"كلمة" يترجم "نصوص الصِّبا" لفلوبير ضمن كلاسيكيات الأدب الفرنسى

الخميس، 18 ديسمبر 2014 11:01 م
"كلمة" يترجم "نصوص الصِّبا" لفلوبير ضمن كلاسيكيات الأدب الفرنسى غلاف الكتاب
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصدر مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبى للسياحة والثقافة كتاب "نصوص الصِّبا" لجوستاف فلوبير، ونقلته إلى العربية الكاتبة والمترجمة اللبنانيّة مارى طوق، ويأتى الكتاب ضمن سلسلة "كلاسيكيّات الأدب الفرنسى" التى استحدثها مشروع "كلمة" للترجمة فى أبو ظبى، ويحرّرها ويُراجع ترجماتها الشاعر والأكاديمى العراقى المقيم فى فرنسا كاظم جهاد.

يجمع هذا الكتاب باقة واسعة من النصوص المتراوحة الحجم، كتبها مؤسّس الرواية الحديثة فلوبير (1821-1880) فى صباه، ونُشر أغلبها بعد وفاته. وبصورة مبكّرة يعرب الكاتب فيها عن شغفه المعروف بالأسلوب، ويثبت براعته فى معالجة تجارب شديدة التنوّع، هذه البراعة التى ستأتى لترسّخها رواياته الكبرى التى تشكّل هذه النصوص الأولى مفتاحاً لفهمها وتقييمها لا غنى عنه.

عُرفَ فلوبير الناضج، إذا جاز القول، بمحاور للكتابة ثلاثة يقوم أوّلها على الانثيالات الغنائيّة التى تفعم صفحاته بروح الشّعر ولغة الرّومنطيقيّين الكبار، وثانيها على معالجات واقعيّة يحرص فيها على "الغوص فى الحقيقى أو الواقعى ما استطاع إلى ذلك سبيلاً" بتعبيره هو نفسه، أمّا المحور الثّالث فيقوم على التّأمّلات والشّذرات الفكريّة ينتقد ويعرّى فيها العالم والتّاريخ، لا بل الشّرط الإنسانى بمجمله.

هذه المَحاور الثلاثة نراها حاضرة بادئ ذى بدء فى نصوص صِباه هذه، التى تشكّل بمجموعها مختبراً ضخماً جرّب فيه الكاتب الحدَث مختلف الموضوعات والهواجس المُلحّة التى سينعقد حولها عمله الكبير القادم، كما جرّب أساليب شتّى تمسّك لاحقاً ببعضها وهجر البعض الآخَر. تراه هنا يمارس الحكاية الرّمزيّة والقصّة الفنطازيّة والفلسفيّة والواقعيّة، مستمدّاً موضوعاته وشخوص نصوصه من قراءاته فى التّاريخ والأدب، أو من متابعة ملخّصات المرافعات فى الصحف العموميّة والمنشورات القانونيّة، أو بتشريح تجربته الذّاتيّة. والحقّ فإنّ عالم فلوبير الذّاتى يبسط ظلّه المديد على كلّ هذه النّصوص، بما فيها القصص الأليغوريّة أو الرّمزيّة.

يؤكّد شرّاح أعمال الكاتب، معتمدين على تواريخ دفاتره ومخطوطاته، أنّ فلوبير كان يمارس الكتابة الأدبيّة منذ أن تعلّم الكتابة، أى معالجة حروف الأبجديّة، صغيراً. أمّا النّصوص المترجمة فى هذا الكتاب، وهى مؤرّخة كلّها، فقد كتبها بين سنّ الخامسة عشرة والعشرين. وهى لم تُنشر إلاّ بعد وفاته بعشرين عاماً، إذ ظهرت روايته القصيرة "مذكّرات مجنون" فى 1900، ثمّ راحت طبعات نصوص صباه تتوالى، مغتنيةً بنصوصٍ جديدة كلّ مرّة.

فى حياة ناسك الأدب التى اختارها فلوبير فى مرحلة النضج، نقابل لديه دوماً إرادة الانصهار بالعمل الأدبيّ، يودّ فيها لو يصير جزءاً من آلة الكتابة، ما يدعوه هو نفسه "إنساناً-يراعاً". هذه الإرادة فى اعتناق الكتابة وتحويلها إلى ما يشبه رهبنةً مقصودة نجدها أيضاً فى نصوص صباه هذه. ندر أن عرف تاريخ الأدب عبقريّة تتفتّح بمثل هذا الإبكار، وممارسة للقراءة والكتابة يباشرها فتىً صغير بمثل هذا الإصرار الصّاحى فى عهدٍ يكون فيه أقرانه منهكمين بَعدُ فى ألعابهم الطّفوليّة أو مغامراتهم الصّبيانيّة. وهذا الحلم بالاختفاء فى الكتابة والامّحاء فى النصّ يخترق ويُهيكل بدايات فلوبير الأدبية، ويشحنها بطاقة مبدعة تمدّها بقيمة تتجاوز القيمة التاريخيّة المحض لتُلقى بنا فى أعماق الأدب.

وُلد غوستاف فلوبير فى مدينة روان الفرنسيّة فى 1821 وتوفّى فى ريفها فى 1880. يُعتبر من روّاد الرّواية الحديثة ومن زعماء المذهب الواقعى الذى تجاوزه هو فى الحقيقة بقوّة الشّعر والجانب التأمّلى والنقدى فى أعماله. كتب الكثير فى صباه، بيد أنّه لم يقدّم للنشر كتابه الأوّل إلاّ فى سنّ الخامسة والثّلاثين. وكان ذلك روايته الشّهيرة "مدام بوفاري" التى استهدف فيها، من خلل تجربة امرأة فى العشق، ضيق الأفق الاجتماعى فى المدن الفرنسيّة، والتى سيق بسببها إلى محاكمة بتهمة "المساس بالأخلاق العامّة والدين"، ثمّ بُرّئ ونالت الرّواية شهرة واسعة. ثمّ أعقبتها أعمالٌ له أخرى تتمتّع بقيمة تأسيسيّة فى الأدب العالمى الحديث أهمّها "التّربية العاطفيّة" و"تجربة القديس أنطونيوس" و"بوفار وبيكوشيه" و"سالامبو"، بالإضافة إلى عملَيه "حكايات ثلاث" و"قاموس الأفكار الجاهزة".

أمّا مارى طوق فكاتبة ومترجمة من لبنان، من مواليد 1963. حصلت على إجازة فى الأدب الفرنسى من الجامعة اللبنانية عام 1990، ونشرت قصصاً ومقالات، وصدر لها كمترجمة العديد من الأعمال أهمّها: "الجميلات النائمات" لياسونارى كواباتا، و"المرأة العسراء" لبيتر هاندكه، و"خفّة الكائن التى لا تُطاق" لميلان كونديرا، و"مدافن الكبوشيّين" لجوزف روث، و"أوريليا" لجيرار دو نرفال، و"تاريخ بيروت" لسمير قصير، و"ملْك الغائبين" لالياس صنبر، و"زون" لماتياس إينار، و"شارع اللّصوص" للكاتب نفسه، و"المثقّفون" لسيمون دو بوفوار، ورواية "جبل الروح" لغاو شنغجيان، ترجمتْها بالاشتراك مع بسّام حجّار، و"العصفور الأزرق وحكايات أخرى" لمارى كاترين دونوا، وقد صدرت الكتب الثلاثة الأخيرة فى منشورات مشروع كلمة" للترجمة فى أبو ظبي.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة