حنان شومان

حكايات من حياتنا.. حنان شومان تكتب: الراقصة والسياسة

الأحد، 05 مايو 2013 07:16 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أقرب المجالات فى الحياة ارتباطاً هما الفن والسياسة، فالذى بينهما ارتباط تاريخى منذ القدم، فالملوك وبلاطهم كانوا دائماً رعاة للفنانين ومكاناً لصولاتهم وجولاتهم.

كما أن ارتباط الفن والسياسة ارتباط فى المعنى والأدوات، ففى الفن أى فن نتعامل مع نص وصورة ظاهرة وأخرى باطنة، فى الفن نتعامل مع سوبر ستارز ومع نجوم صف ثان ومع كومبارس متكلم ومع آخر صامت ومع مجاميع، فى الفن أضواء تبهر عيون الجماهير وقد تخفى ما هو أعظم.. ووهم متفق عليه بين الفنان والجمهور، وتلك المواصفات ذاتها هى ما نتعامل فيه فى عالم السياسة، أليست السياسة نص مكتوب متفق عليه وأضواء ونجوم وكومبارس متكلم وآخر صامت ومجاميع وكاميرات وكذب كأنه صدق وأضواء تبهر حتى تعمى العيون.. إذا فالسياسة والفن وجهان لعملة واحدة لذا لا عجب أن أهل السياسة ينجذبون لأهل الفن والعكس صحيح.

بطلة حكايتنا هى "نون" التى تؤكد كل تفاصيل حياتها أن الفنانين والسياسيين مواطن انجذابهم كثيرة، بدأت حياتها فى عالم السينما مثل أغلب الحالمات مجرد كومبارس بين المجاميع فى ذلك الوقت تتمتع بجمال مصرى وعيون واسعة وجشد ممشوق، ولكنها لم تكن ككل بنات المجاميع فقد كانت أكثرهم ذكاءً وطموحاً وعينها على البطولة ولا شىء غيرها وكانت مستعدة دائماً لتدفع ثمن كل خطوة إما من أجرها أو من دلالها أو حتى مما هو أكثر.

تقدمت "نون" الصفوف قليلا ولكنه تقدم لم يكن يكفى طموحها فقررت أن تحدد هدفها بشكل أعلى، وأعلى الأهداف فى السينما يتم إحرازه عادة إما بالمنتج أو بمخرج، وكأن الحظ يعرف أصحابه فيهيئ لهم الفرص فجاءها دور صغير فى فيلم من إنتاج وإخراج مخرج كبير من الرواد فلم تفوت الفرصة وقررت أن يكون هو هدفها وبذلك تضرب عصفورين بحجر واحد منتج ومخرج معاً.

ولم يكن الهدف صعب المنال فالمخرج كان فى أواسط العمر أو يزيد فاستطاعت بشبابها ودلالها وإصرارها أن تأسره، فما أسهل أسر الرجال خاصة حين يزور الشيب الرأس ويستقر.
تزوجت "نون" المخرج الكبير، فكانت هدية الزواج بطولة فيلم مهم رصُدت له ميزانية ضخمة ودعاية أضخم وكان دور البطلة وطبيعته يفرض على أى مشاهد أن يحب البطلة التى سارت فى طريق الخطيئة ثم تابت ورجعت إلى الصواب.

ولم يطل الزواج فقد كان الهدف منه قد تحقق وكان على "نون" أن تجهز لخطواتها التالية، فخريطة مصر فى ذلك الوقت كانت تتغير، وتغير الخريطة مرتبط بتغير الحكام والسياسيين وكانت نون قد تعلمت من الأجيال التى سبقتها أن نجوم السياسة هم الطريق الأسهل المضمون للثراء والاحتفاظ بالشهرة والأهم السلطة، أما على الطرف الآخر فرجال السياسة والحكام فى بلاد العرب لا يرون اكتمال دورهم أو تتويج مشوارهم إلا لو زُينت عروة الجاكته بزهرة من زهور الفن ويتساوى فى ذلك عادة الوزير والغفير فى هذا العالم إلا من رحم ربى، ولأن مصر كانت دائماً صاحبة السيادة والريادة فى الفن فقد كانت قبلة السياسيين العرب لاستكمال أناقة الجاكت الخاصة بكل منهم.

وكان الفن المصرى فى أوج بهائه بـ"نون" وكثيرات أخريات فوقع فى هواها أحد الشخصيات المهمة العربية واستطاعت من خلال علاقتها به أن تثبت أقدامها فى عالم السينما والبطولة بل صارت منتجة تنتج أفلامها وللحق أحسنت اختيار ما قدمت فهى وإن كانت تلهو فى حياتها فما كانت تلهو على حساب فنها بل كان لهوها من أجله.

وكانت علاقتها بالشخصية المهمة العربية طريقا لمجالسة بعض من كبار السياسيين فى مصر المسئولين عن العلاقات الدولية وخاصة العربية وكانت رقصاتها حديثهم جميعاً فبقدر ما كانت موهوبة فى التمثيل كانت راقصة بارعة ولا تحية كاريوكا فى زمانها، وفى هذه الجلسات توطدت علاقتها بسياسى مصرى وكأنه الرجل الثانى المهموم بشئون مصر الذى وجد على صدرها راحته، فأنهت علاقتها بالعربى الوافد وبدأت علاقتها بالمصرى المهم انتهت إلى زواج سرى كما فى هذه الأحوال.

ولكن فى عالم السياسة والفن مهما حاول أهلهم إخفاء العلاقات فإنها تفضح حتى ولو على نطاق محدود ولكن لا أحد يتحدث عنها بصوت مسموع أو مكتوب حسب قوة السياسى الضالع فى تلك العلاقة ولقوة الرجل الثانى لم يجرؤ أحد على أن يعلن تلك العلاقة.
وقد زاد نفوذ "نون" فى الحياة الفنية فصارت من سيداته الأوائل وأحياناً سيدته الأولى، خاصة أنه لم يكن أحد يضاهيها فى الرقص فالكل يرقص ولكن رقص "نون" كان له طعم مختلف.

ولأن الحياة علمتنا أن بقاء الحال من المحال، فانتهت علاقة الرجل الثانى بالسيدة الأولى أحيانا، وجاءت أجيال جديدة ترقص رقصاً مختلفاً سواء فى عالم الفن أو عالم السياسة، فكما خفتت الأضواء عن النجمة وكادت أن تتوارى رغم كل محاولات إحياء الجمال، خفتت أيضاً أو بالتحديد تم إطفاء الأضواء عمداً عن الرجل الثانى، فمصر كانت تستعد لترتيب البيت لحاكم آخر وهو جمال مبارك الذى أتى براقصيه .

اختفى الرجل الثانى رغم حنكته وطواه النسيان وتكاد السيدة الأولى الراقصة أن تختفى لولا حلم بين الحين والآخر فى رقصة هنا أو عيد ميلاد هناك أو تكريم هنا أو عمل فاشل فنياً هناك.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة