معصوم مرزوق

عبور بلا نصر أو هزيمة

الأحد، 21 أبريل 2013 05:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل يمكن أن تعبر مصر تلك الفترة الصعبة من تاريخها بأقل قدر ممكن من الخسائر؟.. إن الاحتمالات التى تبدو أمام الكافة، ويتحدث عنها المحللون والمفسرون والمنجمون سواء فى الصحف السيارة أو ساحات الفضائيات التى تبدو بلا نهاية، احتمالات مخيفة مرعبة، أقلها أن يهرع الشعب صارخاً إلى أعتاب مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة ضارعين أن يتولى الجيش دفة الأمور، ولكن هناك احتمالات مخيفة أخرى مثل حرب أهلية ضارية، أو احتلال أجنبى، أو ثورة هائجة مائجة للجياع.. ولا أفق للاحتمالات السوداء. عندما كنا نقبع فى خنادقنا قبل عبور أكتوبر 1973، كنا نقرأ ونسمع عن مناقرات ديوك التحليل السياسى التى كانت تصب اليأس على العجز ولا ترى غير الركوع والاستسلام للعدو الذى احتل أرضنا، لأن تدمير خط بارليف يتطلب من وجهة نظرهم قنابل نووية غير متوفرة، ولأن الجيش الذى انهزم فى يونيو 1967 يخشى من مواجهة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، ولأن أحوالنا الاقتصادية والأخلاقية والثقافية تتدهور بشكل متسارع.. إلخ.. ولكننا بفضل الله لم نكن نصدق هذه الخزعبلات ونؤمن بقدرتنا على النصر، ونثق فى قيادتنا وأسلحتنا.. ومن المدهش أننا عندما عبرنا قناة السويس، فوجئنا أن أولئك المحللين كانوا من أول آباء النصر ومعهم بالطبع صاحب القرار وصاحب الضربة الجوية، بل ذهب بعضهم إلى أن النصر لم يكن يتحقق لولا مشاركة الملائكة فى العبور، وكأن محمد وجرجس وباقى أبطال العبور لم يكن لهم أى دور، ولابد أن أعترف أن التحدى الحالى يختلف عن التحدى الذى واجهناه فى 1973، بل إننى أراه أشد خطورة، لأننا فى أكتوبر 73 كنا نواجه محنة احتلال أرض وكانت مهمتنا تحرير هذه الأرض، أما المحنة الحالية فهى تفكك الدولة وانهيارها، ومهمتنا هى الحيلولة دون ذلك.

دعوة الجيش للإنقاذ تعنى باختصار فشل الساسة والسياسة، لأن المهنة العسكرية فى التحليل الأخير هى مهنة التغلب أو القهر أو الانتصار لأنه لا يمكن بناء عقلية الرجل العسكرى على قبول الهزيمة أو حتى نصف الانتصار، بينما نجد أن السياسة فى جوهرها هى ممارسة مستمرة للحلول الوسط، وفى تطبيقها الديمقراطى لا تعرف ما يسمى النصر الكامل إلا فى عقول لا تفهم أن الصراع السياسى داخل أى مجتمع هو مباراة تعادلية (وليست صفرية)، أى أن كل طرف من أطرافه يحصل فى التحليل الأخير على جزء من مطالبه الأصلية، وتكمن مهارة كل طرف فى تعظيم هذا الجزء قدر الإمكان.

وربما تنشأ الحاجة بالفعل إلى تدخل الجيش إذا تدهورت الأحوال إلى صراع أهلى دموى شامل أو فوضى شاملة، ولكن ذلك سوف يمثل نكسة للنضال المدنى المصرى عبر الأحقاب السابقة، لأنه مهما كانت النوايا الطيبة للجنرالات فإن تكريس أسلوبهم فى الضبط والربط على كل مؤسسات الدولة، لن يعنى سوى استعادة النظام الديكتاتورى، وإذا ركب الجيش فلن ينزل مرة أخرى لعدد من السنين لا يعلمه إلا الله، ولسوف تجد قطاعات كبيرة من الشعب مسوغاً للقبول بذلك فى هذه الحالة.

لا أتصور أن هذا السيناريو فى مصلحة أهل الحكم أو أهل المعارضة أو أهل مصر بوجه عام وهو ما يقتضى من كل الأطراف أن تعيد تقدير مواقفها، حيث إنه لا يفهم أحد سر العناد الذى تملك من قادة الإخوان المسلمين فجأة، وخروجاً على مواقفهم الأولية العاقلة التى ذهبت إلى المشاركة وليس المغالبة. إنهم كمن يقودون قطار الوطن بأقصى سرعة خارج القضبان، بل إن تمسكهم بهذا العناد يفقدهم التعاطف الشعبى بشكل متزايد مع مرور كل يوم، وأظن أن لديهم من الرجال العقلاء من يفهم أن السياسة هى لعبة التوازن وحلول الوسط، هى معركة مدنية ذخيرتها الحوار والحجج المقنعة، ولا يوجد فيها منتصر أو منهزم. ما زلت أؤمن أن شعب مصر سوف يعبر هذه المحنة، شريطة أن يقتنع الجميع بأن العبور هذه المرة لا يعنى نصر طرف أو هزيمة طرف.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة