محمد إبراهيم الدسوقى

غرباء الوطن

الأربعاء، 26 سبتمبر 2012 12:18 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الثالث والعشرين من مايو 2010، كتبت فى هذه الزاوية مقالا كان عنوانه "مصريون غرباء"، وتحدثت فيه عن شعور المصريين بأنهم غرباء فى بلادهم وخارجها، ففى الداخل هم مهملون محرومون من أبسط الحقوق والمزايا المفترض تمتعهم بها، وكذلك فى الخارج لا يهب أحد لنجدتهم مما يتعرضون له من ظلم وعنت، خصوصًا فى دول عربية شقيقة كانت تعاملهم كالعبيد، ولا تزال.

وحسبت أن ثورة الخامس والعشرين، التى أعتبر نفسى من مناصريها الأوفياء، ستتكلف تدريجيا بمحو هذا الإحساس البغيض القاسى، غير أننى لاحظت أنه مع مرور الوقت يحدث العكس، فهو يتعمق ويتوغل فى نفوس الكثيرين من بنى الوطن. وحتى لا نطلق أحكامًا قد يراها بعضنا جائرة وغير واقعية، فإنه يستحسن عرض شواهد تدلل على ذلك، وسوف أستهلها من قرار فريد غير مألوف اتخذه أهل قرية " التحسين " التابعة لمركز بنى عبيد فى محافظة الدقهلية، والبالغ عددهم ثلاثة آلاف شخص، بإعلان انفصالهم إداريًّا عن الدقهلية، احتجاجًا على ما سموه تجاهل المسئولين لمطالبهم عندما اعتصموا قبل أسبوعين، بسبب تردي أحوالهم وحرمانهم من أدنى الخدمات العامة.
كما قرروا أنهم أصبحوا من الآن فصاعدًا تابعين مباشرة لرئاسة الجمهورية، واعتزامهم إخلاء قريتهم والقدوم للإقامة فى محيط القصر الرئاسى، وختموا رسالتهم للرئيس محمد مرسى بعبارة تنضح بالألم والمرارة ونصها: " ما أن تقع عيناك على قريتنا حتى تشعر أنك تشاهد عصرًا غير العصر، وزمنًا غير الزمن، تقرأ فى ثناياها ملامح لعهود الظلم والفساد والفقر والقهر والجهل والمرض والشقاء والعناء، سيادة الرئيس نعانى مرارة الغربة فى بلدنا". العبارة لا يلزمها شرح وتفصيل، فهى واضحة وضوح الشمس، وتشير إلى أنها لا تمت بصلة قريبة أو بعيدة للألفية الثالثة ولا الثانية، وأننا لا نعرف عن مصر الحقيقية غير القشور، وأن النيران مشتعلة تحت الرماد لا ندرى متى سيتصاعد لهيبها إلى عنان السماء.
الشاهد الثانى أن تلاميذ " عزبة خلف " الابتدائية بمركز القوصية فى أسيوط، امتنعوا عن الذهاب إليها، جراء استمرار إطلاق النار فى محيطها يوميًّا بشكل عشوائى، على خلفية خصومات ثأرية بين نحو 30 عائلة بالقرية. هؤلاء البؤساء سيضيع مستقبلهم التعليمى، ناهيك عن الخوف المسيطر على أسرهم، وأنهم ليسوا على خريطة الإدراك العام، وكأنهم غرباء لا قيمة لهم ولا لمعاناتهم، ومن الظاهر أن صوتهم قد بح من كثرة الشكوى للجهات المسئولة التى تبدو عاجزة عن توفير الحدود الدنيا من الأمان للمواطنين الذين كتب عليهم التخندق وراء أكياس الرمل، تفاديا للرصاص الطائش المنهمر من كل اتجاه. لو أضيف للشاهدين السابقين تواصل عمليات الهجرة غير الشرعية للشباب الغض، لاكتشفت تغلغل إحساس الغربة بين قطاعات كثيرة من المصريين، وتلك معضلة خطيرة لابد من معالجتها سريعًا ودراستها باستفاضة؛ لأنها ستعوق محاولات إعادة بناء البلاد على قواعد جديدة تزيد وتعلى من قيم الارتباط بالوطن والوقوف إلى جانبه وقت الشدة والحاجة، وليس الغضب منه وتركه لحال سبيله يتعثر ويترنح فى خطواته.
هذه استغاثة موجهة للقيادات وصناع القرار فى الرئاسة والحكومة المطلوب منهم التحرك على وجه السرعة، فعيب وألف عيب أن تهب ثورة لاقتلاع جذور نظام ديكتاتوري فاسد أساء لمواطنيه كثيرًا بدون أن تزيل من نفوسهم المحتقنة الشعور بالغربة فى وطنهم.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة