محمد إبراهيم الدسوقى

التاريخ لن يرحمنا

الإثنين، 23 يوليو 2012 11:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أتدرون لماذا لن يرحمنا التاريخ، وسيكون قاسيًا فى أحكامه علينا؟ لأننا انغمسنا حتى النخاع فى الركض وراء التفاهات والأمور الهامشية، تاركين القضايا الكلية المصيرية التى من المفترض أن تكون هى شغلنا الشاغل. ولإجلاء الهدف فإن المصريين كمواطنين ونخبة لم يعيروا اهتمامًا للتنقيب عن كنوز المعلومات المخفية بفعل فاعل، ونحن لم نبد اكتراثًا بها، لنعرف مواضع الخطأ والصواب فى العهود والأنظمة السابقة، ونقدم لأجيالنا فى المستقبل تاريخًا متماسكًا غير ملون، يقدرون من خلاله على استخلاص الدروس والعبر، بدلاً من روايات متناثرة لا ندرى قدر مصداقيتها، وعكسها ما جرى فى الماضى بأمانة.

وحتى لا تشعر بالحيرة سأعرض عليك نموذجًا حيًّا لما أسعى لبيانه وإيضاحه، فقد تابعنا جميعًا إبان الأيام الماضية الصخب المثار حول موقف الرئيس محمد مرسى من الاحتفال بالذكرى الـ 60 لثورة 23 يوليو 1952، قبل أن يدلى ببيانه الذى اعتبر فيه ثورة الخامس والعشرين من يناير امتدادًا طبيعيًّا لرافد ثورة الثالث والعشرين من يوليو.

وقبلها انقسم الناس والمعلقون إلى فريقين، أحدهما متحفز ضد مرسى ارتكانًا إلى أنه باعتباره إخوانيًّا لن يحتفى بالمناسبة الوطنية، وأنه لا يجرؤ على اتخاذ مواقف تخالف ما استقرت عليه جماعة الإخوان المسلمين الكارهة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذى ناصبهم العداء وزج بهم فى غياهب السجون والمعتقلات، وطالبه بالذهاب لضريح عبد الناصر، لإثبات أنه رئيس يقدر من سبقه فى الجلوس على المقعد نفسه.

أما الفريق الآخر فآثر إمساك العصا من المنتصف، لكى لا يغضب الذين يناصرون مرسى، ومن يؤيدون عبد الناصر ويكنون له حبًّا شديدًا، تقديرًا لما قام به من جهد فى تحديث وتطوير مصرنا بعد ثورة 23 يوليو.

ووقفنا نتفرج على السجال والتراشق بين المعسكرين، ولم نكلف خاطرنا بالجواب عن سؤال محورى عمًّا نمتلكه تحت أيدينا من حقائق ووثائق مؤكدة حول ثورة 23 يوليو، يليها كل الحوادث والأزمات الوطنية التى عاصرتها مصر خلال رئاسة عبد الناصر ومن بعده السادات.

ربما تندهش وربما لا، لكن ما نعرفه ينحصر فى زاوية "أقل القليل"، فما كُتب اصطبغ وتلون بالمنظور الشخصى، بما فى ذلك ما كتبه الأستاذ الكبير حسنين هيكل من مقالات وكتب تناولت علاقته الوطيدة بعبد الناصر. إن قفزنا فوق حواجز الزمن لنصل لوقتنا الراهن فسوف نكتشف أننا لم نبرأ بعد من هذا المرض اللعين، فأسرار عهد حسنى مبارك دفنت داخل صندوق حديدى ألقى فى قاع المحيط، وسنظل نتخبط دون أن نعرفها يقينًا.

فبسهولة شديدة فرطنا فى أشخاص كانوا بمثابة خزائن متحركة لكل كبيرة وصغيرة فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك، وخرجوا من البلاد بدون رقابة ولا اعتراض، منهم بطرس غالى، وزير المالية الأسبق، والمهندس رشيد محمد رشيد، والفريق أحمد شفيق، آخر رئيس للوزراء قبل الثورة، وقبل يومين رحل اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة السابق، ودُفن معه فى قبره كل ما يعلمه من وقائع وملفات تخص مبارك وأركان حكمه، مرورًا بفضائح الفسادين الاقتصادى والسياسى اللذين مارسهما نجلا مبارك تحت سمع وبصر الجميع.

إن كنا حقًّا وصدقًا جادين فى بناء مصر جديدة؛ فإنه من الأولى بنا التركيز على انتشال صناديق أسرار بلدنا منذ حكم عبد الناصر والسادات وانتهاء بمبارك، إذ لا يجوز أن تظل الحكايات التى يكتبها هذا أو ذاك لغرض فى نفس يعقوب هى أقصى ما نحصل عليه من تاريخنا الممزق الذى لا نعلم أوله من آخره، ومَن الظالم ومَن المظلوم، ومَن البطل ومَن النذل، ومَن المصيب ومَن المخطئ، وليتنا نبادر بالسعى لاسترداد مخازن الأسرار، فتلك أعظم شأنًا من الأموال المهربة والاختلاف حول الاحتفاء بالمناسبات القومية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

يحيي رسلان

قبل الثورة حكام جبابرة وشعوب ذليلة

وبعد الثورة حكام طيبين وشعوب جاحدة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة