حسن زايد يكتب: موقف مثالى للأزهر مهما زايد المزايدون

الإثنين، 15 ديسمبر 2014 08:06 م
حسن زايد يكتب: موقف مثالى للأزهر مهما زايد المزايدون الأزهر الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جاءت العناوين- سواء فى الصحف الورقية أو المواقع الإلكترونية- صادمة، ومفادها جميعًا أن الأزهر- منارة الفكر السنى فى العالم- يرفض تكفير داعش. وسبب الصدمة تلك المفارقة التى وقعت داخل النفوس بين ما يقع من داعش- فكراً وسلوكاً وممارسة على أرض الواقع- وبين ما يفهمه الناس عن الإسلام الوسطى المعتدل.

فهذه الجماعةـ بعيداً عن فكرة الخيانة والعمالة والتآمرـ تتبنى أفكاراً غاية فى التطرف والغلو، تجافى حقيقة الفهم الصحيح للإسلام، وهى أفكار ليست من صناعتها، ولكنها موجودة فى بطون الكتب الموروثة قديماً وحديثاً، وتنتهج مسلكاً يتسم بالعنف والقسوة والغلظة، يصل فى غلظته وقساوته وعنفه حد القتل الجماعى والذبح، وهم يتصورون- بعيداً عن تصور صدور هذه الأفعال والتصرفات عن خلفيات مرضية موروثة أو مكتسبة لدى هؤلاءـ أنهم يصدرون عن مراد الله فى الكون فيما يطلق عليه الجهاد فى سبيل الله. وتسعى إلى فرض أفكارها، وتصوراتها المريضة، على المجتمعات الإسلامية بالقوة المسلحة، بدعوى إقامة الخلافة الإسلامية. ولا ريب أن وسائل الميديا قد ساهمت فى حفر هذه الصورة داخل الأذهان، بالمساهمة فى نشر هذه التصورات والدعاية المجانية لها من حيث تدرى أو لا تدرى. فإذا جاء الأزهر فى مؤتمر عقد خصيصا لمناقشة قضايا الإرهاب والتطرف- ومن بينها تطرف وإرهاب جماعة داعش وما تمثله من خطر داهم على العالم الإسلامى- وامتنع عن تكفير داعش، بل وسعى إلى نفى أن يكون قد صدر عن أحد المشاركين فى المؤتمر ما يمكن أن يُفهم على أنه تكفير، وأن من تأوَّل بعض التصريحات على أنها كذلك فقد التبس عليه الأمر، وفهم التصريحات على غير ما يقصد أصحابها، فإن ذلك يمثل صدمة. ويُفهم من هذا الموقف أن الأزهر لم يكتف فقط بعدم تكفير داعش، وإنما يسعى إلى نفى شبهة حدوث ذلك من قريب أو بعيد. وتلك هى المفارقة التى خلفت رد فعل الصدمة لدى الناس، لأنه موقف قد جاء على عكس توقعاتهم وتطلعاتهم فى نزع كل شرعية عن داعش بما فى ذلك كونهم مسلمين، فمنطلق هذه الجماعات، فكراً وسلوكاً، هو تكفير الأفراد والمجتمعات فكراً وسلوكاً، ويجعلون من هذا الكفر سندهم الشرعى فيما يقترفونه من جرائم وآثام إرهابية. والطبيعى أن يقابل ذلك من جانب الأزهر بالتكفير، وفقاً للقانون الطبيعى الذى مفاده أن لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه، فلما امتنع الأزهر عن التكفير صدر عن البعض صراخ وعويل، والبعض الآخر صدرت عنه اتهامات للأزهر والأزهريين بأن من بينهم من يحمل بذور كامنة لذلك الفكر الداعشى ، وبعض ثالث أسقط فى يده ، وتقطعت به سبل التفكير دون أن يهتدى إلى ما يريحه، ويشفى ما فى صدره من حيرة وقلق.

والواقع أن موقف الأزهر قد جاء مثالياً، لأنه جاء منطلقاً من أصول شرعية، لا يملك المرء إزاءه أى فرصة للمزايدة عليه فى سوق النخاسة الفكرية الرائجة فى هذه الأيام. فقد جاء فى بيان الأزهر: "كل من حضروا مؤتمر الأزهر من علماء الأمة يعلمون يقينا أنهم لا يستطيعون أن يحكموا على مؤمن بالكفر مهما بلغت سيئاته؛ بل من المقرر فى أصول العقيدة الإسلامية أنه لا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحد ما أدخله فيه، وهو الشهادة بالوحدانية ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الذنوب مهما بلغت لا يخرج ارتكابها العبد من الإسلام".

إذن فالقضية واضحة لا لبس فيها ولا غموض، فلا يخرج العبد من إيمانه إلا بجحوده ما أدخله فيه، بل إن حد الحرابة الذى قد يستوجب القتل لا يستوجب التكفير، لأن الحدود ما حُدَّت إلا على المسلم، وبالتالى فإن أفعال داعش مجرمة تجريمًا يستوجب قتلهم دون تكفيرهم. وقد قطع هذا الموقف على شيوخ التكفير الطريق، لأنه وضع قاعدة ذهبية فى مجال التفكير فى التكفير مفادها أن الله وحده هو الذى يحاسب على الإيمان والكفر، وأنه لا يجوز التكفير إلا بعد إقامة الحجة. وقاعدة عدم جواز التكفير إلا بعد إقامة الحجة مستقاة من موقف الإمام على رضى الله عنه فى مواجهة خوارج عصره. وهذا الموقف الرائع من الأزهر- والذى يدحض عنه فرية أنه يخدم السلطة، لأن تكفير هذه الفئة يخدم سياسيًا توجه السلطة فى محاربتهاـ ينقصه الشق الآخر من المعادلة، وهو شق إقامة الحجة. وإقامة الحجة تستوجب مناقشة الأساس الفكرى الذى قامت عليه هذه الجماعات المتطرفة، فالمسالك المنحرفة لا تصدر إلا عن فِكَر وعقائد منحرفة وفاسدة، ومن هنا يلزم البحث فى الأساس الفكرى الذى انطلقت منه هذه الجماعات ، والعمل على نقده ونقضه وتقويض وجوده ، فلا يبقى له من أثر فى النفوس، بعد أن يحتل مقعده بين نفايات الفكر البشرى ، وليست هناك مؤسسة مؤهلة للقيام بهذا الدور فى العالم الإسلامى سوى مؤسسة الأزهر الشريف ، فهل سيقوم بهذا الدور؟!.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة