هشام الجخ

عيد ميلادك.. إيه اللى خلّاه عيد؟

الخميس، 09 يناير 2014 11:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
والدى رجل ساخر وله شخصية قوية ومهابة ومسيطرة، وتفرض نفسها بشكل غير مصطنع على كل الموجودين.. هذا ليس رأيى أنا، ولكن هذا هو المعروف عن والدى بين كل أقاربنا وأصدقائه وزملائه فى العمل.. وحتى تلاميذه الذين عانوا من شدته أثناء فترة الدراسة أصبحوا من عاشقيه ومريديه بعد أن نضجوا وأدركوا ضرورة هذه الشدة الرحيمة التى كان يعاملهم بها وهم يدرسون على يديه.. أبى رجل طويل وعريض ورياضى قديم.. محدد فى كلامه، له عينان ثاقبتان يصعب عليك الكذب فى مواجهته.. قليل العقاب لكنه قاس جدا إذا عاقب.. كنتُ فى المرحلة الثانوية وقلت لأبى بحماس: أريد هدية عيد ميلادى، رفع أبى عينيه بهدوئه المرعب وسخريته المعتادة وقال: عيد ميلادك؟! ومن قال لك إن يوم ميلادك كان عيدا؟ للمسلم عيدان يا أستاذ عيد الفطر وعيد الأضحى.. جبت عيد ميلادك ده منين؟ اتفضل.
كان أبى يتهرّب بالطبع من شراء هدية عيد ميلادى، وقد غضبت جدا وقتها ولكنى أدركتُ حين كبرت أن أبى لو كان قد فتح هذا المجال وسنّ هذه السنّة فى أعياد الميلاد لاشترى هدية عيد ميلاد كل أسبوعين، نظرا لعدد إخوتى الذى يفوق عدد فريق كرة القدم «بالاحتياطى». مجتمع الصعيد يختلف عن مجتمع القاهرة.. فى الصعيد الجيران يعرفون بعضهم البعض جيدا.. يعرفونهم ويعرفون أقاربهم وأصولهم «وربما ممتلكاتهم وقيمة دخلهم أيضا وبكل دقة»، وبناءً عليه لا يمكن - أبدا - أن تكون هناك مناسبة سعيدة أو حزينة فى منزل جارك ولا تمتد هذه المناسبة إلى بيتك بنفس مقدار السعادة أو الحزن، أذكر زواج بنت جارنا فى مدينة ناصر بسوهاج حين أفرغت أمى - رحمها الله - كل محتويات الثلاجة لتتسع لزجاجات «الحاجة الساقعة» الخاصة بفرح جارتنا.. وأذكر يوم تشييع جثمان والدتى من المسجد لم أستطع أن أحمل بنفسى الخشبة نتيجة تدافع أهل البلد لحملها، هذا هو مجتمع الصعيد الذى مازال - رغم بعض التغييرات - يعرف بعضه بعضا معرفة الأهل. ومعرفة الأهل - فى الصعيد - هذه لا تفرق بين المسلم والمسيحى وينطبق كل ما ذكرتُه آنفا من حب ومودة ومعرفة واختلاط وعشرة على المسلمين والنصارى، ولولا ضيق مساحة النشر لأسهبت لحضراتكم فى سرد مئات المواقف ومئات الأسماء التى مازالت حية وترزق لتدعيم كلامى فأنا لا أكتب كلاما للاستهلاك الإعلامى والله على ما أقول شهيد.

سألت أبى - وأنا مازلتُ فى المرحلة الثانوية - عن سر كثرة الأعياد عند المسيحيين بالمقارنة بأعياد المسلمين.. فأجابنى بسخريته المعتادة: احمد ربنا يا ابنى على نعمة الإسلام لو كانت أعيادنا كتير كده كنت حاجيب لكم هدوم منين؟ سألتُه - «برخامة» - وهل يجوز لنا أن نهنئهم بأعيادهم؟ فاكتست ملامحه بالجدية هذه المرة وقال: بل يجب علينا تهنئتهم بكل مناسباتهم السعيدة ومؤازرتهم فى كل مناسباتهم الحزينة وأخرج لى كل ما يحفظ من آيات الله التى تؤكد كلامه من أمثلة «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم».. ثم عاد لابتسامته مرة أخرى ومال على وهمس: يا ابنى.. إذا كنت فاكر نفسك على حق وهم على باطل فهم أيضا يحسبون أنفسهم على حق ونحن على باطل.. وإذا كنتَ تسخر من بعض معتقداتهم وبعض مشاعرهم فهم أيضا يسخرون من بعض معتقداتك وبعض مشاعرك، وفى النهاية سيحكم الله بيننا فى الآخرة.. وربنا لو كان عايزنا أمة واحدة كان عملنا أمة واحدة وانتهى الموضوع.. اللى يهنيك بعيدك هنيه بعيده.. واللى ييجى يعزيك فى مصايبك عزيه فى مصايبه.. الدين لله.. والوطن للجميع.. والنصر للسيارات.. وقوم قول لأمك اعملى كوباية شاى لأبويا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة