منتصر الزيات

عن الشيعة والتشيع فى مصر

الخميس، 25 يوليو 2013 06:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هناك متطرفون فى كل الشرائع والملل والمذاهب والمدارس

السياسية وهؤلاء يشتركون فى صنع أزمة التضاد فى بعض الأحيان

كان اجتهادى دائما أن أقف على مربع التسامح الدينى وليس التعصب والفارق بين الاثنين كبير جدا، ربما كانت إشكالية البعض أنهم يرون التدين ملازما للتعصب أو التشدد وأن تعلو قسمات وجه المتدين جدية «مفتعلة» أو تكشيرة «مصطنعة» ويردد ما يستصحبه من دليل يعتقده من قول الله تعالى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة)، ويفهم من الآية تلك الجدية التى تصل إلى التشدد فى حين أن القوة هنا كما فسرها علماء التفسير المراد بها قوة معنوية، وهى العزيمة والثبات. والباء للملابسة، أى أخذا ملابسا للثبات على الكتاب أى على العمل به وحمل الأمة على اتباعه.

كنت أفهم – وما زلت – أننا لسنا فى حاجة لأن نستدعى من ذاكرة التاريخ خلافات جرت وقائعها وتفاصيل أحداثها منذ قرون طويلة، إذا فشل أصحابها فى وضع حلول لها، فليس من المعقول أن نجد لها نحن حلولا، ومن السخف أو من استنزاف طاقات الأمة، أن نستدعيها بذات التفاصيل والحجج والبراهين ونتبادل أدوار أصحابها تأييدا أو تنديدا.
أؤمن أن الإيمان بالعقيدة – عقيدة أهل السنة والجماعة – هو مما نتعبد به ربنا سبحانه وتعالى، تلك العقيدة التى وصلت إلينا صافية وسطية جيلا وراء جيل، وانطلاقا من هذه العقيدة نعمل على شيوع ثقافة الوسطية والاعتدال والتسامح، ونقرب مسافات التعايش بين اختلافات المذاهب بالقدر الذى لا ينال من الثوابت العقائدية لمنهج أهل السنة والجماعة. ربما توسعت شيئا فى هذه المقدمة التى أراها لازمة قبل أن أدلف لصميم موضوع شائك يتعلق بالشيعة والتشيع فى مصر.
مصر دولة إسلامية سنية، منذ دخلها عمرو بن العاص فاتحا، حاميا أقباطها من بطش الرومان، معطيا الأمان لبابا الأرثوذكس بنيامين، وهذا هو دأب المصريين على مر الزمان، لا يؤثر فيهم احتلال أو مغال، عانى المصريون من احتلال الإنجليز عقودا طويلة دون أن تتأثر عقيدتهم أو لغتهم، واستمر اللسان العربى المبين هو الناطق للمصريين بعد انتهاء الحملة الفرنسية التى غادرت مصر، وقد تعلم بعض قادتها العربية واعتنق آخرون منهم الإسلام دينا، ولذلك كنت أرد على مخاوف «أخونة» الدولة أن المصريين لا يغيرون تدينهم المتسامح، وقد قامت الدولة الفاطمية حوالى قرنين دون أن تتمكن من نشر عقيدة الشيعة، الشعب المصرى محب جدا لعقيدته الوسطية، شعب ورث الوسطية من عمرو بن العاص وأصحابه بسلوك معتدل وأخلاق حميدة، التدين المصرى هو التدين المتسامح الذى جمع بين المسلمين والمسيحيين فى إخاء حقيقى، يمتزج الاثنان فى معيشة مشتركة لا تفصل بينهما أحياء، أو شوارع وإنما فى العقار الواحد يتجاور المسلم مع جاره المسيحى فى تعايش لم تعرفه البشرية المعاصرة.
وإذا كنا ندعو إلى التعايش الآمن، وعدم نبش خلافات مذهبية قديمة وتاريخية، فالمقام نفسه يقتضى ضرورة احترام هذه العقيدة الغالبة للشعب المصرى فى سنيته المعتدلة، واعتناقه المذهب الحنفى مع إعلاء قيمة المذاهب الثلاثة الأخرى الشافعى والحنبلى والمالكى، المكونة لمربع السنة فى مصر، مع حق الذين يعتنقون عقائدهم فى ممارسة شعائرهم آمنين على أنفسهم فى ذلك بالقدر الذى لا يسبب فتنة، وإننا كما لا نملك التدخل لفحص حالة أهل السنة فى إيران، فلا يجوز لأحد أن يسعى لنشر التشيع فى بلادنا.
هناك متطرفون فى كل الشرائع والملل والمذاهب والمدارس السياسية أيضا، ومن هؤلاء من يشتركون فى صنع أزمة التضاد فى بعض الأحايين، فالمتطرفون الذين يجاهرون «بسب» أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر رضى الله عنها وأرضاها، يؤججون نيران التطرف ويدفعون إلى صنع مناخ مأزوم، ومثل ذلك سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى عن مالك (من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل. قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن). (الصارم المسلول ص 566) والتفصيل فى ذلك واسع جدا.
لذلك فينبغى أن نقف طويلا أمام ما جرى فى قرية أولاد أبو مسلم بالجيزة، وما جرى هناك من وقائع مكتومة، ربما تبقى تفاصيلها غير مكتملة والتى انتهت إلى قتل أربعة من هؤلاء الشيعة، أبرزهم الشيخ حسن شحاتة الذى اشتهر بسب الصحابة رضى الله عنهم، وخاصة أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، والتى لم نزل نرقب المحاكمة التى ستجرى للمتهمين بالقتل لنعرف تفاصيل أكثر.
لا شك أن ما جرى يحتاج لتدخل العلماء الثقاة لوأد الفتنة فى مهدها، ويحتاج أيضا من علماء الاجتماع والسياسة فك الاشتباك بين تفصيلات الخلاف العقائدى بين السنة والشيعة، والنظر فى مسألة العلاقات السياسية بيننا كدولة سنية وإيران كدولة شيعية، وأن العلاقات الدبلوماسية والمصالح السياسية أمر ليس له علاقة بالمسألة العقائدية.

لقد دافعت عن مواطنين مصريين فى قضية عرفت إعلاميا «بخلية حزب الله» وكان معهم متهم لبنانى شيعى، اتهموا اتهامات ليس من بينها نشر التشيع فى مصر، وإنما تقديم الدعم لحركات المقاومة الفلسطينية، دافعت عنهم ليس فقط فى قاعات المحاكم، وإنما أمام الرأى العام الذى حاول كثيرون تضليله بالدخول فى متاهات الاختلاف المذهبى.

وكان إيمانى عميقا بضرورة إقامة جسور التعاون بين الدولة المصرية والجمهورية الإيرانية، فمن غير المعقول أن نقيم علاقات رسمية مع الصهاينة، ونرفض إقامتها مع دولة إقليمية كبرى هى إيران، ولكن تحت تعرضى لضغط مكثف فى دوائر التيار الإسلامى الذى انتسب إليه، وانتقادى بقسوة من دوائر راجحة داخلة خضعت يوما وأنا أبين تمسكى بعقيدتى السنية إلى رفضى محاولات نشر التشيع فى مصر لدرجة أننى من الممكن أن أتقبل من يفعل ذلك، إننى أشعر بأسف عميق لهذا التصريح العقيم مع قناعتى أن الذى يسعى للتنوير عليه ألا يخضع للضغوط والابتزاز.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة