د. مغازى البدراوى

عيون الصقر الروسى على تركيا

الجمعة، 12 ديسمبر 2014 07:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لتركيا الأسبوع الماضى كانت بلا شك الحدث الأكثر اهتماما وجدلا على الساحة الدولية، ليس فقط لأنها تأتى مباشرة بعد أيام قليلة من زيارة نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن لتركيا، التى عكست توترا واضحا فى العلاقات بين أنقرة وواشنطن وصلت لحد وصف الرئيس التركى أردوغان للسياسة الأمريكية بـ"الوقحة"، وليس أيضا للموقف التركى المضاد للموقف الروسى من الأزمات فى سوريا وأوكرانيا، فالخلافات السياسية بين تركيا وروسيا قائمة دائما، ومنذ قرون طويلة مضت، منذ الحقبة العثمانية وحروب القرم الشهيرة مرورا باستضافة تركيا لقواعد وصواريخ حلف الناتو أثناء الحرب الباردة فى الحقبة السوفيتية، ووصولا إلى الحرب فى الشيشان ودعم تركيا لجماعات المتطرفين فى شمال القوقاز، وغير ذلك من القضايا والمشاكل التى لا توجد سوى بين عدوين لدودين، لكن واقع الأمر ليس كذلك، فرغم كل الخلافات هذه إلا أن البلدين تربطهما علاقات اقتصادية وتجارية على أعلى مستوى ومتطورة دائما، هذه العلاقات التى تتفوق بكثير على خلافات البلدين السياسية.

زيارة بوتين الأخيرة طغا عليها الطابع الاقتصادى بشكل كبير، وكان الحديث حول القضايا الخلافية السياسية بين البلدين، كما يبدو، مجرد إرضاء لفضول الإعلاميين فى المؤتمر الصحفى، ومن الواضح أن هذه القضايا الخلافية لم يكن لها وجود فى اللقاء الثنائى بين الرئيسين، الذى انصب على قضايا اقتصادية مهمة، خاصة فى مجال الطاقة، حيث إن تركيا تعد ثانى دولة بعد ألمانيا فى استيراد الغاز الروسى الذى يشكل 60% من وارداتها، ولا يكفيها وتحتاج لكميات أكبر، فى نفس الوقت تواجه روسيا مشاكل فى صادراتها من الغاز لأوروبا بسبب العقوبات التى تفرضها عليها واشنطن والاتحاد الأوروبى، وقد عبر عن ذلك الرئيس بوتين للصحفيين فى أنقرة عندما أعلن أن روسيا ستوقف العمل فى مشرع خط "السيل الجنوبى" لتوريد الغاز لإيطاليا والمجر ودول أخرى، وذلك بسبب رفض بلغاريا، تحت ضغوط أمريكية، مرور الخط عبر أراضيها، وقال بوتين إن روسيا ستوجه الغاز إلى جهات أخرى، وهو الأمر الذى يعطى تركيا فرصة كبيرة للحصول على حاجتها من الغاز الروسى، وربما بأسعار أقل، كما يعطيها أيضا الأمل فى تحقيق حلمها بأن تتحول إلى نقطة ترانزيت لخطوط الغاز الروسية إلى دول أخرى مثل اليونان وغيرها، وهذا بالقطع سيدر عليها عوائد جيدة، وهذا ما وعد به بوتين أثناء الزيارة، بتخفيض أسعار الغاز الروسى لتركيا بنسبة 6% قابلة للزيادة مستقبلا، كما وعد بتوجيه كميات كبيرة من الغاز عبر خط السيل الأزرق لتركيا تكفيها وتكفى للعبور منها إلى دول أخرى، وانعكس هذا فى حديث رئيس الوزراء التركى أوغلو فى اليونان يوم 5 ديسمبر بعد زيارة بوتين، ووعده لليونان بأن تأتيها الطاقة التى تحتاجها قريبا عبر تركيا، هذا وعد من دولة لا تملك ما تحتاجه من الطاقة، لكنها تلقت الوعد من بوتين بذلك.

لكن هذا كله لا يمنع من إثارة الجدل والتساؤلات حول زيارة بوتين لأنقرة فى هذا التوقيت بالذات، خاصة أنه سبق له أن اعتذر عن زيارتها أكثر من مرة، آخرها عام 2012، هذه الزيارة وما جرى فيها من اتفاقات غير عادية، فى مجال الطاقة بالتحديد، توحى للكثيرين ممن يتابعون سياسة بوتين الخارجية أن روسيا سوف تولى الشرق الأوسط اهتماما كبيرا فى المرحلة المقبلة، وهو ما صرح به بوتين منذ أيام، ولا شك أن تركيا لاعب أساسى وكبير فى المنطقة، بغض النظر عن مواقفها السياسية التى ترفضها الدول الكبرى فى المنطقة، والتى ترفضها موسكو أيضا، لكن هناك من يرى أن بوتين "الصقر"، كما يصفه البعض، يعرف جيدا كيف يختار فريسته ويحدد اللحظة المناسبة للانقضاض، رغم أن الفريسة هنا لن تكون ضحية بالمعنى الدموى، بل على العكس ستحيا وتنتعش وستكون فى حال أفضل وستستفيد كثيرا من الصقر، موسكو ستجعل تركيا أكبر مستورد للطاقة الروسية فى المنطقة، وليس فقط الغاز والنفط، بل والطاقة النووية أيضا، وتتولى الشركات الروسية حاليا بناء أكبر محطة طاقة نووية فى تركيا بتكلفة تتجاوز العشرين مليار دولار، وأكثر من ذلك، فقد وعد بوتين تركيا بخط عبور للغاز الروسى للدول الأخرى بديلا عن أوكرانيا التى كان يدخل لها المليارات سنويا من ترانزيت الغاز الروسى.

ويرى هؤلاء أن الرئيس الروسى بوتين ليس بالشخص السهل الذى يمكن فهم واستنباط ما يفكر فيه، وهو صاحب المقولة الشهيرة "علاقاتنا الخارجية تختلط فيها السياسة بالاقتصاد بشكل كبير"، وهو الذى استطاع احتواء إيران والصين بشكل كبير، ولن تستعصى عليه تركيا التى باتت تشعر بالعزلة فى إقليمها وأيضا تشعر بالنفور من حلفائها الغربيين وحلف الناتو الذين تزداد خلافاتها معهم ولم تستفد منهم فى شىء، وسلاح الطاقة الذى تستخدمه روسيا ليس بالسهل، وهو الذى مكن روسيا من استقطاب دول أوروبية كبيرة لصفها مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وغيرهم، ولن يقل تأثيره على دولة شرق أوسطية نامية، ويتصور أصحاب هذا الرأى أن طموحات بوتين المستقبلية فى تركيا أكبر بكثير مما يتصوره البعض الآن، وأمامه فرصة فى الحكم فى روسيا، ربما حتى عام 2024، تجعله يتعامل مع الأمور والمتغيرات بهدوء وصبر ودبلوماسية، وأيضا بدهاء رجل الاستخبارات القوى، وتركيا ورقة كبيرة بالنسبة لجيرانها الإقليميين وبالنسبة لروسيا أيضا، وإذا استطاع بوتين تحقيق طموحاته معها فستكون أكبر مكسب، ليس لروسيا فقط بل لدول الشرق الأوسط أيضا، وستكون ضربة قوية لواشنطن وحلف الناتو.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة