صلاح عيسى

غواية الإعلام تقود الثوار إلى معسكر فلول الثورة!

الخميس، 19 أبريل 2012 09:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من بين إنجازات ثورة 25 يناير المصرية، إنشاء قناة تليفزيونية تبث على الهواء مباشرة وقائع جلسات مجلس الشعب ليتاح للمواطنين أن يتابعوا المناقشات التى تجرى تحت القبة، وأن يستمتعوا بوصلات الغناء البرلمانى، ويتعرفوا على ما يتمتع به نواب الثورة من مواهب، وعلى المستوى الرفيع من الفصاحة والبلاغة والثقافة الدستورية التى أهلتهم لممارسة سلطة التشريع والرقابة فى أول مجلس نيابى جاءت به أول انتخابات حرة نزيهة فى تاريخ مصر. ورحب النواب بالفكرة وأشادوا بها وقالوا إنها سوف تقضى على عملية التزييف التى كانت تقوم بها رقابة التليفزيون فى العهد البائد حين كانت تحذف من أقوالهم تحت القبة كل ما يقولونه انتقاداً لسياسة الحكومة، أو تنديداً بفسادها وخاصة النقاط القوية التى ترد فى الأسئلة وطلبات الإحاطة والاستجوابات التى يقدمونها ولا تذيع من هذه الأقوال إلّا عبارات التأييد التى كانت ترد على ألسنتهم أحياناً على سبيل المجاملة أو التظاهر بالموضوعية، أو على سبيل التخفيف من حدَّة الهجوم، ثم إن هذا البث المباشر للجلسات سوف يعفيهم من الاضطرار إلى منافقة وزير الإعلام، أو على الأقل الصمت على أخطاء وزارته حتى لا يفرض عليهم تعتيماً تليفزيونياً شاملاً، يهددهم بفقد مقاعدهم فى أول انتخابات برلمانية قادمة! ولسبب مختلف رحب بالفكرة المهتمون بالتطور الديمقراطى فى مصر، فقالوا إن البث التليفزيونى المباشر لجلسات البرلمان هو بمثابة رقابة شعبية مزدوجة على السلطتين التنفيذية والتشريعية، تتيح للشعب أن يتعرف على أخطاء الحكومة من خلال أقوال النواب من جانب وأن يتعرف من جانب آخر على مدى جدية وأهلية النواب للقيام بدورهم الرقابى والتشريعى، فتتسع ثقافته السياسية ويتشكل الرأى العام الناضج، الذى يحسن اختيار نوابه ويستطيع تقييم أداء حكوماته. لكن التليفزيون ما كاد ينتهى من البث المباشر للجلسات الأولى لاجتماعات مجلس الشعب، حتى سادت حالة من الإحباط الشديد، بين صفوف الشعب الذى احتشد لمتابعتها وكأنه يشاهد المباراة النهائية لدورى كرة القدم، فقد خضع النواب لغواية الإعلام، وتدافعوا يتزاحمون لطلب الكلمة ليبرهنوا لزوجاتهم وأمهاتهم وأبنائهم أنهم أصبحوا نجوما يظهرون على شاشة التليفزيون ويثبتوا للناخبين فى دوائرهم أنهم يقومون بواجبهم البرلمانى على الوجه الأكمل، لكن ما أذاعه التليفزيون على لسان الكثيرين منهم أثبت العكس وبرهن على أنهم لا يفرّقون بين الألف وكوز الذرة فى المسائل الدستورية والبرلمانية ولا يعرفون شيئا عن مبدأ الفصل بين السلطات ولا يميزون بين الكلام الذى يقال فى المقهى أو فى دوّار العمدة، وبين الكلام الذى يليق أن يقال تحت قبة البرلمان وكشف عن أن غواية الإعلام قد قادتهم إلى ثرثرة لا طائل من ورائها.. وإلى أخطاء لائحية ودستورية لا أول لها ولا آخر! أما الذى زاد الطين بلّة، فهو أن نواب المعارضة فى المجلس قد استغلوا البث التليفزيونى المباشر للجلسات، لكى يزايدوا على نواب الأغلبية، ويثبتوا للشعب أنه أخطأ حين أعطاهم صوته، ويدللوا على ذلك بأن هؤلاء النواب ما كادوا ينتقلون من مقاعد الأقلية ليشغلوا مقاعد الأغلبية، حتى فقدوا ثوريتهم، وتنكروا للشعب الذى انتخبهم وللثورة التى أجلستهم على مقاعدهم، وإلّا ما أعلنوا أن الشرعية انتقلت من الميدان إلى البرلمان، ولما وصفوا الثوار بأنهم بلطجية ومخربون، وهو ما دفع فريقاً من نواب حزبى الأغلبية إلى اقتراح وقف البث التليفزيونى للجلسات حتى لا يستغله نواب المعارضة للمزايدة السياسية التى تهدف إلى تشويه أداء المجلس، وإفقاده مشروعيته، لكن فريقا آخر من نواب الأغلبية تمسك بحقه المكتسب فى الظهور على الشاشة لطمأنة الأهل والخلان والناخبين، على أن فى البرلمان نوابا.. وليس كيزان ذرة. ولم تجد قيادة حزبى الأغلبية حلاً، إلا باتباع قاعدة لا يفل الحديد إلّا الحديد، ولا يوقف المزايدة الثورية التى يقوم بها نواب الأقلية إلا مزايدة ثورية أقوى منها يقوم بها نواب الأغلبية وبذلك لا يرسى المزاد على أحد، ولا يدفع أحد ثمناً لهذه المزايدات إلاّ الشعب الذى ضاق بالجميع، لكنه لا يعرف ماذا يفعل! وكان ذلك ما حدث فى الأسبوع الماضى أثناء نظر مشروع قانون حرمان فلول العهد البائد من الترشح لرئاسة الجمهورية الذى تولدت فكرته فجأة فور إعلان اللواء عمر سليمان -نائب رئيس الجمهورية السابق- ترشيح نفسه، لدى أحد نواب المعارضة، فطرح فكرته على الهواء مباشرة أثناء بث جلسة عامة كانت مخصصة لموضوع آخر، ليتسابق نواب الأغلبية إلى تأييده، وعلى الفور أحيل المشروع إلى اللجان المختصة ثم إلى جلسة عامة أخرى أقيمت فيها مزايدة ثورية عامة بين نواب الأغلبية والمعارضة، خضع فيها الجميع لأخطار الارتجال فاعترفوا صراحة بأن الهدف من مشروع القانون هو حرمان «عمر سليمان» من الترشح لرئاسة الجمهورية من دون أن ينتبهوا إلى أن ذلك يشخصن القانون ويفقده بالتالى دستوريته، وحين نبههم عدد قليل من النواب الذين عارضوا المشروع إلى وجوه أخرى لعدم دستوريته دخل المؤيدون للقانون من نواب الأغلبية والمعارضة فى مزايدة ثورية أخرى، تسابقوا خلالها فى توجيه اللعنات إلى الدستور، والمطالبة بإلقائه فى النهر ومن بينهم رجال قانون وقضاة وفقهاء دستوريون. وعند المناقشة التفصيلية فى مواد المشروع دخل الطرفان فى مزايدة أخرى حول الفئات التى يشملها الحرمان من الترشح لرئاسة الجمهورية، بحيث لا تقتصر على «عمر سليمان» وحده، فأضافوا إليه الوزراء السابقين ونواب الحزب الوطنى فى الفصلين التشريعيين السابقين وأعضاء لجنة السياسات ورؤساء تحرير الصحف القومية ومقدمى البرامج التليفزيونية وأعضاء المجالس المحلية وعددهم 54 ألفاً، وعندما اكتشفوا أن بعض هؤلاء زملاء لهم فى المجلس وأن حرمان آخرين -كالوزراء- سوف يوقعهم فى حرج مع المشير طنطاوى الذى كان أحد وزراء مبارك، فضوا المزايدة وسحبوا تأييدهم لعزل الوزراء. ولم يتنبه الذين أقاموا هذه المزايدة، لعزل الفلول أنهم كانوا يسيرون على دربهم وأن ظاهرة تفصيل قوانين خاصة لحرمان خصم سياسى هى من التقاليد التى عرفتها برلمانات العهود البائدة، ففى عام 1970 اختلف الرئيس عبدالناصر مع وزير التربية والتعليم د. محمد حلمى مراد، فأقاله من منصبه وعندما سمع أنه مرشح لتولى منصب فى إحدى المنظمات الدولية، استصدر قانونا من مجلس الأمة يحرم على الوزير أن يتولى أى منصب خارج البلاد، إلاّ بعد خمس سنوات من تركه لمنصبه، وفى عام 1977 أمر الرئيس السادات بإسقاط عضوية زميله السابق فى مجلس قيادة الثورة كمال الدين حسين فى مجلس الشعب، بسبب اعتراضه على بعض سياساته وعندما قرر «كمال الدين حسين» أن يعيد ترشيح نفسه فى الانتخابات التكميلية التى جرت فى الدائرة، استصدر السادات من مجلس الشعب قانوناً يحرم على النائب المفصول أن يعيد ترشيح نفسه، وفى العام التالى أصدر السادات قانون العيب لكى يحول بين فؤاد سراج الدين وبين رئاسة حزب الوفد. وهكذا قادت غواية الإعلام نواب الثورة إلى المزايدات الثورية.. وقادتهم هذه المزايدات إلى الانضمام إلى معسكر فلول الثورة! لتتأكد بذلك الحقيقة التاريخية التى تقول إن الثورات فى مصر.. تنتهى عادة إلى أنظمة ديكتاتورية ويتحول الذين يقومون بها من ثوار.. إلى فلول.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

ali

فلول

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد

بين الرئيس ونواب الشعب المنتخبين

عدد الردود 0

بواسطة:

دعاء

ايوة كدة طلع اللي في قلوبنا

عدد الردود 0

بواسطة:

كمبل

تباريح جريح

عدد الردود 0

بواسطة:

khalid

ياحى ياقيوم برحمتك نستغيث.. اللهم أصلح لنا شأننا كله

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة