سعد الدين الهلالى

سجود الشكر بغير طهارة أو استقبال للقبلة

الإثنين، 30 ديسمبر 2013 11:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السجود فى اللغة يطلق على الخضوع والتذلل، والشكر فى اللغة يطلق على الاعتراف بالمعروف المهيأ للإنسان ونشره والثناء على فاعله.

وسجود الشكر عند الفقهاء يطلق على وضع الجبهة فى الأرض تعظيمًا لله تعالى عند هجوم نعمة أو اندفاع نقمة، ونتكلم هنا عن حكم سجود الشكر، وعن شرط الطهارة واستقبال القبلة فيه.
أولاً: حكم سجود الشكر:
اختلف الفقهاء فى مدى مشروعية سجود الشكر على ثلاثة مذاهب كما يلى.
المذهب الأول: يرى استحباب سجود الشكر عند هجوم نعمة أو اندفاع نقمة، وهو مذهب جمهور الفقهاء، قال به أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيبانى وعليه الفتوى عند الحنفية، وإليه ذهب ابن حبيب من المالكية وعزاه ابن القصار إلى الإمام مالك وصححه البنانى، وهو مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية، وحجتهم:
1 - ما أخرجه أحمد وأبوداود وابن ماجة والترمذى وحسنه عن أبى بكرة، قال: «كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر سرور أو بشر به خر ساجدًا شاكرًا لله» وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن عبدالرحمن بن عوف قال: سجد النبى، صلى الله عليه وسلم، فأطال السجود ثم رفع رأسه، فقال: «إن جبريل أتانى فبشرنى، وقال: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله شكرًا». وأخرج البيهقى عن البراء بن عازب أن النبى، صلى الله عليه وسلم، بعث عليا إلى اليمن فذكر حديثًا طويلاً فى قصة إسلام قبيلة هَمْدان جميعًا، وفيه: «فكتب على، رضى الله عنه، إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ سلامتهم. فلما قرأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الكتاب خر ساجداً ثم رفع رأسه، فقال: «السلام على هَمْدان.. السلام على همدان». وأخرج النسائى والطبرانى بإسناد صحيح عن ابن عباس أن النبى، صلى الله عليه وسلم، سجد فى سورة «ص» وقال: «سجدها النبى داود توبة، ونسجدها شكرًا».
2 - أن سجود الشكر روى عن بعض كبار الصحابة، وهم لا يفعلون ذلك إلا عن توقيف؛ لحسن الظن بهم. ومن ذلك ما أخرجه عبدالرزاق وابن أبى شيبة والبيهقى بإسناد ضعيف أن أبا بكر الصديق حين جاءه فتح اليمامة وخبر قتل مسيلمة الكذاب سَجد لله شكرًا، وأخرج ابن أبى شيبة والبيهقى بسند فيه مقال أن عمر بن الخطاب سجد لما جاءه خبر بعض الفتوحات فى عهده.
المذهب الثانى: يرى عدم مشروعية سجود الشكر، وأنه مكروه لا يستحب فعله، والأولى أن يقتصر على الحمد والشكر باللسان، وهو المنقول عن أبى حنيفة وعن الإمام مالك فى المشهور، وروى عن إبراهيم النخعى، ونقل الطحاوى عن أبى حنيفة أنه لا يرى به بأسًا. وحجتهم:
1 - ما أخرجه البخارى عن أنس بن مالك قال: «بينما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخطب يوم الجمعة إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، هلكت المواشى وانقطعت السبل، فادع الله أن يسقينا، فدعا، فمطرنا فما كدنا أن نصل إلى منازلنا، فمازلنا نمطر إلى الجمعة الأخرى، قال: فقام ذلك الرجل أو غيره فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت وتقطعت السبل، فادع الله أن يصرفه عنا، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اللهم حوالينا ولا علينا»، قال: «فلقد رأيت السحاب يتقطع يمينا وشمالا يمطرون ولا يمطر أهل المدينة»، قالوا: فهذا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يسجد لتجدد نعمة المطر أولاً، ولا لدفع نقمته آخرًا، فلو كان سجود الشكر مستحبًا لما تركه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى مثل تلك المناسبة، وأجيب عن ذلك: بأن شأن المستحب أن يفعل تارة ويترك أخرى.
2 - أن البشارات كانت تأتى النبى، صلى الله عليه وسلم، والأئمة بعده، ولم ينقل عن أحد منهم أنه سجد سجدة الشكر، فلو كانت مشروعة لما تركوها؛ لأنهم الأحرص على الفضائل، وأجيب عن ذلك: بأنه قد نقل عن النبى، صلى الله عليه وسلم، وصحابته الأخيار أنهم سجدوا للشكر، وهو أمر مشهور لا يخفى. قال الشوكانى فى «نيل الأوطار»: وإنكار ورود سجود الشكر عن النبى، صلى الله عليه وسلم، من مثل هذين الإمامين يقصد أبا حنيفة ومالك مع وروده عنه، صلى الله عليه وسلم، من هذه الطرق التى ذكرها ابن حجر وذكرناها من الغرائب.
3 - أن سجود الشكر لم يكن من عمل أهل المدينة، فدل ذلك على أنه غير مشروع، أو أنه منسوخ. وأجيب عن ذلك: بأن الحجة فى الأحاديث التى ذكرها الجمهور، ودعوى النسخ تحتاج إلى دليل ولا يوجد.
4 - أن الإنسان لا يخلو فى جميع أحواله من نعمة أو دفع نقمة، فلو كان السجود لذلك للزمه الحرج والمشقة، ولا معنى لتخصيص بعضها بالسجود. وأجيب عن ذلك: بأن سجود الشكر سنة مستحبة وليس واجبًا حتى تدعى المشقة، ثم إن السجود للشكر إنما يكون فى أحوال نزول النعمة بعد البلاء والشدة.
المذهب الثالث: يرى عدم مشروعية سجود الشكر، وأنه محرم ولا يجوز فعله، بل يجب لمن يريد الشكر أن يصلى ركعتين. وهو قول بعض المالكية كما حكاه القرطبى فى «تفسيره» والمواق فى «التاج والإكليل». وحجتهم: عموم قوله تعالى: «وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب» (ص: 24)، قالوا: فلو كان سجود الشكر مقررًا ومشروعًا لفعله داود عليه السلام ولكنه ركع، أى صلى ركعتين؛ لأن الركوع اسم للصلاة. وأجيب عن ذلك: بما قاله ابن العربى المالكى عند تفسير هذه الآية بأن السجود يطلق على الركوع والعكس؛ لأن السجود هو الميل والركوع هو الانحناء، وأحدهما يدل على الآخر، كما أجيب بأن هذا شرع من قبلنا، وقد ورد فى شرعنا ما ينسخه، ولو لم يكن منسوخًا فهو يدل على صلاة الشكر ولا يمنع من سجود الشكر.
ثانيًا: شرط الطهارة واستقبال القبلة فى سجود الشكر:
اختلف جمهور الفقهاء القائلون بمشروعية سجود الشكر فى اشتراط الطهارة واستقبال القبلة وغيرها من الشروط التى لا تصح الصلاة إلا بها عند سجود الشكر، وذلك على مذهبين فى الجملة.
المذهب الأول: يرى أن سجود الشكر يصح بدون الشروط المعروفة فى صحة الصلاة من طهارة البدن والثوب والمكان، ومن استقبال القبلة ونحوها، وهو قول بعض المالكية كما ذكر الحطاب وأخذ به ابن جرير الطبرى، وإليه ذهب ابن حزم الظاهرى، وبه قال ابن تيمية وابن القيم، واختاره الشوكانى والصنعانى. وحجتهم:
1 - أن اشتراط الطهارة أو غيرها من شروط صحة الصلاة لسجود الشكر يحتاج إلى دليل، ولا يوجد مع حاجة الناس إلى بيانه لو كان واجبًا. فلا يجوز إيجاب ما لم يوجبه الشرع.
2 - أن سر المعنى الذى يؤتى بالسجود لأجله يزول لو تراخى حتى يتطهر.
3 - أنه لم يرد فى الشرع تسمية سجود الشكر صلاة حتى تشترط فيه ما نشترطه فيها، ولم يسن فى سجود الشكر الاصطفاف أو تقدم إمام، كما لم يرد فيه تكبيرة الإحرام أو تسليمة التحليل، فكان اشتراط ذلك فى سجود الشكر تزيدًا بغير دليل.
4 - أن قياس سجود الشكر على الصلاة بدعوى أن السجود جزء من الصلاة قياس فاسد لا يدل على أنه صلاة؛ لأن القراءة والتكبير والتسبيح مما يفعل فى الصلاة، ولم يقل أحد بأنه يشترط لذلك ما يشترط لصحة الصلاة.
المذهب الثانى: يرى أنه يشترط لصحة سجود الشكر ما يشترط لصحة الصلاة النافلة. وهو مذهب الجمهور قال به بعض الحنفية والمالكية، وإليه ذهب الشافعية وأكثر الحنابلة وروى عن النخعى. وحجتهم:
1 - عموم ما أخرجه مسلم عن ابن عمر أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول»، كما أخرج الشيخان عن أبى هريرة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ». قالوا: وسجود الشكر المقرر نوع صلاة؛ لأنه سجود يقصد به التقرب إلى الله تعالى، له تحريم وتحليل، فشرط له شروط صلاة النافلة، فقد أخرج أحمد وأبوداود والترمذى بإسناد حسن عن أبى سعيد الخدرى وعن على وعن عائشة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم».
وقد اختار المصريون مذهب جمهور الفقهاء القائلين باستحباب سجود الشكر عند هجوم نعمة أو اندفاع نقمة ليس لكونه مذهب الجمهور وإنما لكونه مشبعًا للعاطفة الإيمانية. ولذلك فإن المصريين قد تركوا مذهب الجمهور عندما اشترطوا لصحة سجود الشكر الطهارة واستقبال القبلة وغيرها من شروط صحة صلاة النافلة؛ لما فى تلك الشروط من مشقة وحرج على من تفاجأ بالنعمة، ولم يكن فى حال طهارة أو علم باتجاه القبلة.
وأخذ المصريون بالقول المخالف للجمهور الذى ذهب إليه بعض المالكية وابن جرير الطبرى وابن حزم الظاهرى وابن تيمية وابن القيم واختاره الشوكانى والصنعانى، القائلون بصحة سجود الشكر بدون الشروط المعروفة فى صحة الصلاة؛ لما فى هذا القول من تيسير العبادة، فضلاً على كونه صادرًا من أهل العلم الذين يقتدى بهم، وأنه لا فضل لمذهب على مذهب إلا بحسب قناعة الناس، ولا سواد لقول على قول إلا بحسب اختيار الناس؛ لما أخرجه أحمد بإسناد حسن عن وابصة بن معبد، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال له: «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك».








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

ramez

خلاصة مافهمت

عدد الردود 0

بواسطة:

علي

جزاك الله خيراً يا مولانا

ونفع الله بك وبعلمك

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبده

جزاك الله خيرا

جزاك الله خيرا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة