حـسـن زايـد يكتب: صناعة الوهم

الخميس، 20 نوفمبر 2014 02:09 م
حـسـن زايـد يكتب: صناعة الوهم صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا قلنا إن المعارك الحديثة لم تعد معركة عتاد حربى فقط، فإن هذا القول يعد صحيحاً إلى حد بعيد، فهناك العديد من الأسلحة الأخرى التى تلعب دوراً فاعلاً فى إدارة المعركة، وحسم العديد من نتائجها، بل إن نتائجها قد تفوق بكثير النتائج التى يحققها العتاد الحربى على الأرض، من بين هذه الأسلحة سلاح الإعلام، والذى تتبدى خطورته فى مقولة جوزيف جوبلز وزير الإعلام الألمانى فى عهد النازى أدولف هتلر، حيث قال: "اعطنى إعلاماً بلا ضمير.. أعطك شعباً بلا وعى".

وهذه المقولة على قلة عدد كلماتها، إلا أنها تحمل فى طيات حروفها معانى ودلالات كثيرة، تدل على مدى الأهمية التى ينطوى عليها سلاح الإعلام فى تشكيل وعى أمة من الأمم، أو غزو هذا الوعى والتشويش عليه، أو السيطرة عليه وتوجيهه وجهة بعينها. فإذا كان الإعلام فى المعنى الإصطلاحى هو عملية نقل الخبر، أو وجهة النظر، أو كليهما، من طرف إلى طرف آخر. أى أنه مرسل، ورسالة، ومرسل إليه أو مستقبل، فإن النتائج لا تقف عند هذه الحدود وحسب، وإنما تتخطاها إلى أبعاد أخرى ذات خطر عظيم، تمثل حجر الزاوية فى تشكيل الوعى الفردى والجمعى على السواء.

ومن هنا تأتى خطورة الكلمة، والصورة، ومقطع الفيديو، فإذا كان قديماً، السيف أصدق أنباء من الكتب، فاليوم الصورة والفيديو قد حلا محل السيف فى مدى المصداقية والتأثير. والمقصود بالمصداقية هنا ليس الصدق، وإنما التصديق، ومن هنا فإن الإعلام قد يستخدم للتضليل بقلب الأباطيل إلى حقائق، وقلب الحقائق إلى أباطيل، المهم هو تصديق الناس للرسالة التى ينقلها إليهم، وقد يستخدم فى مجال الحرب النفسية، وتزييف الوعى.

وقد أدرك الإرهابيون حديثاً أهمية الإعلام فى معاركهم، والأهمية البالغة للصورة والفيديو، وما لهما من أبعاد نفسية ووجدانية وفكرية، تساهم على نحو فاعل فى تشكيل الوعى، وتحديد الوجهة. والفيديو الذى بثه تنظيم أنصار بيت المقدس عن حادث كمين كرم القواديس السيناوى ينبئنا عن إدراك هذه التنظيمات التكفيرية لدور الإعلام فى المعارك، وهو ليس إدراكاً ذاتياً، وإنما بمعونة أجهزة استخباراتية أشرفت على التدريب، وقد تكون لها عناصر ساهمت فى العملية. فالعملية ذاتها عادية، إذ قام انتحارى بتفجير نفسه بسيارته فى الكمين، وطبيعى أن ينتج عن ذلك قتلى وجرحى، وأن ينشغل الآخرون ـ فى لحظة المفاجأة ـ بقدر من الاضطراب بالقتلى والجرحى.

الجديد هذه المرة تمثل فى الهجوم الذى تلى عملية التفجير على القوات المنشغلة التى لم تتحسب لذلك. والعملية رغم قسوتها وبشاعتها وسوداويتها وحقدها، إلا أنها تعد عملية عادية فى مفهوم المعارك، والخسائر التى وقعت فى صفوف الجيش متوقعة فى إطار ما يخوضه من حرب عصابات غير مسبوقة فى تاريخه، الجديد هذه المرة كذلك هو فى الفيديو الذى صور العملية كذلك، فقد جرى تصويره بمعرفة عناصر مدربة تدريباً لا يتوفر إلا فى إطار جيوش نظامية أو أجهزة استخباراتية، حيث بدت اللقطات واضحة حية محايدة منتقاة بقصد إحداث الأثر المطلوب. وقد تمت منتجته باستخدام المؤثرات الصوتية، فى حبكة درامية محكمة، تنبىء عن حرفية فائقة، لا تتوفر لأفراد هذه التنظيمات المتوحشة.

ومن وراء هذه التنظيمات من دول وأجهزة يدرك مدى أهمية الرسالة الإعلامية فى الحرب التى تدور رحاها على أرض مصر ، وقد استهدف الفيديو بث مجموعة من الرسائل ،الرسالة الأولى موجهة إلى المجتمع بقصد تخويف المصريين ، ودفعهم إلى رفض الإنضمام إلى الجيش أو الشرطة ،لأن من يلتحق بهاتين المؤسستين عرضة إلى الموت ـ على نحو ما ظهر بالفيديو ـ لا محالة. وبذلك تكون هذه التنظيمات قد نجحت فى تجفيف المنابع. وهذه الرسالة خائبة، ولا تعرف طبيعة الشعب المصرى، الذى يتجمع حول مصدر الخطر، ويقبل على مواجهته بصدور مفتوحة.

والرسالة الثانية تستهدف أفراد القوات المسلحة وقوات الشرطة فى إطار الحرب النفسية التى تستهدف كسر عزيمة هؤلاء، والنيل من صلابة إرادتهم، ودفعهم إلى الفرار من أرض المعركة. وهى رسالة لا تعرف طبيعة الجندى المصرى، ولم تدرس تاريخه منذ نشأته فى عهد محمد على، إلى حرب أكتوبر. لا يولوا ظهورهم للعدو إلا متحيزين لفئة، أو متحرفين لقتال.

والرسالة الثالثة تستهدف الشباب الذين يملكون ميولاً متطرفة من أعضاء التنظيمات الذين لم ينخرطوا بعد فى الأعمال الإرهابية ضد الدولة والمجتمع لإغوائهم باسم الدين ودولة الخلافة الموعودة للإنضمام لهذه المعارك الوهمية التى يخوضها الإرهاب الدولى بقصد إسقاط الدولة المصرية.

ومجمل المقصود من العمليات الإرهابية هو إنهاك الدولة المصرية حتى تتفكك وتتحلل ذاتياً، ويسهل الإنقضاض عليها، وتقطيع أوصالها، وتوزيعها إلى دويلات صغيرة، بغض النظر عن طبيعة وماهية النظام الحاكم فيها.

ذلك هو الهدف البعيد، أما الهدف القريب فهو التمكين لدخول الجماعات الإرهابية إلى سيناء، وإعلان الإمارة الإسلامية بها، وتصبح منطقة القناة محل نزاع يتيح المطالبة بالتدخل الدولى لحماية الممر المائى المتمثل فى قناة السويس القديمة والجديدة. وبغض النظر عن مكان إعداد الفيديو، وتوقيت إذاعته، وارتباط التوقيت بفشل عملية اختطاف اللنش المصرى، فإن معالجة الإعلام المصرى بجناحيه، فى ظل حمى حرية الإعلام، للقضية قد جاء فجاً، لأنه روج لهذا الفيديو على نحو ما قصد اليه صانعوه، وزيادة، على نحو ما فعلت الدبة بصاحبها، وقد شغلها السبق الإعلامى بغض النظر عن النتائج التى قد تمس الأمن القومى المصرى. وقد نسى الإعلام أن الإرهاب يمارس حرباً إعلامية، تقوم على صناعة الوهم.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة