سعد الدين الهلالى

الوصية الواجبة «3»

الثلاثاء، 02 ديسمبر 2014 12:08 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نجح الفقهاء المصريون فى منتصف القرن العشرين فى وضع إضافة جديدة غير مسبوقة فى الفقه الإسلامى اقتضتها دواعى انتشار ظاهرة الأحفاد اليتامى المحجوبين من الإرث بسبب وجود أحد أبناء الميت، فوجد المصريون لهؤلاء الأحفاد مخرجًا شرعيًا فى عقد الوصية الذى أعادوا دراسته فى المذاهب الفقهية المختلفة، فاستطاعوا أن يجدوا الحل فيما أسموه «الوصية الواجبة».

وقد سبق بيان تعريف الوصية ومشروعيتها وحكمها التكليفى، ثم تطرقنا إلى بيان أهم ضابطين لصحة الوصية حتى لا تصير حقًا يراد به باطلا.

ثانيًا: عدم الوصية للوارث
اختلف الفقهاء فى حكم الوصية للوارث على مذهبين، كما يلى:
المذهب الأول: يرى بطلان الوصية للوارث فى الجملة، وهو مذهب جمهور الفقهاء ذهب إليه فقهاء المذاهب الأربعة المشهورة ومذهب الظاهرية، واختلفوا فى صفة هذا البطلان على قولين، ذهب أكثرهم إلى أنه بطلان نسبى لحق الورثة فهو موقوف على إجازتهم فإن أجازوها نفذت وإلا فلا، وذهب الظاهرية وقول عند المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه بطلان مطلق فهو والعدم سواء، لأن المنع من الوصية للوارث غير معلل، فإن أراد الورثة صرف مقدار الوصية لأحدهم الموصى له كان تصرفهم هذا عطية مبتدأة منهم وليس إنفاذًا للوصية، وحجة أصحاب هذا المذهب فى بطلان الوصية للوارث فى الجملة: «1» ما أخرجه أحمد وأكثر أصحاب السنن بإسناد حسن عن أبى أمامة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث». «2» ما أخرجه الدارقطنى والبيهقى بسند فيه مقال عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة»، كما أخرج الدارقطنى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى خطبته يوم النحر من حجة الوداع: «لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة»، «3» أن فى إيثار بعض الورثة بوصية من غير رضا الآخرين ضررًا يفضى إلى النزاع والشقاق وقطع الأرحام بين الورثة، وما يؤدى إلى الحرام يكون حرامًا.

المذهب الثانى: يرى صحة الوصية للوارث دون الحاجة إلى إذن الورثة، وهو مذهب الشيعة الإمامية والزيدية، وحجتهم: «1» عموم قوله تعالى: «كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقًا على المتقين» «البقرة:180»، وعموم قوله تعالى: «من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم» «النساء: 12»، قالوا: هكذا جاء النص القرآنى بالوصية مطلقًا دون استثناء الوارث، فلا يجوز تخصيص القرآن إلا بمثله خاصة أن الأمر بالوصية للوالدين والأقربين يفيد جوازها للوارث، لأنهم من الورثة غالبًا، وأما حديث النهى عن الوصية للوارث فيحمل على ما زاد على الثلث، وقد يكون محمولًا على نفى الوجوب للوصية على ما كان فى صدر الإسلام من وجوب الوصية للوارث فنسخ حكم الوجوب وبقى أصل الجواز، «2» قياس الوارث على غير الوارث فى صحة الوصية بجامع الأهلية فيهما.

وقد اختار المصريون مذهب الظاهرية وبعض الصحابة والتابعين ومن وافقهم من الفقهاء الذين قالوا بوجوب الوصية للأقربين غير الوارثين «وممن قال بهذا القول عبدالله بن أبى أوفى وطلحة بن مصرّف والزهرى وأبو مجلز ومسروق وطاووس وقتادة وأبو بكر عبدالعزيز الحنبلى وابن جرير الطبرى» إلا أن المصريين أدخلوا على هذا المذهب تعديلًا بالتخصيص فقصروه على الأحفاد دون غيرهم من سائر الأقربين، لقوة صلة قرابة الأحفاد بالميت، مع ضعفهم وشدة احتياجهم للتراحم عن غيرهم، وبهذا التعديل تظهر الشخصية الفقهية المصرية التى جمعت بين المذهبين فى استقلالية فريدة تؤكد إعلاء المصلحة فوق التبعية المذهبية، حيث ترك المصريون مذهب جمهور الفقهاء الذى يرى استحباب الوصية لغير الوارثين مطلقًا، فاستثنى منهم الأحفاد وأجرى عليهم مذهب المخالفين، كما ترك المصريون المذهب المقابل للجمهور القائل بوجوب الوصية للأقارب غير الوارثين مطلقًا، ثم وافقهم فى حق الأحفاد فقط، وأضاف الفقهاء المصريون مقترحًا لولى الأمر «القانون» بتقدير الوصية للأحفاد غير الوارثين بمثل ما كان يستحقه أبوهم - أو أمهم - لو كان حيًا بشرط ألا يزيد على الثلث، وألا يكون الجد - أو الجدة - قد أعطاهم مثل هذا القدر عطية أو وصية، وتقسم تلك الوصية على الأحفاد مثل قسمة الميراث، ويختص بها أهل الطبقة الأولى من أولاد البنات، وتكون لأولاد الأبناء من أولاد الظهور وإن نزلوا على ما يحجب كل أصل فرعه دون فرع غيره.

واختار المصريون مذهب الحنفية وبعض المالكية والشافعية والحنابلة الذين قالوا بصحة الوصية بأكثر من الثلث إلا أن الزيادة لا تنفذ إلا عند انعدام الورثة أو إجازتهم لكون المنع من الزيادة معللًا بحقهم، أما بيت المال، أو الخزانة العامة، فليس من الورثة الشرعيين وما يؤول إليه من مال ليس له صاحب فإنما يكون فيئًا وليس ميراثًا، وترك المصريون مذهب من قال ببطلان الزيادة على الثلث فى الوصية مطلقًا كما هو المشهور عند المالكية والشافعية وبعض الحنابلة ومذهب الظاهرية، لأنهم يرون بيت المال «الخزانة العامة» وارث من لا وارث له.
واختار المصريون أيضًا مذهب الشيعة الإمامية والزيدية الذين قالوا بصحة الوصية للوارث دون الحاجة إلى إذن الورثة، لقناعتهم بعموم الآيات الواردة فى الوصية وبعض الأحاديث التى لم تستثن الورثة، أما الأحاديث التى ورد فيها استثناء الورثة من الوصية فقد تكون محمولة على ما زاد على الثلث، وقد تكون محمولة على نسخ وجوب الوصية للوارث فى صدر الإسلام، ونسخ حكم الوجوب ليس نسخًا لأصل المشروعية، وترك المصريون مذهب جمهور الفقهاء الذى عليه المذاهب الأربعة المشهورة ومذهب الظاهرية الذين قالوا بمنع الوصية للوارث، لكونه مع كثرة القائلين به لا يعدو أن يكون كمذهب الشيعة الإمامية والزيدية صوابًا يحتمل الخطأ أو خطأ يحتمل الصواب، فليس أحد المذهبين أولى بالعمل من الآخر إلا بحسب قناعة المتلقى وتقديره للمصلحة، لأن العبرة فى التقويم الفقهى بالقول وليس بالقائل.
وانتهى فقه المصريين للوصية بصدور القانون رقم «71» لسنة 1946م الذى ينص فى مادته «37» على أنه: «تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره وتنفذ من غير إجازة الورثة، وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصى وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزونه، وتنفذ وصية من لا دين عليه ولا وارث له بكل ما له أو بعضه من غير توقف على إجازة الخزانة العامة».
كما ينص قانون الوصية المصرى فى مادته «76» على أنه: «إذا لم يوص الميت لفرع ولده الذى مات فى حياته أو مات معه ولو حكمًا بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثًا فى تركته أو كان حيًا عند موته وجبت للفرع فى التركة وصية بقدر هذا النصيب فى حدود الثلث بشرط أن يكون غير وارث وألا يكون الميت قد أعطاه بغير عوض من طريق تصرف آخر قدر ما يجب له وإن كان ما أعطاه أقل منه وجبت له وصية بقدر ما يكمله».

وتكون هذه الوصية لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات ولأولاد الأبناء من أولاد الظهور وإن نزلوا على ما يحجب كل أصل فرعه دون فرع غيره وأن يقسم نصيب كل أصل على فرعه وإن نزل قسمة الميراث كما لو كان أصله أو أصوله الذين يدلى بهم إلى الميت ماتوا بعده وكان موتهم مرتبًا كترتيب الطبقات.
ويلاحظ أن اختيار القانون المصرى للوصية الواجبة فى حق الأحفاد غير الوارثين قد ترتب عليه ارتفاع نصيب غير الوارث بتلك الوصية عن نصيب الوارث منهم فى بعض الصور مثل من يموت ويترك: «بنت وبنت بنت وأب»، فلبنت البنت وصية واجبة مقدارها ثلث التركة، أما من يموت ويترك: «بنت وبنت ابن وأب» فإن لبنت الابن السدس ميراثًا وليس لها وصية واجبة مما يجعلها تتمنى أن تكون بنت بنت وليست بنت ابن، لذلك فإنه من العدل أن يقع تعديل فى نص الوصية الواجبة ليكمل نصيب الحفيد الوارث حتى يصل إلى ميراث أبيه لو كان حيًا بشرط ألا يزيد على الثلث.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

مواطن مصري مسكين

فضبلة الأستاذ الدكتور ... أفتنا من فضلك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة