محمد عبد الناصر

راس بناس

الجمعة، 03 مايو 2013 11:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
القصة بدأت قبل اغتيال السادات بقليل، قصة أرض مصرية، تمكن الأمريكان من وضع أياديهم عليها لاستخدامهم العسكرى، بالتحالف مع النظام الفاسد، وبدون ضجة كبيرة، عقب توقيع اتفاقية السلام المشئومة مع إسرائيل "راس بناس"، هى تلك الأرض على الساحل الجنوبى للبحر الأحمر، بمحاذاة أسوان.

فى أكتوبر1981 نشرت مجلة "المجلة" اللندنية، تحقيقا مطولا عن مستقبل الحكم فى مصر بعد السادات، ذكرت فيه تفاصيل تنشر لأول مرة عن عرض السادات لوزير الدفاع الأمريكى هيرالد براون عام 1979، للحصول على قاعدة "راس بناس".

ظلت واشنطن مترددة بعض الوقت، لكنها احتاجت القاعدة مع تطورات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتى، وخوفها من سقوط النفط الخليجى فى يد الروس، وتسلمت أمريكا القاعدة بالفعل بعد سنتين من حكم مبارك، ثم أنفقت عليها 750 مليون دولار، ليمكنها استقبال الطائرات الإستراتيجية بعيدة المدى، وإعداد الميناء البحرى ليستقبل حاملات الطائرات الأمريكية، وفقا لما ذكرته "المجلة".. لا أحد يعلم بالتحديد ما إذا كان السادات قد قدّم ذلك العرض للأمريكان مجانا، أم أن ما حدث كان فى إطار بنود سرية داخل اتفاقية السلام كما أشيع ويشاع.

قبل ذلك بقليل.. فى 20 مارس 1981، نشرت صحيفة الأهرام المصرية على لسان المشير عبدالحليم أبوغزالة، تصريحات ينفى فيها وجود أى قواعد أجنبية على الأراضى المصرية، ويقول: "إن ما نقدمه لأمريكا، كما قرر الرئيس السادات، وأعلن أكثر من مرة، هو مجرد (تسهيلات) قد تستخدمها قوة التدخل السريع لنجدة أى دولة عربية تطلب المساعدة"، ولسنا فى حاجة إلى أن نقول إن الأمر ليس كذلك فى الحقيقة، لأن الأمريكان لا يقدمون المساعدات مجانا، ولكنهم يحمون مصالحهم النفطية فى الجزيرة العربية والخليج.

تطورت الأمور بعد ذلك فى مايو 1981، عندما نشرت صحيفة "الشعب" المصرية المعارضة بعض الأنباء المسربة عن موضوع راس بناس، ووصفت الرغبة الأمريكية فى الوجود العسكرى فيها بأنها "تهديد للاستقلال والسيادة الوطنية".

فى هذه الأثناء فوجئ وكيل إدارة الشئون القانونية بوزارة الخارجية المصرية السفير إبراهيم يسرى، بوزير الخارجية وهو يعرض عليه ملفا فيه مشروع أمريكى كامل "لاستئجار" منطقة راس بناس للنشاط العسكرى الأمريكى، تلا ذلك لقاء مع مجموعة من العسكريين الأمريكان لبحث الموضوع، ثم غادر الوفد الأمريكى دون أن يصل إلى شىء مع الخارجية، وبعدها علم السفير يسرى بأن الطائرات الأمريكية تستعمل مطار راس بناس بالفعل، وأن ما أراده الأمريكان تحقق بدون موافقة الخارجية، بالتنسيق ما بين المؤسسة العسكرية ورئاسة الجمهورية.. وهذه الشهادة مذكورة فى كتاب هو تحت الطبع الآن للسفير يسرى، نقل منه الأستاذ فهمى هويدى هذا الكلام فى مقاله بصحيفة الشروق المصرية يوم 21 أبريل الحالى.

وفى عام 1982، أعلن حسنى مبارك رفض مصر لبناء دائم للقاعدة الجوية الأمريكية على راس بناس، على الرغم من أنه أوضح عدم ممانعة مصر لاستخدام قوات الانتشار السريع الأمريكية للمنشآت العسكرية فى راس بناس فى حالات الطوارئ.

طبعا الرفض هذا كان كلاما للاستهلاك المحلى، لأنه تم رفض التأجير ظاهريا، لكن الله أعلم ما الذى حصل عليه مبارك ورجاله فى المقابل لكى يسمحوا للأمريكان باستغلال الأراضى المصرية فى راس بناس، تحت مسمى التسهيلات أو الدعم.

التاريخ إذن يقول إن وجود الأمريكان فى هذه المنطقة كان قد ابتدأ أصلا فى الثمانينيات بسبب الحرب الباردة مع السوفييت، والحرب الباردة انتهت والاتحاد السوفييتى انهار، فهل انتهت حاجة الأمريكان للقاعدة وتركوها الآن؟.

فى 25 فبراير 2013 قال الدكتور سعد الدين إبراهيم فى برنامج تليفزيونى مشهور، على إحدى الفضائيات المصرية، وهو متاح على اليوتيوب، إنه توجد قاعدة عسكرية أمريكية فى مصر فى بلدة تدعى "بنى ياس" (هكذا نطقها) على البحر الأحمر، ولا يتم الحديث عنها بل يتم نفيها، وقال إنه علم هذه المعلومة من التقارير السنوية الصادرة عن المعهد الدولى للدراسات الإستراتيجية فى لندن، ثم قال: من أين كانت تحلق الطائرات أثناء أزمة الخليج من مصر؟، أم من هذه القاعدة؟.

القاعدة تحتوى على مدرج للطائرات، ورصيف بحرى، وسكن للعاملين يستطيع أن يستوعب أعدادا كبيرة جدا منهم، بالإضافة إلى دشم عسكرية بالطبع.. وهذه معلومات ليست سرية بالمرة.. ويمكن لأى طفل أن يطلع عليها من خلال جوجل إيرث على الإنترنت، وهى منشورة، ومذاعة، ولا تدخل فى إطار السرية وفق أى مفهوم من المفاهيم.
بقليل من البحث والتحرى، نجد أن كلام الدكتور سعد الدين إبراهيم ليس دقيقا، وأن القاعدة ليست أمريكية بالضبط، ولكنها رسميا تابعة لسلاح الجو المصرى كما قلنا سابقا، وتقدم "الدعم" و"التعاون" و"التسهيلات" إلى آخر هذا القاموس، للسفن والطائرات والأفراد الأمريكان.

والسؤال هنا: هل هذا الدعم أو التعاون يعنى التواجد الدائم لعدد ما من القوات الأمريكية فى مصر؟.

أحد الأصدقاء ممن يعملون فى السياحة بالأقصر، أخبرنى أن مجموعة من الضباط الأمريكان يقضون الـ"ويك إند" من وقت لآخر فى الموقع الذى يعمل فيه.

وبشهادة الفريق مهاب مميش القائد السابق للبحرية المصرية فى حوار له فى أغسطس 2012، عقب خروجه من الخدمة، يقول إن عددا من السفن الحربية الأمريكية قد حاولت دخول قناة السويس من "الجهة الجنوبية" أثناء ثورة يناير، خوفا من تأثير الأحداث على الممر الملاحى للقنال.

فمن أين جاءت هذه السفن بهذه السرعة؟، وهل كانت القوات الأمريكية متوجهة للقنال لتتأكد من أن المصريين يديرون الأمور هناك - رغم الثورة - بشكل يرضيهم، وإلا كانوا سيتولون هم الأمر بأنفسهم مثلا، نحتاج إلى أن نفهم.

وفى أخبار تم تداولها فى الصحافة المصرية على نطاق واسع فى شهر أكتوبر من العام الماضى، تم نشر وثيقة منقولة من موقع وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" الرسمى على الإنترنت جاء فيها أن مصر يوجد بها 238 عنصرا عسكريًّا أمريكيًّا، مقسمين بين 167 تابعين للقوات البرية، و22 تابعين للبحرية، و23 لمشاة البحرية، و26 للقوات الجوية الأمريكية، وقد أعد هذه الوثيقة مركز بيانات القوى البشرية التابع للبنتاجون.

وفى 27 أغسطس 2011، نشرت الصحف المصرية خبرا يقول إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وافق على تحويل مطار راس بناس العسكرى إلى مطار مدنى.

ولعل هذا يطمئننا إلى أنه لم تعد حاجة لمطار راس بناس، وأن الوجود الأمريكى فيه انتهى، وأن القوات الجوية الأمريكية بدأت تقلل وجودها فى مصر بعد ثورة الحرية والكرامة، ولكن فى 4 أكتوبر 2012 أعلن موقع "يو إس إيه جوبس USA Jobs" وهو موقع رسمى تابع للحكومة الفيدرالية الأمريكية، عن وجود وظائف شاغرة للعمل بالقوات الجوية الأمريكية، أين؟، فى مصر!.
وفى الشهر نفسه، يعلن المتحدث الرسمى للقوات المسلحة العقيد أركان حرب أحمد محمد على عن أنه لا توجد بمصر أى قواعد أمريكية أو أجنبية.. لكنه سكت عن التفاصيل المعلنة من قبل منذ الثمانينيات من المؤسسة العسكرية المصرية نفسها، عن التعاون العسكرى مع الأمريكان، بما يتضمن استخدام بعض الأراضى المصرية من قبل الجيش الأمريكى.. نعم وكما قلنا قد لا يكون اسم القاعدة رسميا أنها تابعة للولايات المتحدة، ولكنها تستخدمها فى مصر.

لعلنا الآن نتسائل: لماذا الوجود الأمريكى فى مصر من الأساس؟! هل لكى يكون الأمريكان قريبين من مصالحهم النفطية والعسكرية فى الخليج وحسب، لدرء أى تهديد محتمل عليها، من الإيرانيين هذه المرة؟!، أم يريدون أن يكونوا قريبين من قناة السويس استعدادا للسيطرة عليها فى حال تفلت الأمور من المصريين فى أى لحظة من اللحظات؟.

للأسف الشديد هناك أيضا متغير آخر.. يؤسفنى أن أذكره، وهو ما أشار إليه الأستاذ فهمى هويدى فى مقاله الذى تحدثنا عنه منذ قليل والمعنون بـ"نقطة فى بحر الخذلان" بالإحالة إلى المحاضرة الشهيرة التى ألقاها فى عام 2008، وزير الأمن الإسرائيلى الأسبق آفى ديختر على الباحثين فى معهد الأمن القومى الصهيونى، عن الاحتياطات التى اتخذتها الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهة "أى متغيرات فى مصر"، وقال إن من بينها مرابطة قطع بحرية وطائرات أمريكية فى قواعد داخل مصر تتوزع فيما بين الغردقة والسويس وراس بناس.

أخيرا أقول.. إن قاعدة راس بناس ليست الوحيدة من نوعها فى مصر، وليس هذا أكبر التنازلات التى نقدمها للأمريكان، باسم التعاون، والدعم، والكلام الفارغ، ونحن أصلا عيوننا مكسورة بورق البنكنوت الأخضر..

أم تظنون أن دولة تحصل على مساعدات عسكرية من الأجانب يمكن أن تكون مستقلة فعلا؟، أو أن الأمريكان يدفعون 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية كل عام هكذا.. لله وللوطن؟، جون كيرى فى جلسة الاستماع أمام مجلس الشيوخ الأمريكى فى العاشر من أبريل الحالى، قال إن المساعدات العسكرية لمصر يجب أن تستمر فى عهد مرسى لأنها "استثمار للمستقبل".. ولأن تقييم مرسى يجب أن يكون بأفعاله وليس بأقواله.

هذا هو الفخ العظيم الذى نحن واقعون فيه يا أهل مصر، ومازلنا مستمرين على الدرب مع رئيس جديد لا يختلف عن القديم، إلا لحية، ومؤسسة عسكرية استبدلوا فيها اسما باسم آخر لمراعاة السياق الشعبي.. بينما الأمريكان مازالوا ممسكين بخيوط الموضوع كله فى مصر، ونحن واقفون بين السيف والجدار.

الثورة هى الحل










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة