سعد الدين الهلالى

الطلاق الشفوى (1)

الإثنين، 08 ديسمبر 2014 11:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المقصود بالطلاق الشفوى أو الشفهى هو التلفظ به عن طريق الشفتين من الإنسان، وهما طبقا الفم دون تحرير هذا الطلاق فى وثيقة رسمية، فهو نسبة إلى الشفة - بفتح الشين مشددة - على وزن فعة، فهى منقوصة بحذف اللام، أما التاء المربوطة فى الشفة فهى تاء التأنيث، واختلفوا فى أصل هذه اللام على قولين، أحدهما: أن الناقص من الشفة واو. فأصل الكلمة: شفوة، لأنه يقال فى الجمع شفوات بالواو مثل سنوات، الثانى: أن الناقص من الشفة هاء، فأصل الكلمة شفهة، لأن تصغيرها شفيهة وجمعها شفاه بالهاء. قال ابن منظور فى «لسان العرب»: والهاء أقيس والواو أعم.

وبدأت قضية «الطلاق الشفوى» تظهر كمشكلة فقهية فى مقابلة «الطلاق الرسمى» لأول مرة فى تاريخ المصريين منذ أكثر من ثمانين عامًا من يومنا هذا، وبالتحديد اعتبارًا من أول أغسطس سنة 1931م، عندما صدرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931م، الذى ينص فى مادته رقم (17) على أنه: «لا تقبل عن الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج فى الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931م ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية».

وكانت الدولة المصرية قد تدرجت بالرفق على رعاياها المواطنين للأخذ بأيديهم إلى نظام توثيق عقود زواجهم وطلاقهم كتطور طبيعى للدولة الحضارية التى تجدد نفسها، بحسب التراكم المعرفى للأجيال السابقة، فقد بدأ التعليم ينشط بين المصريين بمطلع القرن العشرين الميلادى، ويكثر عدد الذين يجيدون القراءة والكتابة بحسب قواعد الإملاء الصحيحة وقواعد الخطوط العربية السليمة، وذلك فى ظل عودة المبتعثين من خيرة شباب المصريين الذين أوفدوا إلى فرنسا وبعض الدول الأوروبية لتحصيل فنون القانون والإدارة والسياسة، ووجدوا فى تلك الدول انضباطًا للمعاملات بتحرير عقود رسمية فى التصرفات ذات الأثر لقراءة أحوال المجتمع وحركته بما يساعد متخذى القرار على الارتقاء بالمستوى العام للمواطنين عن طريق علم الإحصاء البيانى لأعداد المتزوجين والمنفصلين والعزاب، كما تفيد تلك العقود الرسمية أطراف التعاقد لاشتمالها على شروط المتعاقدين بحسب تراضيهم ورؤيتهم المستقبلية لمآل عقودهم، حتى يكون أطراف التعاقد هم أسياد أنفسهم فى آثار عقودهم دون تدخل طرف ثالث بينهم، ولو كان هذا الطرف هو القاضى، وحتى يلتزم أطراف التعاقد بما وقع الاتفاق عليه فلا يظلم أحد المتعاقدين صاحبه بدعوى النسيان أو بعدوان الظلم والإنكار، وكانت عقود الزواج والطلاق فى مصر تبرم بالمشافهة، ويقع الزوجان فى خطر التزامهما بالأمانة والمروءة أخلاقيًا، لعدم وجود ما يلزمهما توثيقيًا، كما كان يكثر النزاع بين الزوجين بسبب ممارسة أحدهما شيئًا لم يحسم عند إبرام عقد الزواج فيرفضه الآخر مثل عمل الزوجة واحتفاظها بدخلها، ومثل الزواج الثانى للزوج على زوجته، وعدم إنفاق الزوج على علاج زوجته أو سفرها لصلة رحمها، وغير ذلك مما يستلزم تدخل أطراف التحكيم أو القضاء للفصل فى تلك النزاعات، فلو أن الزوجين قد أثبتا فى عقد زواجهما رؤيتهما عن تراض لما عساه أن يكون مثارًا للنزاع بينهما لقل احتياجهما إلى طرف ثالث لفض نزاعاتهما المعيشية.
ومن هنا كانت فكرة تحرير عقود الزواج والطلاق، وظهرت وظيفة جديدة فى المجتمع المصرى يتكسب منها أصحابها هى وظيفة المأذونين التى بدأت سنة 1890م عندما صرحت المحاكم الشرعية لهم بتحرير عقود الزواج والطلاق عن طريق تصاريح خاصة، ثم صدرت أول لائحة لعمل المأذونين فى مصر سنة 1915م.

ولم تتجه الدولة المصرية إلى إلزام مواطنيها قسرًا بتوثيق عقود زواجهم وطلاقهم حتى تأخذ بأيديهم رفقًا إلى التوثيق من باب تحقيقه لمصالحهم وضمانه لحقوقهم. وليس من باب التسلط أو تقييد الحريات، وهذا يتكشف للمواطنين تدريجيًا شيئًا فشيئًا من خلال ما يقع من ظلم أحد الزوجين على صاحبه بسبب عدم توثيقه لعقد زواجه، كهروب الزوج أو إنكاره لعلاقة الزوجية، أو كهروب الزوجة أو زواجها بآخر أو تبليها على زوجها الشفوى باغتصابها، وكغير ذلك مما يحدث بسبب خراب الذمم بحكم الانفتاح الذى لا مفر منه. ولا يستطيع القضاء أن يحسم أكثر تلك النزاعات بسبب شهود الزور الذين يستقوى بهم طرفا الدعوى، خاصة الظالم منهما، فلو تحررت عقود الزواج والطلاق رسميًا لما استقوى أحد الزوجين على صاحبه بشهود الزور فى إثباتها أو نفيها.

ثم توجهت الدولة المصرية إلى سن قانون يمنح الملتزمين بتوثيق عقود زواجهم وطلاقهم ميزة الانتفاع بخدمة التقاضى إلا فى إثبات النسب بالزواج المكتوب الذى يحمل إمضاء الزوج، مراعاة لحق الأطفال وذلك بالقانون رقم 78 لسنة 1931م، فلم يعد لمن أبرم زواجه من أول أغسطس سنة 1931م بدون توثيق رسمى حق فى رفع دعوى قضائية لمقاضاة زوجه الآخر، وجعل ذلك وسيلة ضغط أدبية للمواطنين فى توثيق عقود زواجهم وطلاقهم، فالمواطن العنيد الذى يرفض توثيق زواجه لن يتمكن من إرث زوجه الذى مات فى حياته وفقًا للنظام القضائى الرسمى، وليس له الحق فى مقاضاة زوجه الذى تنكر لمعرفته، ولا تملك الزوجة مقاضاة زوجها الممتنع عن الإنفاق عليها لعدم توثيقها لعقد زواجها، ولا يملك الزوج مقاضاة زوجته التى تزوجت بغيره وهى على ذمته فى عقد زواج غير موثق، حتى يرشد الناس ويدركوا أهمية التوثيق لحياتهم فيمتنعون من تلقاء أنفسهم عن الزواج الشفوى ويلتزمون طوعًا بالزواج الرسمى الموثق الذى يساعد المجتمع على الحضارة مبكرًا. وكان استثناء إثبات النسب فى الزواج غير الموثق لمصلحة الطفل الذى لا ذنب له فى إهمال والديه بشأن توثيق زواجهما، فتنص المادة السابعة من القانون رقم 78 لسنة 1931م على أنه: «لا تقبل عند الإنكار دعوى الإقرار بالنسب أو الشهادة على الإقرار به بعد وفاة المورث إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو مكتوبة بخط المتوفى وعليها إمضاؤه».

ثم توجهت الدولة المصرية إلى سن تعديل قانونى يستثنى من منع المتزوجين شفويًا بغير توثيق من حق رفع دعاوى قضائية ناشئة عن هذا الزواج ما لو كان رفع الدعوى لطلب التطليق أو الفسخ لفك أسر الزوجة من رباط الزوجية الدينى عند هجر زوجها الشفوى لها، وذلك بعد انتشار ظاهرة الزواج الشفوى غير الموثق بين طلبة وطالبات بعض الجامعات المصرية، فصدر التعديل بالقانون رقم (1) لسنة 2000م والذى حل محل القانون رقم 78 لسنة 1931م بشأن إجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية والذى أضاف إلى المادة (17) التى تمنع قبول دعاوى ناشئة عن عقد زواج وقع لاحقًا لأول أغسطس سنة 1931م ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية ما نصه: «ومع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرها إذا كان الزواج ثابتًا بأية كتابة».

ونشأ مصطلح «الزواج العرفى» وهو الزواج الشفوى فى مقابلة ما عرف «بالزواج الرسمى» المقيد فى وثيقة رسمية لأول مرة فى مصر اعتبارًا من أول أغسطس سنة 1931م، وهو تاريخ العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931م بشأن لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، الذى يقضى بعدم نظر الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج الواقع لاحقًا من هذا التاريخ إلا أن يكون ثابتًا بوثيقة رسمية. وقد ترتب على صفة الزواج الرسمى بقاء علاقة الزوجية بصفة رسمية إلى أن يثبت عكسها بصفة رسمية، وهذا ما أثار قضية «الطلاق الشفوى» فى الفقه الدينى، وللحديث بقية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة