سعد الدين الهلالى

عورة المرأة المسلمة أمام غير المسلمة

الإثنين، 02 ديسمبر 2013 08:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
العورة فى اللغة هى الشىء المعيب أو القبيح، وأصلها من العور وهو الشين والقبح.. والعورة فى اصطلاح الفقهاء: تطلق على كل ما طلب الشارع ستره من جسد الرجل أو المرأة فى الصلاة ونحوها، أو أمام الآخرين غير الزوج بضوابط خاصة، قال الإمام النووى فى شرحه لصحيح مسلم: وتسمى العورات سوءة لأنه يسوء صاحبها كشفها.. وقال فى كتابه المجموع: إن ستر العورة ليس عبادة محضة بل المراد منه الصيانة عن العيون.

ويتحقق ستر العورة بكل ساتر لا يصف لون البشرة من بياض أو سواد؛ لأن الستر إنما يحصل بذلك، ولا يعتبر ألا يصف حجم العضو؛ لأنه لا يمكن التحرز عنه.

وذهب أكثر المحققين من الفقهاء إلى أن ستر العورة كان فى الشرائع السابقة من المروءات الإنسانية ولم يصبح واجباً إلا فى شريعتنا الإسلامية؛ استدلالاً بما أخرجه الشيخان عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى إلا أنه آدر- أى عظيم الخصيتين- فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فخرج موسى فى أثره يقول: ثوبى يا حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس، وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربًا».. يقول ابن حزم فى هذا الخبر: إن بنى إسرائيل كانوا يغتسلون عراة وكان موسى يغتسل فى الخلاء ولم يأت أنه نهاهم عن الاغتسال عراة فدل على مشروعية التكشف فى شريعة موسى عليه السلام. ويقول ابن حجر: ظاهر الحديث أن التعرى كان جائزاً فى شرعهم وإلا لما أقرهم موسى على ذلك، وكان هو يغتسل وحده أخذاً بالأفضل.

وذهب بعض المحققين كابن بطال والإمام النووى إلى أن ستر العورة كان واجبًا فى كل دين غالباً، قال ابن بطال: وما روى من تعرية بنى إسرائيل يدل على أنهم كانوا عصاة على ذلك، وقال النووى: كانوا يتساهلون فيه كما يتساهل فيه كثيرون من أهل شرعنا.

وعورة الرجل والمرأة فى الصلاة هى أكمل العورات فى عموم الأحوال باعتبار شهود الملائكة للصلاة، والملائكة جنس يختلف عن جنس ولد آدم، فكانت حدود العورة المأمور بسترها فى الصلاة هى حدود العورة المأمور بسترها بين الأحرار من الرجال والنساء الأجانب؛ لما أخرجه مسلم من حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان».

أما فى غير الصلاة فإن حدود العورة المأمور بسترها والمنهى عن النظر إليها يختلف باختلاف أحوال الجنس والمحارم والسن والحرية، والذى يعنينا هنا هو حدود العورة مع اتحاد جنس الأنوثة بين المسلمات وغيرهن، حيث اختلف الفقهاء فى حدود عورة المرأة المسلمة أمام المرأة المسلمة أو غيرها على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: يرى أن حدود عورة المرأة المسلمة أمام المرأة المسلمة أو غير المسلمة من السرة إلى الركبة.. وهو أحد الوجهين عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة.. وحجتهم: القياس على عورة الرجل بالنسبة إلى الرجل التى أجمع الفقهاء على أنها لا تختلف باختلاف صفة الإسلام وغيره.. وأن تحديدها بهذا القدر يرجع إلى ما أخرجه الدارقطنى وأحمد عن عبدالله بن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ما تحت السرة إلى الركبة عورة»، وما أخرجه أحمد والترمذى وحسنه عن جرهد أن النبى صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه فقال له: «غط فخذك فإنها من العورة».. قالوا: وإلى هذا التقدير فى العورة بين الرجال ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمشهور عند المالكية ومذهب الشافعية والمشهور عند الحنابلة. وإذا كان هذا مذهب الجمهور فى تقدير العورة بين الرجال فإنه يقاس عليه تقدير العورة بين النساء لاتحاد الجنس.

المذهب الثاني: يرى أن حدود عورة المرأة المسلمة أمام المرأة المسلمة أو غيرها تنحصر فى السوءتين فقط.. وهو رواية عند الحنابلة وإليه ذهب الظاهرية.. وحجتهم: القياس على عورة الرجل بالنسبة إلى الرجل التى أجمع الفقهاء على أنها لا تختلف باختلاف صفة الإسلام وغيره، وأن تحديدها بهذا القدر يرجع إلى ما أخرجه مسلم عن أنس بن مالك، أن النبى صلى الله عليه وسلم حسر يوم خيبر الإزار عن فخذه حتى إنى لأنظر إلى بياض فخذه. وما أخرجه مسلم عن عبدالله بن الصامت أنه سأل أبا ذر فضرب على فخذه، وقال - أى أبو ذر - إنى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب فخذى كما ضربت فخذك وقال: «صل الصلاة لوقتها فإن أدركتك الصلاة معهم فصل ولا تقل إنى قد صليت فلا أصلى».. قال ابن حزم: «فلو كان الفخذ عورة لما مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبى ذر أصلاً بيده المقدسة، ولو كانت الفخذ عند أبى ذر عورة لما ضرب بيده، وما يستحل لمسلم أن يضرب بيده على ذكر إنسان على الثياب، ولا على حلقة دبر الإنسان لا على الثياب ولا على بدن امرأة أجنبية على الثياب البتة» قالوا: وإلى هذا التقدير فى العورة بين الرجال ذهب بعض المالكية والحنابلة فى رواية عندهما وهو اختيار أهل الظاهر، ويقاس عليه حد العورة بين النساء لاتحاد الجنس وأمن الفتنة.

المذهب الثالث: يرى اختلاف تحديد عورة المرأة المسلمة باختلاف دين المرأة الناظرة، فالعورة بين المسلمات تنحصر فيما بين السرة والركبة، وأما عورة المرأة المسلمة بالنسبة إلى غير المسلمة فتعم كل الجسد إلا الوجه والكفين، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والأصح عند الشافعية، وحجتهم: أن العورة بين المسلمات وبعضهن يرجع فى تحديدها إلى مبدأ اتحاد الجنس فيما بين الرجال المسلمين وبعضهم، أما تحديد العورة بين المسلمات وغيرهن فهى ما عدا الوجه والكفين لما يأتى:

1 - عموم قوله تعالى: «ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آباءهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن» (النور :31).
حيث خصت الآية الكريمة الحكم بالنساء المسلمات بقوله: «أو نسائهن»، فلو جاز إبداء الزينة أمام المرأة غير المسلمة لما بقى للتخصيص فائدة.

2 - ما أخرجه البيهقى والطبرى من رواية قيس بن الحارث فى كتاب عمر بن الخطاب إلى أبى عبيدة يأمر فيه بمنع الكتابيات من دخول الحمام مع المسلمات وقال: «فإنه يحرم لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها».

وقد اختار المصريون مذهب الحنابلة فى المشهور، وهو قول بعض الشافعية فى وجه ومذهب الظاهرية الذين لم يفرقوا فى عورة المرأة المسلمة بين النساء المسلمات أو غير المسلمات لاتحاد الجنس، وترك المصريون مذهب جمهور الفقهاء الذى يرى وجوب التفريق فى تحديد عورة المرأة المسلمة بين المسلمات وغير المسلمات، فلا يجيزون للمرأة غير المسلمة أن ترى من المرأة المسلمة سوى الوجه والكفين، أما المسلمة فلها أن ترى من أختها ما يراه أهل المحارم بدون فتنة فيما عدا ما بين السرة والركبة.

ولم يكن ترك المصريين لمذهب الجمهور فى هذه المسألة تجرؤاً أو لمجرد المخالفة الفقهية، وإنما كان من باب قناعة المصريين بوجاهة منطق الحنابلة ومن وافقهم القول بعدم التفريق فى عورة المرأة المسلمة بين المسلمات أو غيرهن لأمن الفتنة مع بنات الجنس الواحد خاصة مع قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن: «يا وابصة استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك».

هذا بالإضافة إلى أن هذا القول المخالف للجمهور يحقق مصلحة عامة للمسلمين فى تواصل المسلمات ورفع الحرج عنهن فى التعامل مع غيرهن أو التعايش مع غير المسلمات فى المدن الجامعية النسائية ونحوها، وقد قال تعالى: «وما جعل عليكم فى الدين من حرج» (الحج:78).








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

المبدأ حماية عورة المراه المصريه من الانخداش - لماذا الطائفيه والتعصب فى عرض الموضوع

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد حسنين

دلوقتى عرفنا ليه اختاروك فى لجنة الخمسين

عدد الردود 0

بواسطة:

ناس فاضية

ياأمة ضحكت من تفاهتها الأمم

عدد الردود 0

بواسطة:

عابر سبيل

الحمد لله على نعمة العقل

الحمد لله على نعمة العقل

عدد الردود 0

بواسطة:

درويش المعتزل

علي النعمة آخر مزاج

عدد الردود 0

بواسطة:

استاذة جامعية

ارحمونا من الأفكار التي عفي عليها الدهر وشرب

عدد الردود 0

بواسطة:

bahira

قضية فقهية لمن يتحرى الورع فى دينه

عدد الردود 0

بواسطة:

عادل و الآن عادل الأول

" أبو زيد الهلالى "

عدد الردود 0

بواسطة:

صبحى صالح

قصة جميلة

عدد الردود 0

بواسطة:

ابراهيم ذكى

لغة القران ولغة دمشق وبغداد

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة