سعد الدين الهلالى

هدم الطلاق

الإثنين، 23 ديسمبر 2013 08:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تميزت مسألة ما يتهدم من عدد الطلاق بزواج المرأة من غير مطلقها، بلقب خاص عند الفقهاء، نظراً لأهميتها وخطورتها فى العلاقات الزوجية الدينية بحسب نظرة الفقهاء فى الشريعة الإسلامية، وتعرف بمسألة «هدم الطلاق»، وصورتها أن يطلق الرجل زوجته مرة واحدة أو مرتين فقط ولا يراجعها فى مدة العدة، بل يتركها حتى تبين منه ثم تتزوج هى برجل غيره وتزف إليه ويدخل بها، ثم يطلقها هذا الزوج الثانى أو يموت عنها، وتقضى المرأة عدتها حتى تبين من الرجل الثانى، ثم يتزوجها الرجل الأول، فهل يبنى عليها ما بقى له من الثلاث، أو يثبت له عليها ثلاث تطليقات؟

لقد اتفق الفقهاء على أن الزوج إذا طلق زوجته ثلاثًا، وقضت عدتها منه، ثم تزوجت من رجل غيره ودخل بها، ثم طلقها هذا الزوج الثانى أو مات عنها وقضت عدتها منه، ثم عاد الزوج الأول إليها فتزوجها بعقد ومهر جديدين فإنه يملك عليها ثلاث تطليقات؛ لظاهر قوله تعالى: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» «البقرة: 229»، مع قوله تعالى: «فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله» «البقرة: 230».

كما اتفق الفقهاء على أن الرجل إذا طلق زوجته بما دون الثلاث، كما لو طلقها مرة واحدة أو مرتين فقط، وبقيت المرأة خلية بغير زواج، ثم رضيت بالزواج منه مرة ثانية فإنه لا يملك عليها من الطلاق إلا ما بقى له من الثلاث، أما إن طلقها بما دون الثلاث وتركها حتى انقضت عدتها، فتزوجت من غيره ودخل بها ثم مات عنها هذا الزوج الثانى أو طلقها وتركها حتى انقضت عدتها، فتقدم لها زوجها الأول فقبلت الزواج منه، فقد اختلف الفقهاء فى العدد المستحق عليها من الطلاق، وذلك على مذهبين:

المذهب الأول: ينكر فكرة هدم الطلاق، ويرى أن الرجل الذى طلق زوجته مرة أو اثنتين وتركها حتى بانت منه ثم تزوجها رجل آخر ودخل بها ثم طلقها أو مات عنها وانتهت عدتها منه، فتزوجها الرجل الأول فإنه لا يملك عليها إلا ما بقى من الثلاث، فإن كان أبانها بواحدة ملك عليها اثنتين أخريين، وإن كان أبانها باثنتين ملك عليها ثالثة فقط.

وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء، قال به محمد بن الحسن الشيبانى صاحب أبى حنيفة، وصححه فى المذهب الكمال بن الهمام وغيره، وإليه ذهب المالكية والشافعية وهو المشهور عند الحنابلة، وروى عن كثير من الصحابة منهم عمر وعلى وعمران بن حصين وأبوهريرة وعبدالله بن عمرو بن العاص، وغيرهم، وحجتهم:

1 - قوله تعالى: «فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره» «البقرة: 230»، وذلك بعد قوله تعالى: «الطلاق مرتان» «البقرة: 229».حيث اشترطت الآية الكريمة وقوع الطلقة الثالثة حتى يكون زواجها من الرجل الآخر هادمًا لطلاق الرجل الأول، أما إذا لم تقع الطلقة الثالثة من الزوج الأول فليس للزواج الثانى تأثير فى الهدم مثل وطء الشبهة، فقوله تعالى: «فإن طلقها فلا تحل له من بعد» أى بعد الطلقة الثالثة، ولا يقال إن قوله تعالى: «الطلاق مرتان» «البقرة: 229» يدل على هدم الطلاق بالزواج الثانى؛ لأنه إذا اجتمع فى الآية الواحدة ما يوجب الحظر والإباحة كان تغليب ما يوجب الحظر على الإباحة أولى احتياطًا فى الدين، خاصة فى مسائل المطعومات والمنكوحات عند جمهور الفقهاء.

2 - أن وطء الزوج الثانى لا يثبت الحل فى ذاته، لأن الحل إنما يثبت فى محل فيه تحريم، وهى المطلقة ثلاثاً، وههنا هى حلال له، لأنه لم يوقع عليها سوى طلقة أو طلقتين، فلا يزال حقه الشرعى فى الثالثة قائماً، وليس فى حاجة إلى سبب شرعى آخر للزواج من مطلقته، وهو الزواج من آخر.

3 - أن الوطء الثانى لا يهدم الطلقات الثلاث حتى يقال إنه أولى أن يهدم مدون الثلاث؛ لأن حقيقة الوطء الثانى أنه رافع للتحريم أو غاية للتحريم الذى ثبت بالثلاث، أما ما دون الثلاث فلا تحريم فيها فلا يكون غاية له.

المذهب الثانى: يقر بفكرة هدم الطلاق، ويرى أن الرجل إذا طلق زوجته مرة أو مرتين وتركها حتى بانت منه ثم تزوجها رجل آخر ودخل بها، ثم فارقها وصارت بائناً وانتهت عدتها، ثم تزوجها المطلق الأول بعقد ومهر جديدين فإنه يملك عليها ثلاث تطليقات وقد انهدم ما أبانها به سابقاً، وإلى هذا ذهب أبوحنيفة وأبويوسف، ورجحه فى المذهب العلامة قاسم وأصحاب المتون، وهو رواية عند الحنابلة، وبه قال بعض الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس، وحجتهم:

1 - قوله تعالى: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» «البقرة: 229»، فهذا بيان لحق الزوج فى الطلاق الرجعى الذى يملكه على زوجته، ثم هو بالخيار بين الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان إن أوقع الثالثة، فإن كان التسريح بإحسان بعد الطلقة الأولى أو الثانية فتزوجها رجل آخر كان له عليها مثل ذلك، فإن تركها هذا الآخر وعادت للأول كان له مثل ما للرجل الثانى، وهكذا، عملاً بظاهر الآية: «الطلاق مرتان»، ولا يقال إن قوله تعالى: «فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره» «البقرة: 230» يدل على عدم هدم الطلاق إلا بعد وقوع الطلقة الثالثة، لأنه إذا اجتمع فى الآية الواحدة ما يوجب الحظر وما يوجب الإباحة كان تغليب ما يوجب الإباحة أولى لرفع الحرج وأخذاً بالتيسير فى الدين عند كثير من الفقهاء.

2 - أن وطء الزوج الثانى يهدم الطلاق الثلاث الواقع من الزوج الأول بالإجماع، فكان على هدم ما دون الثلاث أولى، فالذى يقوى على حمل مائة رطل يكون على حمل رطل واحد أولى، وكالماء إذا رفع كثير النجاسة كان برفع قليلها أولى، وكالغسل إذا رفع الجنابة- وهى حدث كبير- كان برفع الحدث الأصغر- وهو عدم الوضوء دون الجنابة- أولى.

وقد اختار المصريون ما ذهب إليه أبوحنيفة وأبويوسف ومن وافقهم من بعض الحنابلة الذين قالوا بهدم الطلاق، وهو الذى عليه العمل فى المحاكم، فإذا تزوجت المطلقة بغير مطلقها ودخلت به فإن ما يكون عليها من عدد الطلقات من مطلقها الأول ينهدم، على معنى أنه إن كان قد طلقها مرة واحدة أو مرتين وبانت منه ثم تزوجها رجل آخر ودخل بها، ثم مات عنها أو طلقها وبانت منه فأراد المطلق الأول أن يتزوجها ورضيت به فله عليها ثلاث تطليقات، لأن زواجها الثانى هدم الطلاق الأول والثانى كما يهدم الطلاق الثلاث.

وكان اختيار المصريين لهذا القول متفقًا مع منطقهم العقلى الذى يرى أن الزواج الذى يهدم الطلاق الثلاث أولى به أن يهدم ما دونه من العدد، فضلًا على الأخذ بالتيسير فى الدين.

وترك المصريون مذهب الجمهور الذى يرى عدم هدم الطلاق بالزواج الثانى إلا أن يكون الزوج الأول قد طلقها ثلاثاً، فإن كان قد طلقها مرة واحدة أو مرتين فقط ثم تزوجها رجل آخر ودخل بها، ثم طلقها واعتدت منه فأراد المطلق الأول أن يتزوجها من جديد لم يكن له عليها إلا طلقة واحدة أو طلقتين تكملة لما كان له عليها فى الزواج الأول، بدعوى أن الزواج الثانى لا يحل فى ذاته المرأة لمطلقها الأول إلا إذا كان قد طلقها ثلاثاً.

ولم يكن ترك المصريين لمذهب الجمهور فى هذه المسألة تشهياً أو تجرؤاً، وإنما كان للعنت المترتب عليه، فضلاً على الجمود فى ترك القياس الأولوى، فإن ما يهدم الثلاث كان لهدم ما دونها أولى.

وبهذا نرى امتثال المصريين لحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذى أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن عن وابصة بن معبد، وفيه أن النبى، صلى الله عليه، وسلم قال له: «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك»، وأخرجه عن أبى ثعلبة الخشنى عندما سأل النبى صلى الله عليه وسلم عما يحل وعما يحرم له، فقال صلى الله عليه وسلم: «البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون».








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

فكرى الفساخ

يشرفنى انى بلدياتك

عدد الردود 0

بواسطة:

وائل العشرى

نفعنا الله بعلمك وجزاك عنا حير الجزاء

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة