى يقابلك بمنطقة "ميت رهينة الأثرية" التى كانت عاصمة مصر القديمة أو "ممفيس" كما كان يطلق عليها.



والتى تحولت بفعل الإهمال وغياب الرقابة من قبل مسئولى الأمن والشرطة السياحية إلى واحدة من أهم مناطق الاتجار بالآثار إضافة إلى ما تعانيه من إهمال شديد فيما تبقى بها من آثار.. ويظهر هذا فى آثار الحفر تحت المنازل وعلى المعابد التى تحولت إلى ما يشبه "الخرابات".



يحاول سكان القرية استغلال الآثار الموجودة بالمنطقة من خلال الحفر أسفل البيوت ووسط الآثار، ثم بيعها والاتجار بها لتحقيق مكاسب مالية سريعة، وسط غياب حقيقى للدولة هناك مما أدى إلى ضياع القيمة الأثرية للمنطقة وتحولت إلى مجرد منطقة سكنية عشوائية.

تبعد ميت رهينة عن محافظة الجيزة بحوالى نصف الساعة والطريق لها، طويل وغير ممهد تتوسطه أكوام القمامة، وتتراص على جانبيه بيوت سكنية مقامة بشكل عشوائى تعكس عدم تناغمها مع الطراز المعمارى للقرى، كما تؤكد ثراء سكانها.



تصنف القرية على أنها واحدة من المناطق الأثرية بالمحافظة والتى كانت تحظى بأرتفاع أعداد زيارات السياح قبل ثورة 25 يناير وفقا للأهالى ولمسئولى الشرطة السياحية بالمنطقة، وتحول الأمر بعد ذلك فأنخفض عدد الزوار.



الاتجار بالآثار هى المهنة الأساسية لسكان القرية وهو أمر لا ينكره المواطنون هناك ويقولونه بمجرد الحديث، "هـ.م" واحد من سكان القرية قابلناه على مدخلها، وبسؤاله عن منطقة " تل العزيز " وهى أحد المناطق الأثرية بالمنطقة والتى بها السجن الذى أودع به سيدنا يوسف عليه السلام، إضافة إلى مخازن الغلال الخاصة به.



تردد "هـ.م" فى الحديث معنا فى البداية وتخيل أننا تجار ونبحث عن أثار فى المنطقة وبعد التأكد من هويتنا الصحفية بدأ التجول معنا.



"معبد بتاح" كان وجهتنا الأولى، والذى لا تجد فيه إلا لافتة مدون عليها اسمه وسور حديد يحيطه وأكوام قمامة متراكمة بداخله، ولا يوجد أثر لحارس أو مسئول أو حتى قطع أثرية، تشير إلى مزار سياحى أو متحف أو معبد، بجوار المعبد قابلنا كهل ستينى أكد لنا أن هذا المعبد هو جزء من " ممفيس " عاصمة مصر وأن بقية الآثار بالمتحف إذا أردنا مشاهدتها، أهل القرية يعلمون قيمة الآثار الموجودة بالمنطقة ولديهم عنها معلومات، اكتسبوها من عيشهم بجوارها.



"هـ.م" يؤكد أن عملهم الرئيسى هو الحفر واستخراج الآثار والاتجار بها قائلا "بدأ العمل فى استخرج الآثار بشكل يومى تقريبا بعد ثورة 25 يناير، وتراخى القبضة الأمنية على المنطقة مما دفع عدد كبير من السكان فى القيام بالحفر يوميا بحثا عن الآثار".



ويتابع "هـ.م" حديثه قائلا "يبدأ الحفر ليلا فى حوالى الثانية صباحا أو بعدها بقليل، ويعرف السكان الأماكن التى يوجد بها آثار، من خلال ما يعرف " بالشيوخة " وهى الأتيان بعدد من الشيوخ، يتنجمون بمعرف إذا كانت توجد آثار بالمكان من عدمه.



وأكد "هـ.م" أن هذه الطريقة غير مجدية ويجد السكان الآثار بالصدفة فى المنطقة، ولكنه عاد يقول أن أغلب المساكن هناك توجد أسفلها آثار، كما أن أغلبها من الذهب"، ولفت إلى أن آخر الاكتشافات التى حدثت فى المنطقة كانت مقبرة كاملة وجدها أحد المواطنين أسفل منزله أثناء قيامه بالحفر، وكانت كلها من الذهب وقام ببيعها كاملا ".



وكشف أن أغلب الآثار التى يتم بيعها تباع لأجانب من دول عدة خاصة فرنسا، ويوجد مصريين يقومون بالشراء ولكن ليس بنسب كبيرة مثل الأجانب، وأكد أن البيع يتم من خلال وسيط يقوم بالاتفاق مع البائع الذى يحفر أسفل منزله وبين المشترى الذى يبيع ما وجد، بأسعار مرتفعة".



المياه الجوفية التى تطفح على السطح تجدها فى كل مكان أثناء سيرك بالمنطقة، مما يؤكد الخطر الذى تتعرض له الأثار هناك وعدم تحرك أحد لاستخراجها وحمايتها، البناء فى المنطقة أمر مشروع فأى فرد من حقه بناء منازل جديدة وشراء أراض جديدة رغم أن كافة المنطقة تخضع لإشراف شرطة السياحة إلا إنها، لا تهتم بالمراقبة عليها، ورغم أن المنطقة مليئة بالآثار لكن الزحف العمرانى جعلها منطقة سكنية مزدحمة.



وقال شيخ مسن ـ رفض ذكر اسمه ـ لـ"اليوم السابع": منطقة "ميت رهينة" وقعت على أرضها كوايس قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وهنا تحول الصديق وعاشت زليخة وعزيز مصر، وهذه النخيل تطرح أفضل الثمار ببركة الأنبياء وبمن عاشوا فى هذه المنطقة، وان اصل تسمية مدينة البدرشين التى تتبعها قرية "ميت رهينة" عندما وصل يوسف عليه السلام إلى الحكم وأصبحت "زليخة" متسوله عقب وفاة زوجها عزيز مصر، وبينما يوسف يسير بالموكب استوقفته "زليخة" فنظر إليها وقد تغير ملامح وجهها الجميل، فقال لها "مال البدرشين" أى يتعجب من تحول البدر إلى شىء قبيح، ثم تحرف الاسم إلى "البدرشين".



وأضاف الشيخ العجوز، بأنه قبل ثورة 25 يناير كانت قوات الأمن وشرطة السياحة والآثار تعطى أهمية لهذه المنطقة المترامية الأطفال، وتمنع الأهالى وتجار الآثار من الزحف إليها، لكن مع اندلاع ثورة 25 يناير وبعد انتشار حالة الانفلات الأمنى بدأت الأمور تتغير بالمنطقة تدريجيا، حيث أصبح هناك هجوم جماعى من الأهالى وقاطنى المنطقة على القطع الأثرية التاريخية الموجودة بالمكان خاصة تل العزيز، فإن ميت رهينة ومنازلها متواجدة على بحر من الآثار وإذا حفرت ما لا يزيد عن 5 أمتار فى أى مكان بالقرية خاصة بالقرب من تل العزيز ستجد قطع أثرية حتماً.



وتابع الشيخ المسن قائلا، بدأ "الغجر" يزحفون إلى المنطقة ويقيمون "عشش" صغيرة على المساحات الواسعة بتل العزيز، وبالليل يواصلون عمليات الحفر بحثاً عن الآثار، فى ظل غياب تام لشرطة السياحة والآثار، ونجحوا بالفعل فى الحصول على آلاف من التماثيل النادرة التى تم بيعها للأجانب، مضيفاً، بأنهم حفروا فى تل العزيز بعد صورة 25 يناير وحصلوا على غلال كبيرة الحجم، وعرفوا بأنها بقايا الغلال التى تم تخزينها فى "الصوامع" فى السنوات العجاف التى شهدتها البلاد، وذلك بناءً على نصيحة من يوسف لعزيز مصر وقتها بتخزين هذه الغلال، وفكر أهالى القرية فى زراعة هذه الغلال فى الأرض إلا أنها لم تنبت.



توجهنا إلى هناك حيث "تل العزيز" أشهر مكان بميت رهينة بعد المتحف، حيث مساحات شاسعة من الأراضى الفضاء وبها قمام طينية مرتفعة لعدة أمتار، تسلقنا نحوها بصعوبة بالغة، حتى وصلنا فى نهاية الأمر إلى القمة حيث هناك صخور كبيرة وعددا من الأحجار، عرفنا من أهالى المنطقة بأن هذا المكان كان به صوامع الغلال التى تم تخزينها لمدة سبع سنوات، من فوق هذا المكان المرتفع تنظر بعينك لتشاهد جميع منازل ميت رهينة أسفل قدميك، وترى من عندها طريق مصر أسيوط الزراعى الذى يمر أمام مدينة البدرشين.



تحركنا لعدة دقائق حول هذه التلال والمرتفعات وشاهدنا حفرة عميقة ودخلنا بها قطرها لا يتخطى المتر الواحد إلا أنها عميقة، وعرفنا أنها تم حفرها من قبل تجار الآثار بحثا عن التماثيل، بينما وجدنا هنا وهناك حفر صغيرة كلها تم حفرها بحثا عن الكنوز.



اللافت للانتباه انك تدخل المكان بسهولة وتتحرك فيه كيفما تشاء وتتجول وتدخل الحفر وتخرج منها وربما تحفر بنفسك إذا طاب لك الأمر، شريطة أن يكون برفقتك أحد أهالى القرية فقط، لكن المشهد لا يوجد فيه أى أحد من شرطة السياحة والآثار، وتكاد تخرج من منطقة تل العزيز حيث على أطرافها كافتيريا كبيرة تم تشيديها بالطوب الأبيض وبعض الأسوار على مساحات كبيرة عليها لافتة مكتوب عليها "كافتيرا العزيز"، وتبين أن هذه المساحات التى تقام عليها الكافتيريا كان يجلس فيها عزيز مصر برفقة زليخة وأنها مكان أثرى وتاريخى، لكنها أصبحت مقهى.



وبعد ساعات داخل القرية قررنا مغادرتها إلا أن هناك مفارقات عجيبة حيث تجد منازل أشباه القصور والفيلات وأخرى مثل العشش جدرانها قديمة والشروخ متناثرة عليها، وعرفنا من أحد الاشخاص الذى كان برفقتنا بأن المنازل المتهالكة التى تظهر الشروخ عليها بسبب عمليات الحفر أسفلها، وأن القصور تم بناؤها بعد بيع الآثار والذهب الذى تم الحصول عليه، مؤكدا بأن أسرة فقيرة كانت تعيش فى منزل بدائى عثروا أسفله على مقبرة كاملة باعوها بملايين الجنيهات وشيدوا قصراً مكان منزلهم القديم، لافتا إلى أن تجارة الآثار أمرا متعارف عليه بالقرية.



وأكد مصدر أمنى، بأنه منذ ثورة 25 يناير تمكن اللصوص وتجار الآثار من استخراج أكثر من 500 تمثال أثرى معظمها يرجع تاريخها إلى العصور الفرعونية والبعض منها مرتبط بزمن سيدنا يوسف عليه السلاح، وان المتهمين يتسللون ليلاً إلى المناطق الأثرية من اجل الحفر والعثور على التماثيل واستخراجها لبيعها لعملائهم، لافتا إلى أن قوات الأمن تمكنت من ضبط عدد من المتهمين والأهالى لكن مازال هناك عدد كبير من المتهمين لم يتم الكشف عن هويته أو التوصل إليه.



المعلومات أكدت بأن قيمة القطع الأثرية والكنوز التى تم استخراجها منذ ثورة 25 يناير حتى الآن تخطت مليارات الجنيهات، وأن معظم هذه الآثار التى تم العثور عليها باعها الأهالى والتجار إلى الأجانب وتم تهريبها خارج البلاد، وأن هناك عدم تنسيق بين وزارة الآثار والداخلية من أجل حماية هذه المناطق الأثرية والتاريخية وأن كل مؤسسة تلقى بالمسئولية على الآخر، لكن تبقى الكارثة قائمة ومستمرة ما لم يتدخل المسئولين للحفاظ على ثروات البلاد والتصدى للمخربين.



وتعود أهمية المنطقة الأثرية كما يؤكد الدكتور رأفت النبراوى رئيس هيئة الآثار الأسبق إلى أنها كانت أهم عاصمة مصرية وأقدمها، بعد توحيد القطرين، بين الشمال والجنوب، كما كان لموقعها أهمية كبرى، وكان يعتبره أى محتل موقع استراتيجى للاستفادة منه، وأضاف النبراوى أن التدهور الذى شهدته منطقة ميت رهينة يعود إلى غزو العمران عليها.



لتتحول المنطقة إلى مجرد مجموعة من التلال والنخيل والآثار المهدمة، وأطلال من المعابد والتماثيل، كما تطبق المساكن على الآثار الموجودة بها رغم أهميتها مثل تمثال رمسيس الثانى الذى كان بها قبل نقله للمتحف المصرى.



وأكد النبراوى أن المنطقة تعانى من إهمال شديد على مستوى البنية التحتية وليس فقط الآثار فتنتشر بها القمامة فى كل مكان وتهاجمها المياه الجوفية والصرف الصحى.



سرقات الآثار بميت رهينة أمر معروف حتى للنبرواى نفسه ويقول عنه "شهدت منطقة ميت رهينة عديد من السرقات، كان أكبرها مؤخرا المخزن المتحفى الذى سرق بالكامل وكان يعكس أهمية "ميت رهينة" كعاصمة ثقافية وسياسية ودينية فى الماضى وكان يطلق عليها اسم "ممفيس"، ولها أهمية على امتداد التاريخ المصرى لافتا إلى أن حجر رشيد كتب فى منف.



وطالب النبرواى بوضع ميزانية لتطوير المنطقة وإنقاذ ما تبقى بها من آثار من العبث البشرى والظروف المناخية السيئة، مشددا على ضرورة وضع حراسة قوية لوقف التعدى الجارى على المنطقة باستمرار، وإصدار قوانين وتشريعات تحرم التعدى على الآثار فى المنطقة.



ونادى النبرواى باتخاذ إجراءات لوقف تدفق المياه الجوفية ومشاكل الصرف الصحى هناك من خلال مشروع ضخم يحمى المنطقة من ما يحدث بها، للحفاظ على ما تبقى بها من آثار كانت تشير إلى "ممفيس القديمة" وكانت تحتوى على مقطوعات ذهبية ثمينة ضاعت بفعل الإهمال.



يذكر أن قرية ميت رهينة هى إحدى القرى التابعة لمركز البدرشين فى محافظة الجيزة فى جمهورية مصر العربية. حسب إحصاءات سنة 2006، بلغ إجمالى السكان فى ميت رهينة 23187 نسمة، منهم 11867 رجل و11320 امرأة.




















مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة