منتصر الزيات

الأمن.. المُفْتَرَىَ عليه والمُفَترِى علينا

الثلاثاء، 14 مايو 2013 04:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تابعت الأسبوع الماضى الوقفة الاحتجاجية أمام مبنى الإدارة العامة للأمن الوطنى بالحى السادس بمدينة نصر، والتى تكررت مرة أخرى بعدها بأيام أمام فرع الأمن الوطنى بمدينة السادس من أكتوبر، والتى دعت إليها فصائل من التيار الإسلامى، وحسبما طالعت من وسائل الإعلام كان الحضور البارز «سلفيا»، ولعل هذا فى حد ذاته تحمل رسالة مهمة من التيار السلفى الذى عانى كثيرا بعد الثورة من اتهامات تتعلق «بعلاقاته» أو بعض رموزه قبل الثورة بجهاز مباحث أمن الدولة المنحل، ولا يجد بعض الذين يسوقون الاتهام مشكلة فى الاستدلال، إذ يستدعون على الفور نداءات «البعض» بعدم شرعية الخروج على رئيس الدولة آنذاك، وهو المخلوع حقا وصدقا وعدلا حسنى مبارك.
ولا شك أن بوح قيادى وداعية كبير فى حجم د. محمد عبدالمقصود بوجود علاقة لبعض «شيوخ السلفية» بأمن الدولة عقّد المشكلة أكثر، خصوصا أنها صدرت فى مناخ يشوبه التوتر نتيجة اختلاف منهجى فى العلاقة بين حزب النور والسيد الرئيس وجماعة الإخوان، مما يدفع الباحثين لعدم تلقى تصريحات «عبدالمقصود» فى إطار «الشهادة»، وإنما فى إطار «الاختلاف السياسى».
الحق أننا «جيل السبعينيات» الذى شهد مولد الصحوة الإسلامية المعاصرة، لا شك أدركنا نشأة التيار أو الفصيل السلفى جنبا إلى جنب، كان معروفا عنه عدم الرغبة فى الانغماس فى السياسة، هناك صولات وجولات بين رموز «الجماعة الإسلامية»، وأعنى بها هنا تلك التى ولدت فى الجامعات المصرية وقتها وبين رموز الفصيل السلفى، وعرفنا فتاوى سلفية «ببدعة عمل الجماعة» واستمر ابتعاد ذلكم الفصيل عن ساس ويسوس وكل ما له علاقة بالسياسة مع العدوان الغاشم الذى مارسه المخلوع حسنى مبارك بحق الجماعات الإسلامية، إذ بدأ بالتيار الجهادى، وفى الصدر منه الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، حتى إذا ما تمكن من إنهاك الجهاديين تحول إلى جماعة الإخوان، وعمل على تحييد السلفيين وبقائهم دعاةً داخل المساجد فقط، وارتضوا هم ذلك فرارا من المقصلة.. وقد كان..
رسالة السلفيين واضحة بتلك الوقفة الاحتجاجية نذيرا لعدم تضخم نفوذ «الأمن الوطنى» مرة أخرى، وهذا الهدف حقٌ ينبغى أن ننتبه إليه جميعا، كل أبناء الوطن، وكل الذين مسهم «الضر».. لئلا يبقى أولادنا وأجيالنا القادمة أسرى معتقلات لعينة سنوات شبابهم مرة أخرى، ولئلا تتكرر المعاناة فى تفصيلات كثيرة مرة أخرى، غير أن ما سلف بيانه لا يمنعنا من القول بضمير مستريح إننا فعلا بحاجة إلى الأمن بكل إداراته وتقسيماته ليعمل من جديد بروح تتوافق مع أهداف ثورة 25 يناير، وهذا يقتضى رؤية نقدية متزنة وموضوعية لا ترتبط كثيرا بشجون الماضى وتتخلص من فكرة الثأر الاجتماعى بقدر ما تحمل رغبة فى استشراف آفاق المستقبل الذى يؤدى الأمن خلاله دوره بكفاءة واقتدار، ونشعر نحن معه بالراحة والسكينة والطمأنينة.
الإنصاف يقتضى عدم التعميم فى الإسقاط على جهاز مباحث أمن الدولة المنحل، سياساته العامة فى الداخل افترت علينا هذه حقيقة لا تنكرها عين مثلما الشمس فى رابعة النهار، لم يكن الأمر وقفا على إدارة مكافحة التطرف فى تخطى القواعد القانونية وفقا لنظرية الرجل المعتاد، لكن مختلف الإدارات داخله سارت وفق نهج يعكس منهجية القبضة الحديدية، فتغّول الجهاز - وهو يتصور أنه يحسن صنعا - فتدخل فى عمل الوزارات والإدارات وكبل إرادة رؤسائها الذين ارتعشت أيديهم عن اتخاذ القرار قبل الرجوع لأمن الدولة، ومنع مواطنين من التعيين فى وظائف بعينها لمجرد أن قريبا من الدرجة الرابعة ينتمى لتنظيم معارض أو معتقل سياسى، وهكذا هذه سياسات افترت علينا.. على الشعب.
داخل كل جهاز وفى كل مصلحة يوجد الطيب والشرير، وجهاز أمن الدولة ليس بدعا من هذه القاعدة، ففيه وفيه، وعندما سنحت الفرصة لتحقيق مصالحة ترمى لوقف نزيف الدم بين فصائل التيار الإسلامى الجهادى والدولة المصرية انتصر هذا الاتجاه وأصحابه داخل جهاز أمن الدولة على الصقور الذين أرادوا الرقص على جثث الشباب المسلم، فلا ينبغى أن نفترى على كفاءات نوعية حققت إنجازات هامة جداً لصالح البلاد والعباد.
كيف يعمل هذا الجهاز؟ ما هى حدود صلاحياته؟ كيف يعود لممارسة مهامه فى تجميع المعلومات والتحريات؟ كيف تؤدى الأجهزة السيادية الأخرى مهامها المتشابهة؟ كيف يمكن أن نستفيد بتجارب دول متقدمة فى هذا السياق؟ هل نحتمل أو تحتمل أى دولة كبيرة بحجم مصر أن تبقى دون جهاز أمن داخلى قوى مؤهل يرصد كل خواطر الشر بيننا؟ كيف تستطيع مثل هذه الأجهزة أن تجمع الأدلة وتمنع الجريمة احترافيا دون أن ترتكب تجاوزات تخترق القانون وحقوق الإنسان؟ كلها أسئلة تحتاج إلى جهد المتخصصين وأصحاب الرأى والأكاديميين لوضع نسق وإطار يضمن استمرار عمل الجهاز كجهة جمع معلومات تفيد أصحاب القرار فى الدولة المصرية، لا بأس من عقد مؤتمر أمنى متخصص يناقش فكرة إعادة هيكلة جهاز الأمن الوطنى أو وزارة الداخلية بشكل عام.
غير أن القدر المتيقن منه أن الشعب الذى ثار كانت أهم أسباب ثورته التجاوزات التى أحاطت بطريقة عمل الشرطة، سواء السياسى منها أو الجنائى، فلن يقبل بحال عودة تلك الممارسات السادية مرة أخرى، لن يقبل التلفيق والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون واحتجاز الأقارب والنساء كرهائن، أو التدخل لحجب حق أو منع كفاءة من شغل وظيفة لسبب سياسى، ينبغى ألا نقبل ثانية إهانة المواطن داخل أقسام الشرطة ودواوين الدولة الأميرية، فلنساعد بجد هيئة الشرطة لتعود إلى ممارسة عملها بدأب ونشاط وهمة وهيبة فلا نفترى عليها ولا هم يفترون علينا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة