أحمد ياسر الكومى يكتب: إلى أين تتجه العلاقات الروسية - الأمريكية؟

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014 10:19 ص
أحمد ياسر الكومى يكتب: إلى أين تتجه العلاقات الروسية - الأمريكية؟ سوتشى - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسى شدا وجذبا، وإن كانت طبيعتها تختلف عن الصراع الإيديولوجى بين الرأسمالية والاشتراكية.

إنّ العلاقات "الأمريكية - الروسية" يشوبها دائما عامل انعدام الثقة، ومما زاد فى توتر هذه العلاقات أنّ الإدارة الأمريكية السابقة لم تأخذ بعين الاعتبار "الإطار الإستراتيجى" الذى تضمنه الإعلان الروسى - الأمريكى فى نهاية "قمة سوتشى" فى أبريل 2008، إنّ الدولتين لم تعودا عدوتين ولا تشكلان تهديدا إستراتيجيا الواحدة للأخرى، والدعوة إلى حوار يتناول الخلافات التى تفرق بينهما فى شأن توسيع الحلف الأطلسى، والاهتمام المشترك بإنشاء نظام دفاعى مشترك مضاد للصواريخ مع أوروبا، تشارك فيه ثلاثة أطراف، "روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى". ودراسة التهديدات الصاروخية الجديدة، والعثور على وسائل لمواجهتها.

على أية حال، هناك أكثر من ورشة تفكير ودراسة دعت إدارة الرئيس أوباما إلى التفكير الجدى بأسس الشراكة الضرورية لإصلاح العلاقة الأمريكية - الروسية، وقد حملت إحدى الدراسات الأخيرة عنوان "التوجه الصحيح للسياسة الأمريكية نحو روسيا"، فى تقرير للجنة رفيعة المستوى ترأسها السيناتور والمرشح السابق للرئاسة غارى هارت، اقترحت ضبط السلاح وتخفيض الترسانة النووية، والعمل على مناطق المصالح المشتركة مثل: إيران، أفغانستان، كوريا الشمالية، الطاقة، السيطرة على الإرهاب.

على هذه الأرضية يمكن فهم العرض الأمريكى لروسيا، الذى مفاده أنّ الإدارة قد تكون مستعدة للبحث فى مسألة شبكة الصواريخ الباليستية فى بولونيا وتشيكيا، مقابل تخلّى روسيا عن دعم البرنامج النووى الإيرانى، طبقا لاقتراح عالم السياسة الأمريكى الشهير والأستاذ فى جامعة هارفارد جوزيف ناى صاحب نظرية ديبلوماسية "القوة الناعمة".

وفى المقابل، تواترت التصريحات الروسية التى تربط بين الملف الإيرانى وملف الدرع الصاروخية، باعتبار أنّ الإدارة الأمريكية تتذرع لإنشاء منظومتها بما يوصف بـ"خطر الصواريخ الإيرانية". ولعل هذه الصفقة تؤدى إلى قبول إيران بالمبادرة التى طرحها الرئيس بوتين فى عام 2006، والتى تدعو إلى إنشاء شبكة مراكز دولية لتخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووى تعمل تحت إشراف مباشر من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو إقامة مركز روسى – إيرانى مشترك لتخصيب اليورانيوم على الأراضى الروسية بمشاركة خبراء إيرانيين.

ومنذ تولى الرئيس الروسى فلاديمير بوتن السلطة عام 1998م سعى بشكل برجماتى للنهوض بروسيا كقوة سياسية واقتصادية وعسكرية واستعادة نفوذها على الساحة الدولية.. ففى المجال الاقتصادى عاد الاقتصاد الروسى إلى النمو وتحولت موسكو إلى قوة اقتصادية ومالية رئيسية يحسب لها حساب على الصعيد الدولى بفضل التضخم الهائل فى العائدات الناجمة من موارد النفط والغاز الطبيعى وبما يساهم فى تعزيز الشعور الروسى بالثقة والقدرة على التحرك والتأثير وإثبات الوجود من خلال السيطرة على احتياطيات وإنتاج الطاقة الروسية والسيطرة على خطوط الأنابيب الممتدة عبر أراضيها وأراضى جيرانها، فهناك شبكة واسعة من خطوط الأنابيب (للغاز وللنفط) ممتدة من الأراضى الروسية إلى دول أوربا (أوكرانيا روسيا البيضاء، بولندا، ألمانيا، ليتوانيا، استونيا، جمهورية التشيك، المجر، النمسا، اليونان، هنغاريا، بلغاريا).

ولمزيد من السيطرة على الأسواق الأوروبية تم إنجاز عقود طويلة الأجل مع زبائن أوروبيين يصعب نكثها، فقد أبرمت شركة الطاقة العملاقة الروسية «غاز بروم» عقودًا طويلة الأجل مع معظم الدول الأوربية، وبين حين وآخر تهدد روسيا بتحويل تدفق الغاز إلى الصين واليابان شرقًا.. أو بوقف تدفق الغاز عن أوربا.. مما يعنى نوعًا من ممارسة النفوذ وعرض العضلات السياسية والاقتصادية وإظهار أهميتها العالمية كمزود للغاز مما سبب ذلك قلقًا لدى الدول الأوربية التى طلبت من روسيا آليات تضمن إمدادات الطاقة.. خاصة بعد تزايد الاعتماد على الغاز والنفط الروسيين.

ومن هذا المنطلق عملت روسيا على استغلال مواردها الطبيعية من الطاقة لاستعادة المكانة القوية التى فقدتها.. وتوظيفها فى المجالات السياسية والاقتصادية والإستراتيجية.. فى مواجهة توسع الهيمنة الأمريكية والغربية فى أوربا الشرقية وآسيا الوسطى اللذين يعتبران المجال الحيوى لروسيا - قديمًا وحديثًا - وكذا مناطق نفوذ طبيعية لا يمكن التساهل تجاهها مثلما لا يمكن تجاهل ما يمثله المشروع الأمريكى لنشر الدروع المضادة للصواريخ فى أوربا الشرقية (بولندا، جمهورية التشيك) من خطورة على الأمن القومى الروسى حيث تعارض موسكو هذا المشروع معارضة شديدة.. متهمة واشنطن بأنها تهدد جديًا القوى الإستراتيجية النووية لموسكو وبأن المشروع سلسلة من التوسع والهيمنة الأمريكية وهو ما ترفضه موسكو.

ويعتقد المحللون فى المعهد الدولى للدراسات الإستراتيجية أن الحرب الباردة التى تتجه إليها العلاقات الروسية - الأمريكية ستكون هذه المرة سياسية مع وضع الشق العسكرى فى الاعتبار، وأن الأمر لا يقف عند حد التلويح باستخدام كروت ضغط دبلوماسية بل أنه قد يتعداه إلى مجالات أخرى كالتجارة والاقتصاد خاصة (اقتصاد الطاقة)، وهو الأمر الذى يضعه الجانب الروسى والأمريكى والأوربى فى الحسبان، وقد بدأت روسيا بإعادة بناء مواقع نفوذها وتكريس امتدادات تحالفاتها وتعزيز أوجه وجودها السياسى والأمنى والاقتصادى (الطاقة)، وبالتالى نفوذها الإستراتيجى.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة